علي عبود
أعدت قراءة القانون 15 الخاص بضريبة البيوع العقارية عدة مرات، ومع ذلك لم أجد فيه مادة مستقلة ولا فقرة من مادة تنص على التالي: يُكلّف مديرو المالية في المحافظات بتفسير القانون 15، والرد على تساؤلات الجهات العامة والخاصة حول كل ما يتعلق بتطبيق القانون وتعليماته التنفيذية، واعتبار إجابتهم ملزمة لسائر الوزارات والجهات العامة، وجزءاً لا يتجزأ من قانون البيوع العقارية! ولم يُنشر في إعلامنا قرار يكلّف فيه مديرو المالية بالرد على التساؤلات، وأنها واجبة التنفيذ مثل القانون 15 تماماً، ولا يمكن الاعتراض عليها! ومع ذلك نصّب مدير مالية دمشق نفسه مفسراً لحالات لم يرد فيها أي نص في قانون البيوع العقارية، وأفتى فيها بشكل مخالف للقانون 15 دون أي تكليف قانوني صريح ومباشر! لقد صدر القانون 15 لتصحيح الخلل الكبير في تحصيل الضريبة المترتبة على البيوع العقارية، لكنه أغفل عمداً أو تقصيراً وجود قانون هيئات شاغلي الأبنية ولجانها الإدارية رقم 55 لعام 2002 الذي تنص المادة 27 منه على تقاضي لجان الأبنية نسبة 10% من قيمة التقدير المالي للشقة في حالة البيع، و5% في حالة التأجير. وللتوضيح: تتقاضى وزارة المالية نسبة 1% من قيمة بيع عقار قيمته الرائجة 600 مليون، بما لا يتجاوز 6 ملايين، في حين يجيز قانون الشاغلين رقم 55 للجان الأبنية تقاضي نسبة 10% من قيمة العقار نفسه أي 66 مليون ليرة، وهذا غير منطقي على الإطلاق! من الغريب أن وزير الإدارة المحلية خلال مناقشة مشروع قانون البيوع العقارية في مجلس الوزراء، وفي مجلس الشعب، لم يتدخل ليؤكد على ضرورة تعديل المادة 27 من القانون رقم 55 لعام 2002 تجنباً للتناقض الصارخ والفاضح الذي سرعان ما انكشف خلال تطبيق قانون البيوع العقارية رقم 15. كما لم تتدارك لجنة التشريعات في مجلس الشعب أثناء مراجعة قانون البيوع العقارية هذا التناقض، وتقديم اقتراحات لإزالته تجنباً لقيام “مفتي” المالية بمخالفة القانون 15!! الملفت أن هناك ممثّلاً لوزارة الإدارة المحلية في اللجان التي نص على تشكيلها قانون البيوع العقارية، ومع ذلك لم يلفت نظر وزيره إلى الخلل اللامنطقي بين القانونين 15 و55، فلماذا؟. ما من تفسير سوى أن القانونيين في وزارتي المالية والإدارة المحلية لا يعترفون بالقانون 55 لعام 2002، أو لم يطلعوا على نص المادة 27 منه، ما أدى إلى أن يفتي مدير مالية دمشق بمخالفة القانون 15، ويصدر فتوى بأن القانون 15 لا يسري على لجان الأبنية!! لقد بدأت الخلافات بين بائعي الشقق ولجان الأبنية خلال الأشهر الأخيرة، فالمادة 27 من القانون 55 لعام 2002 منحت الحق للجان بتحصيل 10% من قيمة العقار المالية عند البيع، أي عشرة أضعاف حصة مديريات المالية، وهي حالة كما أكدنا لامنطقية وشاذة! صحيح أن البائع يدفع ضريبة العقار للمالية مضطراً كي تتم عملية البيع، لكنه غير مستعد لدفع أي مبلغ ولو 10% مما حصّلته المالية للجان الأبنية، بل ويدفع الملايين للمكاتب العقارية وهو في غاية السرور! ومع أن بعض الوحدات الإدارية اقترحت تعديل المادة 27 لتتماشى مع القيم التقديرية الرائجة الجديدة للعقارات، إلا أنه ما من محافظة تجاوبت سوى دمشق، وأدى تجاوبها إلى فتوى غير قانونية من مديرية مالية دمشق! بدلاً من أن يحيل محافظ دمشق استفسار إحدى لجان البناء حول تقاضي النسب المترتبة على البيوع العقارية إلى وزير الإدارة المحلية المعني والمسؤول الأول عن معالجة الخلل، فقد أحال الاستفسار بكتاب رسمي إلى مديرية مالية دمشق، فماذا كان الرد على الاستفسار؟ أفتت مديرية مالية دمشق بعد ديباجة (لالزوم لها) بالتالي: “تبقى النسب الواردة في المادة 27 من التعليمات التنفيذية للقانون 55 لعام 2002 تحسب على أساس القيم الواردة في التقدير المالي وليس على أساس القيم الرائجة للعقارات”! لا يحتاج الأمر إلى محام أو فقيه قانوني ليكتشف أن هذه الفتوى مخالفة لقانون البيوع العقارية، والتي تعني أن نسبة لجنة البناء من أية عملية بيع شقة ستبقى أقل من الاشتراك الشهري لصاحب الشقة! الأهم أن قانون البيوع العقارية لم يستثن لجان البناء من أحكامه، بينما أفتت مديرية مالية دمشق باجتهاد غير قانوني بمخالفة قانون نافذ! الخلاصة: لا يمكن معالجة الخلل أو اللامنطق في القانونين 15 و55 بفتوى لا قانونية، وإنما بتعديل المادة 27 من قانون هيئات الشاغلين، بحيث تصبح النسبة المستحقة للجان الأبنية مثلاً 1 أو 2 بالألف من القيمة الرائجة للعقار عند البيع، و1% عند التأجير، ونستغرب صمت وزيري الإدارة المحلية والمالية عن معالجة هذا الخلل اللامنطقي حتى الآن !!
(سيرياهوم نيوز ٦ـ البعث٢٤-٨-٢٠٢٢)