أرضنا عربية سورية.. هي هويتنا وعنواننا وأقدس ما لدينا.. نفديها بدمائنا وأرواحنا وبكل ما نملك ولن نساوم عليها أو نفرط بشبر منها”، صفحة مشرقة جديدة في نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي خطها أهلنا في الجولان السوري المحتل بدمهم خلال اليومين الماضيين عبر تصديهم بصدورهم العارية للاحتلال الذي اقتحمت أعداد كبيرة من قواته برفقة الجرافات منطقة الحفاير شرق قرية مسعدة لتجريف أراضيها الزراعية، تمهيداً لتنفيذ مخططه الاستيطاني إقامة توربينات هوائية عليها بذريعة توليد الكهرباء من طاقة الرياح، في حين أن الهدف الحقيقي الاستيلاء على الأراضي وتهجير أهلها.
الملحمة البطولية التي سطرها أهلنا في منطقة الحفاير جزء من كفاحهم المتواصل رفضاً لمخطط التوربينات، حيث ينفذون منذ عام 2019 إضرابات عامة وشاملة واعتصامات ومظاهرات ووقفات احتجاجية لإفشال هذا المخطط الاستيطاني الذي يعد من أخطر المخططات الاستعمارية التهويدية التي تستهدف الجولان، حيث يهدد بالاستيلاء على أكثر من ستة آلاف دونم من أراضيهم المزروعة بالكرز والتفاح في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981 التي تؤكد أن جميع إجراءات الاحتلال في الجولان السوري المحتل لاغية وباطلة ولا أثر قانونياً لها.
صباح الثلاثاء استقدمت قوات الاحتلال تعزيزات كبيرة لمحاصرة الأراضي الزراعية في منطقة الحفاير لمنع أصحابها من الوصول إليها غير أن المئات من أبناء الجولان انتفضوا متوجهين إلى المنطقة للتصدي لقوات الاحتلال وطردها منها ومنعها من تجريفها، مؤكدين رفضهم القاطع إقامة التوربينات عليها، وقابلتهم قوات الاحتلال بوابل من الرصاص وقنابل الغاز السام، ما أسفر عن إصابة العشرات منهم لكنهم تسمروا بأرضهم، وأجبر صمودهم فيها قوات الاحتلال على الخروج من المنطقة، وأعلنوا اليوم التالي يوم غضب وإضراب، رفضاً لإجراءات الاحتلال وممارساته الإجرامية بحقهم وبحق أرضهم التي رووها بدمائهم.
يوم الغضب أمس بدأه المئات من أبناء الجولان بالتجمع منذ السابعة صباحاً في مجمع أبي ذر الغفاري بمنطقة المرج بين قريتي مسعدة ومجدل شمس، استعداداً للتوجه إلى منطقة الحفاير التي أغلق الاحتلال الطرق المؤدية إليها منذ أمس الأول، وبدأ بتجريف مساحات من أراضيها الزراعية لتنفيذ مخططه الاستيطاني، لكن ذلك لم يحل دون وصول الأهالي المتشبثين بأرضهم والرافضين لمخطط الاحتلال إلى المنطقة، حيث سلكوا طرقاً وعرة، وتمكنوا من منع آليات الاحتلال من إكمال عمليات التجريف رغم اعتداء قواته التي استقدمت تعزيزات إضافية إلى المنطقة عليهم بالرصاص وقنابل الغاز السام منذ لحظة وصولهم، ما أدى إلى إصابة العشرات بينهم إصابات خطيرة، ومنعت سيارات الإسعاف من الوصول إليهم، كما اعتقلت 10 شبان.
وبعد منعهم قوات الاحتلال من تجريف أراضي منطقة الحفاير توجه الأهالي إلى قرية مسعدة، وتظاهروا أمام موقع للاحتلال احتجز فيه الشبان العشرة، مطالبين بإطلاق سراحهم، لكن قوات الاحتلال ردت بالرصاص وقنابل الغاز السام ما أسفر عن إصابة أكثر من 50 منهم، كما استقدمت تعزيزات كبيرة إلى القرية واستهدفت منازل الأهالي بسبب رفضهم إقامة التوربينات وألحقت أضراراً بها.
