عبد الفتاح العوض
يقول علي بن أبي طالب كرم اللـه وجهه: «الناس ثلاثة: عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع غوغاء أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح».
معظم الناس أو هكذا يظن أنهم على سبيل النجاة.. لكن لا يخفى على أحد كثرة النوع الثالث…
ورغم أن كلمات همج ورعاع وغوغاء هي أسماء لأنماط مختلفة من البشر إلاّ أنها جميعها صفات سلبية.
فالهمج هو الذباب الصغير، والرعاع سفلة الناس، والغوغاء صوت الجراء
الفلاسفة منذ البدء في معظم الأحيان تعاملوا مع البشر كقسمين نخب وعامة.
الآن يتم استخدام تعبير أكثر مباشرة وهو «الشعبوية» والمعنى المتداول لها هو خطاب يكسب «العامة» ويتلاعب بغرائزهم.
في عام 2017 أعلن قاموس كامبروج أن «الشعبوية» كلمة العام.
لكن قبل ذلك بآلاف السنين، عندما تم إعدام سقراط بتهمة إفساد الشباب اعتبر أفلاطون أن المسؤول عن ذلك هم العامة وقال وقتها: «إن العامة هي المسؤولة عن قتل سقراط».
وفي العالم وخلال السنوات الأخيرة بدا واضحاً أن الأحزاب «الشعبوية» أصبحت تجتاح البرلمانات في أهم العواصم العالمية.
والوصفة لذلك بالغة البساطة.. خطاب يهاجم وينقد ويحطم تابوهات، ولعل وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت هذا الجانب وقدمته كما هو وأصبحت مملكة العوام بلا منازع.
وهنا لا أقدم ذماً ولا مدحاً بل أحاول تقديم الصورة بأكثر قدر ممكن من الموضوعية كما أراها، وبالتأكيد هذا المسار الذي يقدم العامة هو المسار الأكثر فائدة رغم ما عليه فما له أكثر وأهم مما عليه.
بالمقابل فإن النخب علّقت نعياتها منذ سنوات بل تبدل مفهوم «الشخصيات العامة» لتتوافق مع رغبات «العامة» بحيث انتقلت الشخصيات العامة من الفكر والعلم والأدب إلى الفن والرياضة والآن نجوم مملكة العوام «يوتيبر وأشباهه».
في السابق كان المفكرون يقدمون آراءهم بالعامة.. هناك كتاب قديم بعنوان «مساوئ العوام وأخبار السفلة والأغتام».
وللجاحظ مقولة «إنما العامة أداة للخاصة».
الآن فإن العامة هم الذين «يحكمون» على من نسميهم «النخب» في حين كانت الأحزاب الثورية تسميهم الطليعة.
إذاً نحن أمام «الشعبوية» بطريقة خاصة.. ففي السابق كان تعريف الشعبوي هو من يتلاعب بأفكار ومشاعر الناس وهو أقرب للشتيمة.. الآن الشعبوية أصبحت خطاباً سياسياً مناهضاً للمؤسسات التقليدية.
بكل الحالات وأيّاً كان الموقف من مفهوم «الشعبوية» فالأكثر أهمية التعامل معها بواقعية والاهتمام بها..
الشعبوية السورية لم تتشكل بعد بصورة واضحة لكن الأزمات تصنعها على طريقتها.
وأخيراً فإن مملكة العوام تبقى أهم وأفضل من ممالك النخب.
أقوال:
– أن نقول هناك عمل فني جيد، لكن لا يفهمه عامة الناس كأننا نقول إنه هناك أكل جيد جداً لكن معظم الناس لا يستطيعون أكله.
– كل من يعتقد أنه فهم كتاباتي فقد فهم مني ما فهم طبقاً لصورته الخاصة.
(سيرياهوم نيوز-الوطن22-4-2021)