آخر الأخبار
الرئيسية » الزراعة و البيئة » مقابر اليورانيوم.. تلويث النيجر أرخص من تلويث فرنسا!

مقابر اليورانيوم.. تلويث النيجر أرخص من تلويث فرنسا!

تستمر آثار مخلّفات التنقيب عن اليورانيوم في النيجر من قبل الشركات الفرنسية لفتراتٍ زمنيةٍ طويلة، نظراً لاحتوائها على إشعاعات نووية تظل نشطةً لمئات الآلاف من السنين، كيف ساهمت فرنسا في تدمير النيجر؟

 

سياسة

رضا زيدان

اليوم 12:03

تلويث النيجر أرخص من تلويث فرنسا.. كيف تدمّر باريس البيئة والصحة؟

تلويث النيجر أرخص من تلويث فرنسا.. كيف تدمّر باريس البيئة والصحة؟

“التلوّث النووي في النيجر هو جريمة ضد الإنسانية، تسبّب معاناة كبيرة للسكان المحليين، ويجب أن يتحمل المسؤولون الفرنسيون المسؤولية عن ذلك”. الصحافي الفرنسي المتخصص في قضايا البيئة والتنمية المستدامة، سيرج فينيل.

 

افتتحت فرنسا أوّل منجم لتعدين اليورانيوم في مدينة أرليت عام 1971، حين قامت شركة “أريفا” الفرنسية المملوكة للدولة، والمعروفة حالياً باسم “أورانو” بمهام استخراج المعدن الأكثر استخداماً لتوليد الطاقة النووية الفرنسية، إذ تعتمد باريس على أكثر من 70% من اليورانيوم لتوليد الكهرباء، ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا تدمّر الشركات الفرنسية البيئة والصحة والمجتمع من خلال ما تتركه من مخلّفات اليورانيوم.

 

تلويث النيجر أرخص من تلويث فرنسا

اعتمدت فرنسا حتى عام 2000 بشكلٍ كبير على إنتاجها المحلي من اليورانيوم، ومع قلّة أو نفاد اليورانيوم داخل أراضيها، ومعرفتها بأضرار عملية الاستخراج على السكان وعلى البيئة، أغلقت باريس آخر منجم في فرنسا لليورانيوم عام 2001.

 

ولذلك، ركّزت الحكومة الفرنسية أكثر على سياسة التنويع في استيراد اليورانيوم من أصلٍ أجنبي، بوصفه مصدراً آمناً لشركة الطاقة الفرنسية المشغّلة لمحطات الطاقة النووية في فرنسا، وهنا اختارت باريس أن تُضاعف عمليات استخراج اليورانيوم من النيجر بدعم غير مُبرّر مما يُسمّيه البنك الدولي “البلدان غير الملوّثة”، إذ وصل الاستخراج في عام 2012 إلى أعلى رقم مقارنةً مع السنوات العشر الماضية، وهو 4821 طناً، بقيمة تُقدّر بنحو 540 مليون دولار، بعد أن كان في عام 2000 نحو 2800 طن، بقيمة تُقدّر بنحو 313.600 ألف دولار.

 

لذلك، ركّزت فرنسا خلال السنوات الأخيرة، في استيراد اليورانيوم على دول آسيا الوسطى، مثل أوزبكستان وكازاخستان، وذلك لأسبابٍ تتعلق بالتكلفة، فحتى عام 2022 كان لفرنسا 5 مورّدين لليورانيوم: كازاخستان، أوزبكستان، أستراليا، كندا، إضافة إلى النيجر التي ظلّت توفّر 15% من احتياطات فرنسا من المعدن المُشعّ.

 

عملت فرنسا على قاعدة أساسها أنّ تلويث النيجر أرخص من تلويث فرنسا، وذلك لعدة أسباب، منها: انخفاض تكلفة العمالة في النيجر، ضعف القوانين البيئية في النيجر، عدم وجود ضغوط دولية على الشركات الفرنسية لتنظيف النفايات المُشعّة.

 

إنّ تكلفة تنظيف النفايات المُشعّة في فرنسا مرتفعة للغاية، وذلك بسبب ارتفاع تكلفة العمالة والمواد الخام والتقنيات المستخدمة في التنظيف، وتختلف تكلفة تنظيف النفايات المشعّة بحسب نوعها، إذ تكون النفايات عالية المستوى أكثر تكلفةً في التنظيف من النفايات منخفضة المستوى.

