إعتبرت قراءة بحثية مثيرة ان اي مقارنة بين صورة آسيا بشكل عام ومركزها الصين وروسيا والهند وبين صورة الغرب بخاصة امريكا وبريطانيا في الذهن العربي هو لصالح علاقة اكثر ايجابية مع هذه القوة الصاعدة من العلاقة مع امريكا، فالصين وروسيا والهند واليابان لم يحتلوا شبرا عربيا، وحضورهم كان غالبا بطلب من الحكومات العربية.
وتحدث الباحث الأردني البارز وعالم المستقبليات الدكتور وليد عبد الحي عن ان الشروط الآسيوية لتنمية العلاقة لا تنطوي على الشروط الخطرة (استراتيجيا) والشروط التي يتم فرضها من الغربي على اي علاقة بربطها بموضوعات لا علاقة لها ببعضها.
وشرح عبد الحي في الجزء الثاني من قراءة نشرها مؤخرا أن الصيني لا يربط ديونه او تجارته مع اي دولة عربية بفتح قواعد او التطبيع مع إسرائيل او مساندة المعارضات العربية ذات الميول المعينة،ولا توجه إعلامها لبث الفرقة والضغائن بين مكونات المجتمع الواحد ، ويكفي مراقبة المساندة الامريكية للأقليات في بعض الدول العربية وبالتنسيق مع اسرائيل لتحسس الفرق.
والدول الآسيوية لا تربط بين قرارات حصارها لدول معينة (قوانين قيصر وغيرها) وبين علاقات اي دولة عربية مع غيرها( مع ان موضوع تايوان فيه هذا التداخل”.
وشدد عبد الحي على ان السياسة الصينية لا تتدخل في المناهج ولا التعليم ولا القوانين الخاصة بالحياة اليومية للمجتمعات العربية ،بينما تدس الدبلوماسية الامريكية نفسها بين “الانسان وثوب النوم وزوجته” على رأي مظفر النواب.
ولا يتورع الدبلوماسي او الرئيس الامريكي عن توجيه الإهانات لغيره من القيادات العربية، ولعل ترامب كان النموذج الصارخ على ذلك ،ونفس الشيء لاحظنا ذلك مع بوش الأب والابن، بينما تخلو البيانات الرئاسية الصينية من اي تطاول، وهو ما يعكس الاستهانة والصورة السلبية لصانع القرار العربي في العقل الباطن الامريكي.
– من جانب آخر – شرح عبد الحي- أؤكد ان النسبة العظمى من النخبة الفكرية الامريكية مقتنعة تماما بان الولايات المتحدة في طريق التراجع عن مكانتها ، بسبب اعباء توسعها، وأوضاعها الاقتصادية (رغم قوتها حاليا) والمزاحمة الكبيرة لمكانة الدولار( تراجع نصيب الدولار في الاحتياطيات النقدية للبنوك المركزية من 71% عام 1999 الى 59% عام 2022.
كما انه يواجه مزاحمة من العملات المحلية بخاصة بعد سلسلة القرارات الصينية والروسية والهندية والبرازيلية والارجنتينية والجنوب افريقية والايرانية باعتماد عملات محلية او بديلة، ناهيك عن التلميحات التي اطلقها وزير المالية السعودي بخصوص تسعير النفط بغير الدولار في حدود معينة الى جانب المزاحمة التي ستزداد ضراوة من العملات الرقمية.
ويضاف لذلك حجم العجز التجاري الكبير، وهي مؤشرات عانتها بريطانيا في بدايات تراجعها وها هي تنتظر المزيد من التفسخ في بنيتها، فبعد ان كانت مع الحرب العالمية الاولى تسيطر على 22% من مساحة العالم باتت بريطانيا الان بالكاد نصف مساحة العراق، فمكر التاريخ هو آفة الحضارات كلها.
وأبلغ عبد الحي بأنه تتبع المشروع الصيني بالدراسة والتحقيق منذ بداياته كفكرة عام 2013 الى أفقه المستقبلي عام 2049 والذي سيضم حوالي 75% من سكان العالم ويقوم على اقتصاديات تصل الى نصف الانتاج المحلي العالمي، يستحق الاستعداد للتكيف معه وتوظيف نتائجه عربيا واردنيا.
ووضع الباحث توصيات ونصائح من بينها: ان يكون التحول مستندا الى مبادئ الرؤية والدراسة الدقيقة للتحول التدريجي و تنسيق الدول العربية فيما بينها والتفاوض مع الصين بشكل جماعي لا فردي و عدم الانغماس في إحتمالات الاحتكاك العسكري المباشر او غير المباشر بين الصين وأمريكا في المنطقة العربية.
وخلاصة دراسة الدكتورعبد الحي ان الخطوات التمهيدية لدول الخليج في اتجاه التحول ليست مطمئنة حتى الآن اكثر من 35%،وهو امر منطقي، لكن تراكمه سيحرر القرار العربي من الغطرسة الامريكية إذا كان هذا النهج التحولي تعبيرا عن تخطيط استراتيجي مدروس.
ثم سأل الباحث: هل يحررني القادة العرب من شكوكي الدائمة في خلفية قراراتهم؟ اتمنى ذلك.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم