آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » مناطق التحفظ على الحدود مع فلسطين: تبادل الأراضي مخالفة دستورية وفخّ لتوقيع معاهدة مع العدو

مناطق التحفظ على الحدود مع فلسطين: تبادل الأراضي مخالفة دستورية وفخّ لتوقيع معاهدة مع العدو

خليل الجميّل

 

تؤكد التجارب التاريخيّة أن شرارة الحروب الكبيرة تندلع عندما يعتقد أحد أطراف الصراع أن ثمن الحرب رخيص، وهذا ما لا تعتقده إسرائيل التي تُستنزَف كلّ يوم مع لبنان منذ بداية حرب غزّة, وبما أنه الحروب تنتهي عادة بتسوية يتولاها وسطاء يطرحون حلولًا للتهدئة ويمهِّدون فيها لما يُعرف بـ«اليوم التالي»، فإن هذا ما يبحثه بالتأكيد الموفدون الدوليون الذين بعاقبون على زيارة لبنان بحثاً عن حلّ للتهدئة على الحدود الجنوبيّة المشتعلة، بما يخرج الطرفين بصيغة «رابح -رابح». وهنا، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان حلُّ يعتقده البعض سهلاً وقابلاً للتنفيذ، وهو موضوع مبادلة الأراضي لتعديل خطّ الحدود ونزع فتيل التوترات مستقبلاً. وفي هذا السياق، تظهر بين حين وآخر، في وسائل الإعلام معلومات غير مؤكّدة عن تفاهم مبدئي، برعاية اليونيفل، أُنجِزَ بشكلٍ جزئي عام 2018 قبل أن يتوقّف البحث فيه مؤقّتاً، لتسوية في المناطق المحتلة التي تحفَّظَ عليها لبنان على الخطّ الأزرق على الحدود مع فلسطين، وأن التفاهم تمّ مبدئياً على اعتماد مبدأ مبادلة الأراضي (Swap) في سبع من هذه المناطق المُحتلّة من أصل 13. وتجزم هذه المعلومات (من دون أي إثبات) بأن مناطق التحفّظ اللبنانيّة الـ 13 على الخطّ الأزرق قُسّمت إلى مجموعتين:المجموعة «أ»، وتشمل التحفّظات التي يصل عمقها إلى أقلّ من 25 متراً (وهذه ما يتردّد بأنه تمّ الاتفاق غير الرسمي على تسوية وضعها، ما عدا نقطة رأس الناقورة).

المجموعة «ب»، وتشمل التحفّظات التي تصل إلى أكثر من 25 متراً (والتي يتردّد أنها لا تزال عالقة، ما عدا تحفّظ العديسة (مسكاف عام) الذي تمّ التوافق عليه).

رغم عدم التعليق الرسمي على الأمر، وعدم التأكد من دقة المعلومات المتداولة، وإذا ما سلَّمنا جدلاً بحصول ذلك، فستكون هذه المناطق مقسَّمة وفق الجدولين المرفقين.

 

 

 

 

 

ماذا يعني تبادل الأراضي؟

تبادل الأراضي لإعادة ترسيم الحدود بين دولتين، يعني اتفاقاً بينهما على تعديل خط الحدود السياسية والجغرافية بين الدولتين أو ترتيبها بشكل يتلاءم مع الأمر الواقع على الأرض، وقد تكون المساحات التي يجري تبادلها متساوية، أو أكبر أو أصغر وفق قيمتها الإستراتيجية أو الجغرافيّة، أو أهميتها التاريخية أو الاقتصادية أو غير ذلك بالنسبة إلى كلِّ طرف، وذلك بموافقة الطرفين مباشرةً، أو عبر وسيط دولي. غير أن تطبيق هذا المبدأ على الحدود الدوليّة بين لبنان وفلسطين دونه محاذير عديدة، ويتطلَّب قرارات قد لا تكون للدولة اللبنانيّة القدرة على اتخاذها نظراً إلى تركيبتها الدستورية والسياسية.

