| د. سعـد بساطـة
لي صديق يمازحني بأننا متكاملان؛ هو يملك المال متمثـّلاً بمؤسسة صناعـية ضخمة؛ وأنني- كما يدّعـي- أملك العـلم!
أتاني ذات يوم يشكو؛ بأن الزمن جعـله يكتشف أن العـديد من المفاصل الحساسة بمؤسسته يديرها أشخاص يفتقرون للكثير من الميزات ولكنهم يكابرون بأنـّهم رفيعـو الكفاءة. ابتسمت وقلت له (هنالك تشخيص واضح للوضع؛ فما هو إلا متلازمة «دانينغ كروجير»)!
(Dunning-Kruger syndrome) هي اضطراب نفسي يحمل اسم العالمين اللذين وصفاه لأول مرة، ويُعرف على أنه انحياز في الإدراك يشير لميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير مهاراتهم. وتم تلخيص النظرية فيما يلي: «الجهل، على عكس المعرفة الحقيقية، يزيد الثقة بالنفس». هو انحياز معرفي يشير إلى ميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير مهاراتهم بسبب عدم قدرتهم على التفريق بين الشخص الكفء وغير الكفء وهم يعانون من وهم التفوق. وتم تحديد ظاهرة التفوق الوهمي على أنها شكل من أشكال التحيز المعرفي بدراسة دانينغ وكروجر عام 1999؛ ومنحـا جائزة نوبل عام 2000، كإقرار للعمل العلمي المسجل في تقريرهم!
اختبرا فرضيات التحيز المعرفي للتفوق الوهمي على طلاب المرحلة الجامعية من المقررات التمهيدية في علم النفس، من خلال دراسة التقييم الذاتي للطلاب لمهاراتهم الفكرية في التفكير المنطقي، وقواعد اللغة وحس الفكاهة. وبعد تعلم درجاتهم للتقييم الذاتي، طُلب من الطلاب تقدير رتبتهم في صف علم النفس. فقامت مجموعة الطلاب الأكفاء بالتقليل من رتبهم في الصف، في حين أن مجموعة الطلاب غير الأكفاء قد بالغوا في تقدير رتبهم.
كان التعريف المستمد من التحيز المعرفي واضح بشكل كبير في القضية الجنائية في سنة 1995 عـندما تم القبض على لص أميركي اسمه «ماك آرثر ويلر» وهو يحاول سرقة بنك في عز النهار! عندما حققت معه الشرطة سألوه لماذا ارتكبت الجريمة في هذا الوقت ومن دون أي وسيلة تنكر؟ اندهش وانهار وهو يصرخ أنه كان متنكراً فواجهته الشرطة بفيديوهات كاميرات المراقبة التي أظهرته وهو من دون أي قناع! أجاب «ماك آرثر» بكل ثقة وأريحية بأنه كان قد دهن وجهه بعصير الليمون لاعتقاده أنه مثل الحبر السري وأنه سيمنع التعرف على ملامحه أو أن ترصده كاميرات المراقبة!!
على الرغم من أن تأثير دانينغ كروجر تم صياغته في عام 1999، إلا أن التحيز المعرفي وهم تفوق كان معروفاً على مر التاريخ، والذي حدده المثقفون، مثل:
الفيلسوف كونفوشيوس (551-479 قبل الميلاد) قال: «المعرفة الحقيقية هي معرفة مدى جهل الفرد»
الكاتب المسرحي ويليام شكسبير (1564-1616) قال: «الأحمق يعتقد أنه حكيم، ولكن الرجل الحكيم يعرف نفسه بكونه أحمق».
عالم الطبيعة تشارلز داروين (1809-1882) قال: «الجهل في كثير من الأحيان يولد الثقة أكثر مما تفعل المعرفة».
المتنبي الشاعر العباسي قال: «ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم».
أول درس نتعـلمـه من المتلازمة «مهما حصلت على التقدير ممن هم في نفس مستواك، هناك من هو أكثر خبرة منك، وما زال هناك الكثير لتتعلمه، فلا تعتقد أنك وصلت للقمة»، وهو ما يأخذنا إلى النقطة الثانية وهي انهيار الثقة تماماً وفقدان الدافع وانطفاء شعلة الحماس الزائف. وفي هذه المرحلة يستسلم البعـض إلا ذوي الإصرار والعزيمة.
ومع العمل بجد، نصل للنقطة الثالثة، وهي بداية استعادة الثقة، واسمها «الضوء الظاهر في آخر النفق»، إذ تبدأ بترتيب أفكارك واستيعاب كل ما تعلمته بتجارب حقيقية في أرض الواقع.
وأخيراً، النقطة الرابعة وهي استعادة الثقة بالنفس مع وجود خبرة كافية وعلم يبدّل البيت من الرمال الهشّة ببيت من الخرسانة شديدة البأس.
النتيجة: كُن على وعي كاف أنك كلما تعلمت مهارة جديدة أو لغة أو حتى في مذاكرتك، فإنك ستمر بهذه المراحل، فاحذر من الثقة الزائفة، وابق حريصاً على الاستمرارية والصبر حتى تصل إلى مبتغاك.
في الختام؛ تساؤل مؤلم: كم من الحمقى بمفاصل مؤسساتية حساسة يعـانون من متلازمة «دانينغ كروجر»؟!
سيرياهوم نيوز3 – الوطن