 

ولكن، وسطياً فإنّ تكلفة تنظيف طن واحد من نفايات الإنتاج النووي في فرنسا تبلغ نحو 2000 يورو، وقدّرت وزارة البيئة الفرنسية في عام 2023 أنّ فرنسا تحتاج إلى 60 مليار يورو، هي تكلفة تقديرية لتنظيف جميع النفايات المشعة في فرنسا بحلول عام 2050، من الـ 60 مليار يورو يوجد 40 مليار يورو من هذه التكلفة مُخصّصة لتنظيف نفايات استخراج اليورانيوم، كما أنّ متوسّط ​​أجر العامل في فرنسا بين 2000 و3000 يورو شهرياً، بينما يبلغ متوسط ​​أجر العامل في النيجر نحو 100 يورو شهرياً. وبالتالي، فإنّ تكلفة العمالة في فرنسا أعلى بكثير من النيجر.

 

كما أنّ القوانين البيئية في فرنسا صارمة للغاية، ما يفرض قيوداً على الشركات الفرنسية في كيفية التخلّص من النفايات المُشعّة، خلافاً للنيجر التي تتبع قوانين أقلّ صرامة، ويعود هذا الأمر إلى أنّ فرنسا كانت المتحكّمة بالسلطة، فكانت تستغل الأمر وتُمرّر القوانين من أجل مصالحها.

 

مواضيع متعلقة

أبو بكر للميادين:

هيئة البحث عن المفقودين في ليبيا للميادين: نواجه صعوبات في نقل الجثث التي يعثر عليها

اليوم 16:19

 

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أثناء كلمته في الأمم المتحدة

تبون من نيويورك: الجزائر ستؤدي دور الوساطة لتسوية النزاعات

اليوم 07:54

 

هذه العوامل مجتمعةً أدّت إلى قيام الشركات الفرنسية باستغلال النيجر كمكبٍ للنفايات المُشعّة، إذ تترك الشركات الفرنسية ملايين الأطنان من النفايات المشعّة في النيجر، من دون اتخاذ أيّ إجراءاتٍ لتنظيفها، وهذا الأمر يؤدي إلى ضررٍ كبير في البيئة والصحة العامة، الأمر الذي يتسبب في زيادة مُعدّلات الإصابة بالسرطان والأمراض الأخرى.

 

كيف تخفي فرنسا حقيقة التلوّث النووي في النيجر؟

تُحاول فرنسا إخفاء حقيقة التلوث النووي الذي خلّفته في النيجر، فهي ترفض الاعتراف بالضرر الذي تُسبّبه النفايات المشعة الناجمة عن استخراج اليورانيوم.

 

هذه الإشعاعات لها مخاطر عديدة: بيئية، صحية، واجتماعية، ومن المخاطر البيئية تلوّث المياه الجوفية والسطحية والتربة والهواء، وتأتي نتيجةَ ترك مُخلّفات اليورانيوم المشع مكشوفةً بين السكان المحليين الذين يعيشون بالقرب من المناجم، فقد تركت الشركات الفرنسية في بلدة أرليت (شمال النيجر) وحدها نحو 20 مليون طن من النفايات المشعّة بعد إغلاق منجم “أكوتا” في عام 2021 من دون أدنى مسؤولية، وعند إغلاق المنجم المذكور سحبت الشركات الآليات الفرنسية، وحتى أنّها دمّرت مساكن العمال، وفق عضو الهيئة العليا للوساطة في ملف اليورانيوم مصطفى كادي.

 

وعن المخاطر الصحية التي تلحق بالعاملين في المناجم وأيضاً بالسكان المحليين، يقول رئيس منظمة ONG لمكافحة التلوث البيئي والمطالبة بحقوق العاملين، مصطفى الحسن، إنّ الأشخاص الذين عملوا في المناجم في عملية استخراج اليورانيوم لمدةّ تفوق الـ 20 عاماً لديهم أمراض عديدة منها مشاكل في الغدّة الدرقية، ومشاكل تنفّسية، إضافةً إلى الإصابات الكثيرة بالأمراض السرطانية.

 

كما أنّ المنظمات المحلية والأجنبية، أكدت أنّ التربة والمياه المستخدمتَين في البلدات المحيطة بالمناجم قد تلوّث مياه 100 ألف شخص يعيشون في المنطقة لا يوجد لديهم بديل سوى الاستمرار في شرب تلك المياه، وتضخّ فتحات المناجم غازاً مُشعّاً يعرف باسم “الرادون”، يستنشقه السكان المحيطون بها.