تنص المادة الثانية من الدستور اللبناني حرفياً على أنه «لا يجوز التخلّي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه». وبما أن المجلس الأعلى للدفاع أقرّ في جلسة عُقِدَت برئاسة رئيس الجمهوريّة، في 7 آذار 2018، استبدال تسمية «المناطق المُتحفَّظ عليها» بتسمية «الأراضي اللبنانيّة المحتلّة»، فهل يُمكن للدولة اللبنانيّة أن تتنازل عن قسمٍ من أراضيها تطالب به منذ ترسيم الخط الأزرق وتعتبره مناطق محتلة، حتى لو كان هذا التنازل مقابل أراضٍ أخرى أو مساحاتٍ أكبر؟

 

اتفاقيّة مع إسرائيل؟

تعديل خط الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين سيتم عبر تحريك نقاط جغرافيّة مثبّتة وضعتها اتفاقية بوليه – نيو كمب عام 1923 وسُجلت وأُقرّت عام 1924 لدى عصبة الأمم التي عادت وأقرّتها أيضاً عام 1934، ثم ثُبِّتَت في خطّ الهدنة عام 1949، فأصبحت تحمل صفة الحدود المعترَف بها دولياً، ما يعني أن تعديلها يحتاج إلى اتفاق جديد على الحدود بين لبنان وإسرائيل يتم إيداعه مجدداً في الأمم المتحدة لكي تُثبَّت الحدود قانونياً ودولياً مرة أخرى. فلبنان تحفّظ، مثلاً، على الخط الأزرق في العديسة (المجموعة أ)، لأن خرائط الجيش اللبناني تُشير إلى أن مستوطنة «مسكاف عام» الإسرائيلية تمدّدت بطريقة غير شرعيّة خلال احتلال إسرائيل لجنوب لبنان، وتخطَّت الحدود الدولية قاضمةً مساحة من الأراضي لجهة لبنان (انظر الجدول)، فأصبحت النقطة الحدوديّة الرقم BP36، تقع داخلها، وفق إحداثيّات الخرائط اللبنانيّة ولذلك تحفّظ لبنان على الخطّ الأزرق في هذه المنطقة، وهي نقطة جغرافية مثبَّتة منذ عام 1923، ومهما كانت المساحات أو الأراضي التي سيحصل عليها لبنان في مقابلها، فإن تعديلها يتطلّب تعديل حدود دوليّة، ولا يكتمل ترسيم وتثبيت الحدود الجديدة إلا بتسجيلها في الأمم المتحدة كمعاهدة جديدة موقّعة من الطرفين لتُصبح نافذة، وتُرفق بخرائط جديدة.

 

ضمّ أراضٍ من فلسطين؟

وبما أن اتفاقيّة عام 1923 كانت لتحديد الحدود بين لبنان وفلسطين، فهل يجوز ضم أراض فلسطينية إلى لبنان في غياب الطرف الفلسطيني؟ مع الإشارة إلى أنه عندما احتلَّت إسرائيل الجولان عام 1967، لم تدخل إلى قرية الغجر السوريّة لأن الخرائط البريطانيّة التي كانت بحوزتها تشير – حسب ادعائها – إلى أن هذه القرية لبنانيّة، فيما لم يوافق لبنان الرسمي حينها على ضمّ القرية إليه لأنها أراضٍ سوريّة وفق الخرائط اللبنانية، وذلك كي لا يستولي لبنان على أراضي دولةٍ عربيّة، ويقع في فخ إسرائيل التي عادت واحتلّت الغجر بعد ثلاثة أسابيع.

 

خسارة مناطق استراتيجية؟

من جهة أخرى، فإن تمسّك الطرف الإسرائيلي بتعديل موقع النقطة B1 في رأس الناقورة (المجموعة ب)، يعني – في حال القبول به – تعديل نقطة متَّفق عليها بين لبنان وإسرائيل في اتفاقيّة الهدنة عام 1949، كما يعني تعديل اتجاه انطلاق الحدود البحريّة، أي خسارة لبنان لمنطقة خطّ الطفافات التي تُرِكت مُعلّقة في الاتفاق على ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل عام 2022، وتبلُغ مساحتها حوالي 2,5 كيلومتر مربع، فضلًا عن أن ذلك يتطلّب أيضاً تعديل الخطّ الأزرق الذي ينطلق منها كنقطةٍ أولى من طرفه الغربي، ويعني كذلك خسارة قسم كبير من نفق السكّة الحديد الذي يقع في منطقة التحفّظ الأولى في رأس الناقورة، وهذا النفق موجود بأكمله داخل لبنان في العقار الرقم 28/ الناقورة، ويحتلّه العدو الإسرائيلي ويستغلَّه كمرفق سياحي. ومهما كان العرض الذي ستقدّمه إسرائيل للبنان في المقابل، لا يمكن أن يساوي أهميّة هذه المنطقة الاستراتيجيّة التي تطلّ على عدد من المستعمرات الإسرائيليّة، من مستعمرة «روش هانيكرا» وحتى مدينتي عكّا وحيفا. وتنبغي الإشارة إلى أن فريق الجيش اللبناني لتعليم الخطّ الأزرق تمكَّنَ عام 2018 من الوصول إلى هذه النقطة وتأكّد مع فريق اليونيفل من أن إحداثياتها مطابقة لبقايا معلمها على الأرض (قاعدة الكركور)، وبأن الادعاء الإسرائيلي حول موقعها المغاير، غير صحيح.

 

 

 

 

سوابق دوليّة

السوابق الدوليّة في هذا المجال كثيرة وأهمّها بين النروج وفنلندا عام 2016. لدى ترسيم الحدود بين البلدين عام 1751، كانت فنلندا تابعة لمملكة السويد والنروج تابعة لمملكة الدنمارك، واعتَمَدَ المسّاحون في تحديد الحدود حينها على وصل معالم جغرافيّة واضحة وفق خطوط مستقيمة تَصِل بين نقاط تبعُد عن بعضها من 10 إلى 20 كيلومتراً. وبدلاً من مرور خطّ الحدود على قمة أعلى جبل في فنلندا (جبل هالتي)، مرّ على سفحه لجهة فنلندا وعلى بعد 40 حوالي متراً من القمّة التي أصبحت من الناحية النروجيّة. عام 2016، نُظِّمت حملة في النروج نفسها لإهداء القمّة إلى فنلندا بمناسبة مرور مئة عام على استقلالها عن روسيا. ورغم الرغبة الرسميّة والشعبيّة بتعديل خطّ الحدود وإعطاء القمة لفنلندا، وحماسة الحكومة النروجيّة للأمر، تبيّن أن الدستور يَمنَع ذلك، فتوقَّف المشروع برمّته، وأوضحت رئيسة الوزراء إيرنا سولبيرغ في رسالة إلى رئيس بلدية كافيورد النروجيّة التي تقع القمّة ضمن نطاقها البلدي، والذي كان قد اقترح مع سكان البلدة منحها لجيرانه، أن «القيام بتعديلات على الحدود بين الدول يتطلب إجراءات قانونية، خصوصاً أن الدستور النرويجي ينص في مادّته الأولى على أن مملكة النرويج غير قابلة للتجزئة ولا يمكن المساس بها». ورغم أن هذه المساحة الضئيلة كانت ستُمنَح لدولة صديقة تتمتّع معها النروج بأفضل العلاقات التاريخيّة والشعبيّة، لم يُعدّل خطّ الحدود متراً واحداً.

 

الأردن والسعوديّة

في مثال آخر، ونظراً إلى العلاقات الجيدة تاريخياً بين السعودية والأردن، تمت عمليّة تبادل أراض وإعادة ترسيم حدود بين البلدين، ولكن بموجب اتفاقيّة رسميّة عُرفت بـ«اتفاقية حدا» وُقعت بين البلدين في الثاني من تشرين الثاني 1925. وفي عام 1965 وقّع البلدان اتفاقية حدوديّة جديدة سُمّيَت «اتفاقيّة عمّان – 1965»، تمّ بموجبها تعديل مسار الحدود التي رُسِّمَت في «اتفاقيّة حدا»، بحيث أصبح الخط الحدودي الجديد ينطلق من على بعد 25 كيلومتراً إلى الجنوب من العقبة، ليحصل الأردن على مساحات إضافية تبلغ حوالي ستة آلاف كيلومتر مربّع على ساحل خليج العقبة، وأراض إضافيّة في مثلث ما يُعرف بـ«حازوقة تشرشل»، فيما حصلت السعودية في المقابل على أراض داخليّة تبلغ مساحتها حوالي سبعة آلاف كيلومتر مربع تقع إلى الغرب من حوض وادي السرحان (الوادي الأزرق). وبعد توقيع الاتفاقية انتهت كل الإشكاليّات الحدوديّة والمناطق المُتنازع عليها بين الأردن والسعودية. ولكن تعديل الحدود كان بحاجة إلى الاتفاقيّة الثنائيّة التي سُجِّلَت في الأمم المتحدة لتصبح حدوداً مُعتَرَفاً بها دولياً.

