م.حسان نديم حسن
تشهد سوريا لحظة مفصلية بعد موافقة مجلس النواب الأمريكي على بند إلغاء قانون قيصر ضمن النسخة النهائية لموازنة وزارة الدفاع الأميركية وهي خطوة تتجاوز إطارها التشريعي لتشكّل انعطافاً في مقاربة واشنطن للوضع السوري.
هذا التطور لا يمكن قراءته كإجراء إداري محدود إنما كتحول في أدوات الضغط والسياسة يعيد ترتيب التوازنات داخل سوريا وحولها ويطرح أسئلة جديدة حول شكل الانخراط الدولي في السنوات المقبلة.
على المستوى السياسي يعكس القرار إدراكاً أميركياً بأن العقوبات الشاملة لم تعد تحقق أهدافها بعد أن اتسعت الفجوة بين الضغط الاقتصادي والنتائج السياسية المطلوبة خلال سنوات قيصر وظهرت بوضوح الكلفة الإنسانية والاجتماعية للعقوبات مقابل محدودية تأثيرها السياسي.
لذلك يأتي الإلغاء اليوم ليحول النهج الأميركي من “الخنق الاقتصادي” إلى “الإدارة السياسية المراقبة” حيث يجري استبدال الشروط الصارمة السابقة بآلية تقارير دورية يقدمها البيت الأبيض للكونغرس حول ملفات أمنية وسياسية حساسة مثل ضبط الحدود و مكافحة الإرهاب و حماية الأقليات و مكافحة اقتصاد المخدرات.
هذا التحول لا يعني تخلي واشنطن عن أدوات الضغط إنما إعادة هندستها فالعقوبات التقليدية تبقى متاحة للرئيس الأميركي عند الحاجة لكن من دون الهيكل القانوني الواسع الذي شكّله قيصر. ما تغير هو فلسفة الاستخدام أن العقوبة لم تعد هدفاً بل جزءاً من عملية تقييم مستمرة تبقي الملف السوري تحت رقابة سياسية من دون إيقاع أضرار واسعة على المدنيين أو تعطيل أي فرصة للتعافي الاقتصادي.
اقتصادياً يشكل إلغاء قيصر نافذة محتملة لإعادة تحريك العجلة الاقتصادية السورية لكنه ليس علاجاً سريعاً. فالمؤشرات الأولية تشير إلى احتمال دخول بعض الشركات والمستثمرين وفتح الباب أمام تعاون في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والصحة إضافة إلى تخفيف المخاطر المصرفية في التحويلات والمعاملات الدولية.
غير أن قدرة الاقتصاد السوري على الاستفادة من هذا الانفتاح ستظل مرهونة ببيئة داخلية قادرة على جذب الاستثمار و بنية مصرفية أكثر شفافية واستقرار أمني وسياسي يقلل من المخاطر.
إقليمياً يحمل القرار الأميركي رسائل متعددة فهو يمنح الدول العربية والإقليمية مساحة أكبر للتحرك نحو دمشق من دون الاصطدام بالإطار العقابي الأميركي السابق. كما يعزز دور الدبلوماسية ويخفف الضغط على المسارات السياسية ما قد يفتح الباب أمام مشاريع اقتصادية مشتركة أو مبادرات لإعادة الإعمار وإن بقي ذلك رهناً بالتفاهمات الدولية والانفتاح السوري الداخلي.
في المقابل،لا يمكن تجاهل أن الإلغاء لا يشمل المنظومات العقابية الأخرى المفروضة على سوريا منذ عقود وبالتالي فإن الحديث عن “تعافي فوري للاقتصاد السوري” يبقى بعيداً عن الواقع.
المطلوب في المرحلة المقبلة إدارة حكيمة للتغيير والاستفادة من الانفتاح المحدود لإعادة بناء الثقة الدولية ومعالجة أوجه الخلل المزمنة في الاقتصاد والإدارة.
في المحصلة نحن أمام بداية مرحلة جديدة لا نهاية مرحلة سابقة فإلغاء قيصر ليس نقطة وصول بل نقطة انطلاق نحو مقاربة مختلفة: انفتاح مشروط ورقابة سياسية يمنحان سوريا فرصة لالتقاط الأنفاس ويضعان أمامها في الوقت ذاته اختباراً صعباً لتحويل هذا التحول الدولي إلى مكاسب اقتصادية وسياسية حقيقية للسوريين.
إن نجاح هذه المرحلة يتوقف على قدرة الداخل السوري على استثمار اللحظة وقدرة الإقليم والمجتمع الدولي على دعم مسار يتجاوز منطق العقوبات والخنادق نحو مقاربة أكثر عقلانية واستدامة.
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
