بقلم د. عماد عكوش
هو مشروع إسرائيلي طموح، وسيكون ممراً برياً استراتيجياً يمتد من مرتفعات الجولان السورية المحتلة في الجنوب الغربي ، مروراً بالمحافظات السورية الجنوبية مثل القنيطرة ودرعا والسويداء ، ثم يتجه شرقاً عبر البادية السورية ليصل إلى معبر التنف الاستراتيجي على الحدود السورية-العراقية-الأردنية، وينتهي عند معبر البوكمال على نهر الفرات . هذا الممر يهدف إلى ربط الأراضي المحتلة بالعراق عبر الأراضي السورية لتعزيز النفوذ والهيمنة الاسرائيلية على المنطقة .
يخدم “ممر داود” بشكل أساسي المصالح الإسرائيلية والأمريكية ، فهو يساعد على تحقيق حلم “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات ، ويعزز النفوذ الأمريكي في المنطقة عبر إضعاف الدول المركزية مثل سوريا والعراق ، ويخدم بعض الأطراف الكردية في سوريا والعراق عبر توفير منفذ بديل لتصدير النفط ، كما يمكن أن يفيد الطائفة الدرزية في جنوب سوريا عبر إنشاء كيان خاص بهم تحت الحماية الإسرائيلية في حال اصرار حكام سوريا الجدد على الفتنة الطائفية ، ويعزز الأمن القومي عبر إنشاء مناطق عازلة ، والسيطرة على الموارد الاستراتيجية في المنطقة .
يمتلك ممر داود مميزات استراتيجية عدة :
مميزات اقتصادية:
امكان نقل النفط من المناطق الكردية في سوريا والعراق من دون المرور بالأراضي السورية .
امكان تأمين مصادر مائية للكيان الاسرائيلي من نهر الفرات .
وامكان تعزيز التبادل التجاري مع دول في آسيا تقيم معها اسرائيل علاقات طبيعية مثل تركيا وأذربيجان .
مميزات أمنية:
قطع أوصال بلاد الشام وتفتيتها .
تطويق الحدود العراقية وتعزيز القوة العسكرية الإسرائيلية .
قطع الطريق أمام ايران ومنعها من وصل طهران ببيروت .
مميزات استراتيجية:
تحويل الكيان الاسرائيلي إلى “قلب المنطقة” حيث سيخدم هذا الممر الاجندات الصهيونية .
ان أهم ما يحققه هذا الممر لإسرائيل هو تحقيق الحلم التوراتي بإسرائيل الكبرى ، وتعزيز الأمن القومي عبر إنشاء حزام أمني ، والسيطرة على موارد الطاقة والمياه في المنطقة ، وإضعاف الدول المعادية مثل سوريا وإيران .
أما بالنسبة للمنطقة فأهم ما سيحدثه هو تغيير الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط ، تعميق الانقسامات الطائفية والإثنية ، إضعاف السيادة الوطنية للدول مثل سوريا والعراق ، وزيادة التوترات الإقليمية خاصة بين إسرائيل وتركيا وإيران .
من مميزات هذا الممر أنه يرتبط بالممر الهندي IMEC) ) الذي أعلن عنه في قمة G20 كبديل لطريق الحرير الصيني ، حيث يسعى كلا المشروعين إلى إعادة رسم خريطة التجارة العالمية. كما يعتبر ممر داود جزءاً من المنافسة بين المحور الأمريكي-الإسرائيلي والمحور الصيني-الروسي. وقد يتقاطع الممران في بعض المناطق ما يخلق تنافساً على النفوذ ويضع العراقيل امام المشاريع الصينية في المنطقة وخاصة في سوريا والعراق .
أضافة الى ما تقدم يشكل ممر داود نقطة تحكم في مشروع خط الغاز القطري لأوروبا، حيث يريد الكيان الإسرائيلي الحصول على نصيب من عائدات هذا المشروع ، كما يسعى لإجبار قطر على المرور عبر الممر الإسرائيلي ما يعزز مكانة تل أبيب ، وقد يهدد المشاريع البديلة التي لا تمر بفلسطين. ويعيق هذا الممر الطموحات الإيرانية عبر قطع الطريق البري الذي يربط طهران ببيروت ، إضعاف نفوذ إيران في سوريا والعراق ، عزل حزب الله ومنع وصول الإمدادات الإيرانية إليه ، وخلق تحديات لوجستية أمام الحرس الثوري الإيراني .
ان هذا الممر يغير معادلة تصدير النفط العراقي عبر توفير بديل عن خط أنابيب كركوك-جيهان التركي ، وتقليل اعتماد العراق على الموانئ التركية ، ومنح الأكراد العراقيين منفذاً بديلاً للنفط ، وتهديد المصالح الاقتصادية التركية في المنطقة .
طبعا هذا المشروع سيواجه تحديات كثيرة قد تعيق تنفيذه، منها تحديات مالية حيث سيحتاج المشروع لاستثمارات ضخمة في وقت تعاني فيه إسرائيل من أزمات اقتصادية ، وسيحتاج لقواعد عسكرية ودعم جوي في وقت يعاني الجيش الإسرائيلي من الإنهاك ، ومعارضة روسيا التي ترفض تقسيم سوريا ، واحتمال مواجهة مقاومة من فصائل سورية مختلفة ، ومعارضة تركية وإيرانية للمشروع .
رغم هذه التحديات ، فإن إسرائيل مستمرة في خطواتها لتنفيذ المشروع ، خاصة بعد سقوط سورية الذي خلق فراغاً سياسياً تستغله تل أبيب ، وقد بدأت بالفعل بشق طريق بطول 8 كم في الجولان المحتل كخطوة أولية .
في النهاية يمثل ممر داود مشروعاً استراتيجياً طموحاً للكيان الاسرائيلي يهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة لصالحها . ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهه ، فإنه يعكس الرؤية الإسرائيلية الطويلة المدى للهيمنة على الشرق الأوسط بشكل كامل ، ونجاح هذا المشروع سيعتمد على توازن القوى الإقليمية والدولية ، كما وقدرة إسرائيل على تجاوز العقبات المالية والعسكرية والسياسية التي ستواجهه.
(اخبار سوريا الوطن ١-الحوار نيوز)