ما زال الحوار بين الإدارة السورية الجديدة و”قسد” يراوح مكانه، على رغم أن لقاءات عدة جمعت قادة الطرفين، وسط استمرار الخلافات على شكل انضمام قوات الأخيرة إلى الجيش السوري الجديد. يأتي ذلك في ظل استمرار ترقّب موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في شأن سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، وخطاب زعيم حزب “العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، المحتمل غداً، لتحديد مستقبل الصراع المسلح مع تركيا، بما ينعكس على عناصر الحزب في شمال شرق سوريا.
وفي سياق الموقف الأميركي، قالت القائمة بأعمال السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، دوروثي شي، إن “المساعدات الأميركية لإدارة وتأمين مراكز احتجاز أسرى تنظيم داعش وعائلاتهم في شمال شرق سوريا، لا يمكن أن تستمر إلى الأبد”، داعية الدول إلى “إعادة مواطنيها النازحين والمحتجزين الذين ما زالوا في المنطقة على وجه السرعة”. وأشارت إلى أن “الأعمال القتالية المستمرة في شمال شرق سوريا تثير قلق الولايات المتحدة”، مؤكدة أن “واشنطن ستواصل السعي لوقف إطلاق النار، والذي سيمكّن قوات قسد الكردية من التركيز على التصدي لتنظيم داعش، والحفاظ على أمن مراكز الاحتجاز ومخيمات النازحين”.
وعلى مقلب دمشق، يبدو واضحاً الإصرار على إعطاء فرصة واسعة للحوار، لانشغالها حالياً بترتيب ملفات مؤتمر الحوار الوطني وتشكيل المجلس التشريعي والحكومة الانتقالية. وتعرض الإدارة السورية نفسها كقوة قادرة على التصدي لمهمة حماية المخيمات والسجون التي تحوي عناصر تنظيم “داعش” وعوائلهم، كبديل لـ”قسد”. كما أنها تدرك أن أيّ انخراط في حرب جديدة ضد “قسد”، سيصعّد من المواقف الغربية ضدها، ويؤخّر عملية رفع العقوبات والتنمية الاقتصادية التي تسعى إلى الاستعجال بها، لبدء إعادة الإعمار في البلاد.
ولكن دمشق تحاول أيضاً ممارسة ضغوط على “قسد” لتقديم تنازلات قاسية، منها قبول الانضمام إلى الجيش الجديد كأفراد وليس ككتلة، وفق ما تطالب به الأخيرة، تمهيداً لاتفاق شامل يضع نهاية لحالة الانقسام الجغرافي في البلاد، ويضمن سيادة الدولة على كامل الأراضي السورية. وظهرت ملامح ذلك من خلال تأكيد المتحدث باسم اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، حسن دغيم، أن “الجماعات المسلحة، بما فيها قوات قسد الكردية، لن تشارك في المؤتمر ما لم تسلّم سلاحها وعهدتها وتندمج في وزارة الدفاع”، قائلاً في مؤتمر صحافي في دمشق إن “الحوار يهدف إلى تبادل وجهات النظر وليس استعراض قوى وعضلات. فهذه قضية أساسية”. ورأى أن “قسد لا تمثّل الأكراد، وأن من يمثّل السوريين في شمال شرق البلاد هم أهل هذه المحافظات”، مضيفاً أنه “ليس لأيّ أحد في سوريا أن يفرض امتيازاً له أو يحتجز قطعة من الوطن”.
واشنطن: المساعدات لإدارة وتأمين مراكز احتجاز أسرى “داعش” لا يمكن أن تستمر إلى الأبد
وقرأ مراقبون هذه التصريحات على أنها بمثابة إعلان انتهاء المفاوضات بين الطرفين، والتوجّه نحو الحلول العسكرية، وهو ما دفع برئاسة الجمهورية الانتقالية إلى إصدار توضيح أكدت فيه أنه “لا صحة للأخبار بشأن انتهاء المفاوضات مع قسد”. والواضح أن مسار المفاوضات لا يزال فعالاً، وهو ما ظهر من خلال محاولة “قسد” اتخاذ إجراءات حسن نوايا، أشارت إليها المعلومات عن بدء ضخ نحو 1.2 مليون متر مكعب من الغاز المصاحب من معمل غاز الجبسة في اتجاه محطة الريان في ريف حمص، للاستفادة منه في توليد الطاقة الكهربائية، مع التحضير لتسيير قوافل من صهاريج المحروقات في اتجاه الداخل السوري.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر مطّلعة، لـ”الأخبار”، أن “الأسبوع المنصرم شهد جلسة مفاوضات تقنية بين ممثلين عن دمشق وقسد، ناقشت جملة من القضايا العسكرية والإدارية”، مشيرة إلى أن ” الإدارة السورية مصرّة على دمج قسد كأفراد في بنية الجيش السوري وتسلّم مراكز احتجاز عناصر داعش، مع مناقشة إمكانية مشاركة الإدارة الذاتية في إدارة جزء من شؤون البلديات، ومنحها الحقوق الثقافية”. كما كشفت أن “الولايات المتحدة ودولاً أوروبية، من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، تضغط لاتفاق واضح بين الطرفين، ومنع حصول أيّ مواجهات عسكرية”، لافتة إلى أن “تركيا تضغط على دمشق للتأكيد على إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في المنطقة، سواء بالدبلوماسية أو بالحرب”.
في هذا السياق، كررت وزارة الدفاع التركية، في بيان، أن “وجود قواتنا في سوريا هدفه تأمين الحدود، وتطهير سوريا بأكملها من الإرهاب، وخاصة شمال شرقها”، مشيرة إلى “وجود تفاهم بين أنقرة والإدارة الجديدة في سوريا، بشأن هذه القضية”. من جهته، دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى “دمج قسد في القوات الوطنية السورية”، فيما شدّد وزير خارجيته، جان نويل بارو، على “ضرورة أن تسكت المدافع والأسلحة في جميع أنحاء سوريا”. ودعا رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، بدوره، إلى “انخراط الأكراد في العملية السياسية في سوريا”، معتبراً أن “قوات سوريا الديموقراطية لا تمثّل كلّ الأكراد في سوريا”.
أخبار سوريا الوطن١ الأخبار