 

وتُشير دراسة صادرة عن جامعة كاليفورنيا في عام 2016 إلى أنّ التعرّض للمواد المشعّة في مناجم اليورانيوم في النيجر قد تتسبّب في زيادة مُعدّلات الإصابة بالسرطان والوفاة المبكرة.

 

ولا يخفى على أحد أنّ المخاطر الاجتماعية قائمة في مناطق سيطرة الشركات الفرنسية المهدّدة بالتلوّث الإشعاعي، فتلك الشركات تتسبّب في اضطراب المجتمعات المحلية، وزيادة التوترات الاجتماعية، لأنّ السكان يشعرون بالقلق من الآثار الصحية والبيئية للنفايات المُشعّة.

 

وبشكلٍ عام، فإنّ النفايات المُشعّة تُشكّل مخاطر كبيرة على الصحة والبيئة والمجتمع، لذلك يجب على الشركات الفرنسية في النيجر أن تتخذ خطوات لمعالجة هذه المخاطر لا التهرّب منها، كما فعلت شركة “أريفا” التي غيّرت اسمها في كانون الثاني/يناير 2017 إلى شركة “أورانو” التي حلّت وارثاً جديداً، لكنّها لم تستطع فكّ الارتباط عن إرث “أريفا”، فرغم ادّعاءات الشركة اتخاذ التدابير اللازمة والتزامها بالمعايير الصحية الدولية، إلا أنّ وقائع مرض العمال بسبب الجهد البدني المبذول، وموت بعض المواطنين بسبب آثار الإشعاع القديمة لم تتوقّف.

 

وعلى الرغم من وجود أصوات في الداخل الفرنسي تعارض تصرفات الشركات العاملة في النيجر إلّا أنّه لا يوجد تأثير فعلي لها على أرض الواقع، فعندما عقدت إحدى لجان الجمعية الوطنية بفرنسا جلسة مساءلة للمدير التنفيذي لشركة “أورانو”، فيليب نوش حول موت بعض عمّالها بالسرطان بسبب إشعاع مخلفات اليورانيوم عام 2009، وانتهاكات الشركة وأسلافها لحقوق الإنسان ببلدان تمتلك احتياطات من اليورانيوم للحصول على الكهرباء لتشغيل المراكز الفرنسية، كما تقول عضو البرلمان الفرنسي، جولي لارنويس.

 

أجاب مدير “أورانو” بإجابة كانت جريمة بحدّ ذاتها، وقال: “إجابتي على السؤال ضمن سؤالك “نعم، نحن بحاجة إلى الكهرباء، ونحن لا ننتهك حقوق الإنسان، وليس من المنطقي التعامل مع أي بلد كان بطريقة غير محترمة”.

 

مدير “أورانو” ادّعى أنّ بلاده لم تلوّث النيجر، ولكن ثبت في وقتٍ سابق أنّه “كاذب”، ففي كانون الأول/ديسمبر 2003 حاولت شركات التعدين منع باحثين من مختبرات “كريراد” من القيام بمهمّة علمية في أرليت، وتبيّن تورّط الحكومة الفرنسية في إصدار أوامر للشرطة النيجرية بمصادرة المعدّات العلمية في مطار نيامي.

 

لكن، “كريراد”وبمساعدة منظمة ONG المحلية، استطاعت الدخول إلى المنطقة، وأثبتت وجود مظاهر تلوث المياه في اليورانيوم، حتى الماء الموزّع من شركات التعدين على سكان أرليت لم يخلُ من وجود نسبة تتعدى المعايير الصحية التي حددتها منظّمة الصحة العالمية.

 

تجاوز الشركات الفرنسية، يمثّل نقطةً في بحر انتهاكات مستمرة لفرنسا في القارة السمراء، التي بدأت بالاستعمار والإبادة الجماعية والاستعباد، إضافة إلى الاستغلال الاقتصادي، كما أنّها دعمت الديكتاتوريات، وتدخّلت عسكرياً في العديد من الدول الأفريقية، بما في ذلك النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الحرارة حول معدلاتها وأمطار متفرقة على المنطقة الساحلية‏

تميل درجات الحرارة للارتفاع قليلاً لتقترب من معدلاتها لمثل هذه الفترة من ‏السنة، نتيجة بقاء البلاد تحت تأثير امتداد منخفض جوي سطحي ضعيف ‏يترافق بتيارات ...