وتضامناً مع الأهل في الجولان نظم أبناء المحافظات وقفات في عدد من المدن تنديداً بعدوان الاحتلال عليهم، ورفضاً لمحاولته سلب أراضيهم وإقامة توربينات هوائية عليها، كما خرج الفلسطينيون في منطقة الجليل بمظاهرة حاشدة وقطعوا عدداً من الطرق، مطالبين بوقف اعتداءات الاحتلال على أهالي الجولان، بينما زار وفد من الأراضي المحتلة عام 1948 قرية مسعدة، دعماً لأهلها وتأكيداً على وحدة النضال ضد الاحتلال ومخططاته.
وفي تصريح لمراسل سانا، قال عميد الأسرى السوريين المحررين صدقي المقت: ما شهده الجولان في اليومين الماضيين انتفاضة جديدة بكل ما تعنيه الكلمة دفاعاً عن أقدس قضية وهي الأرض ويمكن تسمية هذه المعركة بيوم الأرض السوري، حيث قاوم أبناء الجولان العزل آلة الاحتلال الحربية متسلحين بالإرادة والتصميم على إفشال مخططه الخبيث الذي يستهدف أرضهم ووجودهم.
وأضاف المقت: لقد ارتسم يوم أمس وقبله مشهدان.. مشهد البطولة التي أظهرها مناضلو الجولان، عبر تصديهم لرصاص الاحتلال الذي استهدفهم أطفالاً ونساء ورجالاً، أما المشهد الآخر فهو بطش الاحتلال وآلته القمعية، حيث لم تفاجئنا ممارساته الوحشية فهذه حقيقة هذا الكيان العنصري الفاشي الذي يمارس كل أشكال الإجرام والإرهاب المنظم، لكن ذلك لن يجعلنا نكل أو نتراجع وسنواصل النضال حتى إفشال مخططاته التهويدية وطرده من أرضنا.
بدورها قالت ابنة الجولان نهال المقت: نحن في معركة حقيقية مع هذا العدو الذي استخدم الرصاص ضد الأهالي المنتفضين ضد إقامة التوربينات وزاد على ذلك استخدام الطيران المسير لإلقاء قنابل الغاز السام عليهم وكانت الإصابات بالعشرات فضلاً عن اعتقال رجال وشيوخ وأطفال ونساء هبوا للدفاع عن أرضهم مضيفة: معركتنا مستمرة منذ احتلال الجولان عام 1967 ومهما كلفنا الثمن سنبقى نقاوم وندافع عن هذه الأرض وسنحررها بكل ما أوتينا من قوة، ولن نستسلم ولن نتخلى عن ذرة من ترابها.
وتكمن خطورة إقامة التوربينات في خنق قرى الجولان المحتل وتقطيع أوصالها وعزلها عن بعضها إضافة إلى وقف توسعها العمراني وتهجير أهلها كما أنها تهدد مستقبل الزراعة التي يعد العمل بها مصدر رزق معظم أهالي الجولان البالغ عددهم 25 ألفاً، إضافة إلى القضاء على الأمن الاقتصادي والغذائي، حيث ستتحول المنطقة برمتها إلى منطقة صناعية يتحكم بها الاحتلال إلى جانب الضرر البالغ على البيئة، فيما يصر الاحتلال على المضي فيها للتضييق على أهالي الجولان السوري المحتل لتنفيذ هدفه الحقيقي المتمثل بتهجيرهم وإحلال المستوطنين مكانهم.
وتؤكد سورية على الدوام أن الجولان المحتل جزء لا يتجزأ من أراضيها وأن الاحتلال الإسرائيلي إلى زوال وكل مخططاته الاستيطانية غير شرعية وباطلة، مشددة على أن عودته كاملاً إلى الوطن آتية لا محالة، وأنها لن تألو جهداً في سبيل هذه العودة بجميع الوسائل والسبل المتاحة التي يكفلها القانون الدولي باعتباره حقا أبدياً لا يسقط بالتقادم.
سيرياهوم نيوز 4_سانا