| أصيل منصور
لا تزال القمّة العربية الـ 31 في الجزائر، المنتهية للتوّ، تثير جدلاً بخصوص الحيثيات التي رافقتْها والمفارقات التي حملتْها. وإذا كان حرص السلطات الجزائرية على تظهير صورة «جامعة مانعة» للقمّة، في ظلّ حاجتها إلى دفع رمزي ومعنوي لدورها المنتعش أخيراً، إلّا أن مقاطعة عدد من قادة الدول لهذا الحدث أظهرت رفضاً مبطّناً لذلك الدور، وخصوصاً في ما يتّصل بالقضية الفلسطينية، الأمر الذي قد يفسّر جانباً من قرار قادة التطبيع الجديد أو «المزمَع»، «مقاطعة» المؤتمر
الجزائر | قُبيل انطلاق القمّة العربية في الجزائر، أعلن الديوان الملكي السعودي أن وليّ العهد، محمد بن سلمان، لن يَحضر القمّة لأسباب وُصفت بـ«الصحّية»، ما أثار تكهّنات حول الخلفيّات الحقيقية لهذا القرار، ومن بينها تقديرات بأن اهتمام الجزائر بجعْل القضية الفلسطينية في قلْب جدول الأعمال والمخرجات، فضلاً عن سعيها لإظهار طابع جامع تكون هذه القضية في صلْبه، وإصرارها على إدراج «إعلان المصالحة» المُوقَّع على أراضيها بين 14 فصيلاً فلسطينياً في الجزائر قبل شهر، على طاولة المشاركين، هو من بين الأسباب التي تقف خلف خطوة “المقاطعة”. وممّا عزّز هذه الشكوك غياب قادة البحرين والإمارات والأردن والمغرب أيضاً عن القمّة، على اعتبار أن جميع الدول المذكورة من الأطراف المُطبّعة قديماً أو حديثاً، فيما الجزائر لا تزال تحافظ على موقفها الرافض للتطبيع. وعلى الرغم من أن ما بين المغرب والجزائر من حساسيات تتعدّى الموقف من القضية الفلسطينية، إلّا أن انخراط الأولى في «اتفاقيات آبراهام» كان له تأثيره البالغ على العلاقات المتوتّرة أصلاً، وهو ما قد يكون له دور كذلك في غياب الملك المغربي، محمد السادس، عن القمّة.
مع ذلك، يقلّل مراقبون جزائريون من أهمية تلك المفارقات، على اعتبار أن جميع الدول المشاركة في القمّة، بما فيها المُطبّعة، قد وقّع ممثّلوها (على اختلاف صفاتهم) على البيان الختامي، وبالتالي باتوا «ملزَمين» بتطبيق ما جاء فيه، بما يشمل النقاط المتّصلة بالقضية الفلسطينية.
القمّة من الناحية التنظيمية والبروتوكولية والشكلية فاقت كلّ القمم السابقة
وإذ يبدو هذا التقدير مبالغاً في التفاؤل، فإنّ مراقبين آخرين يذهبون إلى أن القمّة ستكون لها بالفعل «آثار على العلاقات بين الدول العربية في مجال التعاون السياسي والاقتصادي»، معلّلين تقديرهم بأن «الجزائر هي أحد البلدان التي تحقّق الإجماع إقليمياً، على رغم خلافاتها مع عدد من الدول». وفي هذا الإطار، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة البليدة، عبد القادر سوفي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «بعض الأطراف تسعى إلى التشويش على القمّة العربية في الجزائر، بعدما نجحت الأخيرة في استقبال 17 حاكماً (بين أمير وملك ورئيس)، وتمثيل من طرف 21 دولة عربية»، معتبراً أن «عدم حضور بعض القادة تفاصيل هامشية لا ترقى لذكرها… وخاصة أن القمّة من الناحية التنظيمية والبروتوكولية والشكلية فاقت كلّ القمم المنظَّمة من قَبل، وكانت متميّزة إلى درجة أبهرت كلّ الحاضرين العرب وغير العرب لِما وصلت إليه الجزائر من تطوّر». ومن حيث المضمون، يلفت سوفي إلى أن «القمّة خرجت بتوافقات وإجماع حول المخرجات من دون تسجيل أيّ تحفّظ يٌذكر».
وفي الاتجاه نفسه، يعتقد المحلّل السياسي والباحث في الشؤون الدولية، وحيد بوطريق، أن «القمّة العربية تُقاس بالإرادة السياسية للجامعة العربية والتي كانت موجودة»، وكذلك بـ«إرادة العمل الجماعي المشترك». ويرى بوطريق، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «القمّة كانت ناجحة بالتنظيم العالي وكذلك الحضور الكامل للدول العربية»، متحدّثاً عمّا وصفه بـ«التوافق التامّ في عمل مندوبي الدول العربية، وفي العمل الوزاري الاقتصادي الاجتماعي، إلى جانب عمل وزراء الخارجية العرب في التحضير لجدول أعمال القمّة، وعمل القادة العرب الحاضرين”، منتهياً إلى القول إن “إعلان الجزائر ناجح».
وإذا كان المجتمعون في الجزائر قد توافقوا على الصيغة النهائية للبيان الختامي، فإن السؤال الذي يُطرح هو مدى التوافق على تجسيد ما جاء فيه عملياً، وخاصة أن أيّ دولة لم تبدِ استعدادها للتراجع عن أيّ من مواقفها، وتحديداً في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، التي بات عدد مسانديها من بين الدول العربية يُعدّ على أصابع اليد الواحدة.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار