- نقولا ناصيف
- الثلاثاء 6 تشرين الأول 2020
تحرّكان يسبقان مفاوضات الناقورة: لقاءات مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى دافيد شنكر في 13 تشرين الأول غداة وصوله بالقيادات السياسية للتشاور التمهيدي، ومقابلة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش رئيس الجمهورية لإطلاعه على ترتيبات المكان
مقالات مرتبطة
-
إسرائيل: مزارع شبعا لنا… بوعدٍ إلهيّ! يحيى دبوق
تتقاطع مفاوضات 14 تشرين الأول مع سابقتين، تتشابه معهما في جوانب متباينة: أولى ترتّب عليها تفاهم نيسان 1996 بين لبنان و«إسرائيل»، انضم إليه في مطلعه وزيرا الخارجية الأميركي وارن كريستوفر والفرنسي إيرفيه دوشاريت، ثم غادراه واقتصر من بعد في اجتماعات السنوات التالية على لبنان و«إسرائيل» والأمم المتحدة، ولا يزال التفاهم قائماً كلجنة دائمة الى اليوم. آخر مهماته عام 2017، عندما باشرت «إسرائيل» بناء جدار حدودي، فالتقت اللجنة الثلاثية ثماني مرّات، من غير أن تتوصل الى حلّ للجدار. في عِدادها إبّان التفاوض على تفاهم نيسان، ممثل للخارجية اللبنانية تعاقب على حضور اجتماعاتها السفيران فريد عبود ومسعود معلوف بغية الاستعانة بخبرتهما الدبلوماسية. إلا أن المفاوضين الرئيسيين هم ضباط. عني تفاوض تفاهم نيسان بوقف العمليات العسكرية وإعادة الاستقرار بما لا يؤدي الى استهداف المدنيين، وحصر النزاع بالجبهات.
السابقة الثانية الأقرب، مفاوضات انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية في أيار 2000، أفضت الى رسم خط أزرق برّي هو خط الانسحاب الإسرائيلي الموازي لخط الحدود الدولية بتباين 13 نقطة تحفّظ عنها لبنان، و3 نقاط تحفّظت عنها «إسرائيل». إلا أنه شكّل الخريطة المرجعية لاعتراف الأمم المتحدة بانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، تبعاً لما عدّته تطبيقاً للقرار 425، وهو لم يكن كذلك. أُرغم لبنان عليه، دونما الاعتراف به سوى خط انسحاب لا خط حدود دولية.
ما ترمي إليه مفاوضات 14 تشرين الأول يختلف عن السابقتين اللتين شهدتا تفاوضاً عسكرياً تقنياً بين لبنان و«إسرائيل» برعاية أممية في المرّتين وبمشاركة أميركية في أولاهما. المفاوِضون يعودون الى طاولة الناقورة الأسبوع المقبل وتنتظرهم بضعة بنود:
أوّلها، رغم ميل البعض، ومنه الجيش، الى انضمام ممثّل لوزارة الخارجية الى الفريق المفاوض اللبناني برئاسة ضابط كبير، بغية الاستعانة بخبرته على غرار الخبراء القانونيين والتقنيين عسكريين ومدنيين، كما في كل تفاوض، إلا أن من غير الواضح اعتماد هذا الخيار، تفادياً لأي انطباع بمغزى سياسي أو دبلوماسي يطغى على التفاوض العسكري والتقني المحض، خلافاً لما رافق مفاوضات تفاهم نيسان التي عكست نزاعاً سياسياً ودبلوماسياً، مقدار ما كان عسكرياً. كذلك الأمر مع رسم الخط الأزرق عام 2000.
يعزّز فكرة المشاركة الدبلوماسية أن ممثل الأمم المتحدة في مفاوضات الناقورة هو ممثل الأمين العام يان كوبيتش، على أن ينضم إليه قائد اليونيفيل الجنرال ستيفانو دل كول وعضو ثالث يدوّن المحضر الذي سيشكّل الوثيقة الرسمية المتداولة لدى الأفرقاء الأربعة المتفاوضين عن الجلسات. يحضر قائد اليونيفيل تمهيداً للمرحلة التالية التي هي الترسيم البرّي، المعنيّة به القوة الدولية كونها منتشرة في البرّ، فيما لا صلاحية لها على البحر، وغير معنيّة بترسيم حدوده. يفسح ذلك في المجال أمام تأكيد ربط الترسيم البرّي بالترسيم البحري فور انتهائه أولاً، وتبادل الوثائق وتزويد الأمم المتحدة إياها. وهو ما تضمّنه الاتفاق الإطار الذي أعلنه الرئيس نبيه برّي، ومن شأنه أن يكون الفجوة التي يدخل منها الجمل.
ثانيها، عام 2009 في مطلع مهمة الموفد الأميركي فريديك هوف قبل التوصل الى رسم الخط الذي حمل اسمه، أجرى مفاوضات أولى في بيروت في السنة التالية من عهد الرئيس ميشال سليمان. حينذاك، لم يكن ثمّة خوض في مفاوضات، بل محادثات لبنانية – أميركية سبقت انتقال الملف الى رئيس البرلمان السنة التالية. في محادثات هوف مع السفير ناجي أبي عاصي، طرح لبنان كفكرة أولى رسم خط أزرق بحري موقت، مشابه للخط الأزرق البرّي بغية مباشرة استثمار النفط في البحر. سرعان ما نشأ خلاف على نقطة انطلاق الترسيم البحري من البرّ.
لا تخوض المفاوضات المقبلة في خط أزرق بحري، بل في ترسيم حقيقي وجدّي ونهائي للحدود في ظل خلاف على المرجعية البرّية للانطلاق. عندما وُضع الخط الأزرق البرّي، عُدّ بديلاً من خط الحدود الدولية الموجود في الأصل منذ عام 1923، وأعاد اتفاق الهدنة عام 1949 التأكيد عليه، وصولاً الى تمسّك لبنان به في مفاوضات عام 2000، وهو مصدر تحفّظه عن نقاط فيه رغم أن الفروق بضع مئات أمتار ليس أكثر، فيما يتمدّد الخط الأزرق البحري ويُفقِد لبنان مئات الكيلومترات من منطقته الاقتصادية الخالصة.
ما بين رفض النقطة 1 والنقطة 23 يصبح خطّ هوف تسوية معقولة؟
ثالثها، يضع الجيش، المطّلع على دقائق ملفّ الترسيم ما دام سيقود المفاوض اللبناني، لاءاته حيال نقاط لا يسع لبنان التنازل عنها، يحدّدها كالآتي:
1 – رفضه أن يكون خط الحدود البحرية من رأس الناقورة الى النقطة 1 الذي تتمسّك به «إسرائيل»، وكان لبنان قد أبرمه مع قبرص موقتاً، فيما يتشبّث لبنان بالنقطة 23. بينهما يقع الخط الذي رسمه هوف انطلاقاً من مسافة 3 كيلومترات في المياه اللبنانية. استغرق رسمه سنة كاملة، وأتى سابقة إذ ارتأى الانطلاق من البحر لا من نقطة مرجعية برّية، كما في قواعد رسم الحدود البحرية. فسحة التفاوض والتوافق على تسوية تكمن في تفاهم الطرفين على تنازل كل منهما عن النقطتين 1 و23، وصولاً الى الاتفاق على خط هوف. بيد أن أياً منهما، بدءاً من الجولة الأولى، ليس في صدد التفاوض على النقطتين. على الأقل بالنسبة الى لبنان الذي يصرّ على النقطة 23.
2 – رفض لبنان تحريك النقطة B1 التي ينادي الإسرائيليون بتراجعها بضع عشرات أمتار الى الوراء داخل الأراضي اللبنانية، بينما تشكّل هذه النقطة إحدى النقاط 13 التي يتحفّظ عنها لبنان في الخط الأزرق، منها انطلق ترسيم حدود النقطتين 1 الإسرائيلية و23 اللبنانية.
3 – رغم صواب شرط برّي عدم تقييد التفاوض بمهلة محددة، بيد أن لبنان يفضّل أن لا تطول جولات التفاوض أشهراً، ما يجعل لبنان عرضة للضغط عليه لانتزاع تنازلات منه. أضف سبباً مهماً آخر، وقد يكون أولوية، هو أن المفاوضات الطويلة تحرم لبنان، كما «إسرائيل»، من مباشرة التنقيب لاستثمار النفط في البحر. قبل إنجاز الترسيم البحري نهائياً، لن تباشر أي شركة أعمالها والتنقيب وبناء منصّتها البحرية. يُعوّل لبنان على استعجال التنقيب واستخراج النفط الذي أضحى أحد أبرز أسباب انتشال اقتصاده من القعر.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)