أياً كان العرض الذي تقدّمه إسرائيل لا يمكن أن يساوي الأهميّة الاستراتيجيّة لنفق الناقورة الذي يطلّ على عدد من المستعمرات الإسرائيليّة

 

ماذا عن ملكيّة الأراضي؟

أمّا من ناحية ملكية الأراضي فهل يجيز القانون اللبناني مصادرة أو استملاك أراضٍ مملوكة خاصّة أو مشاعات قرى والتصرّف بها – حتى لو كانت مُحتلّة حالياً مثل بساتين الزيتون في ميس الجبل – ثم منحها ومبادلتها مع طرف خارجي؟ ولمن ستعود ملكيّة الأراضي التي سيحصل عليها لبنان بالمقابل؟ وهل يمكن التنازُل عن أراضٍ من مشاعات قرى لبنانيّة جنوبيّة والاستحصال بالمقابل على أراضٍ بعيدة عنها وضمّها إلى مشاعات قرى لبنانيّة جنوبيّة أخرى؟ وهل ستقوم الدولة اللبنانيّة بدفع تعويضات مقابل الأراضي التي يتم تبادها للمالكين الذين لديهم إثباتات ووثائق وحُجَج «طابو» لهذه الأراضي اللبنانيّة المُحتلّة حالياً؟ علماً أن قانون الاستملاك اللبناني الرقم 58 الصادر في 29 أيار سنة 1991 والمعدَّل لاحقاً، نصّ في مادّته الأولى على أنه «لا يجوز أن يُنزَع عن أحد ملكه إلّا لأسباب المنفعة العامّة وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً»، كما نصّ في مادّته الرابعة على أنه اذا كان العقار المنوي استملاكه «غير خاضع لنظام السجل العقاري يُكتفى برقمه وتاريخ قيده في دفتر المختار أو دفتر الطابو أو في محضر التحديد والتحرير لدى القاضي العقاري. وفي حال عدم وجود مثل هذا القيد يُذكر في اللائحة اسم مالكه الظاهر بعلمٍ وخبر من المختار يبيّن فيه حدود العقار».

 

لماذا نبادل؟

إذا كانت مبادلة الأراضي بقصد إنهاء الإشكالات الحدوديّة مع إسرائيل، فإن هذه الإشكالات ستبقى، إذا لم تُحلّ كل إشكالات الخطّ الأزرق دفعةً واحدة، أي حلّ موضوع مناطق التحفّظ اللبناني على الخطّ الأزرق في 13 منطقة، ومعالجة مناطق الخروقات الدائمة البالغ عددها 17 خرقاً على الحدود بين لبنان وفلسطين، وحلّ موضوع تمدّد قرية الغجر السوريّة ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة على الحدود اللبنانيّة – السوريّة. وأي اتفاق «بالمفرّق» سيُريح إسرائيل ولن يُريح لبنان، والمُعلَّق سيبقى مُعلّقاً.

وأخيراً تتمسك إسرائيل على الحدود البريّة مع لبنان بالمناطق التي تراها مناسبةً لها من الناحية الأمنيّة والاستراتيجيّة والمائيّة والزراعيّة، وحتى السياحيّة، وتحتلُّها ضاربةً عرض الجدار الإسمنتي بالاتفاقيّات الدوليّة والخطّ الأزرق وخطّ الهدنة، ثم تفاوض على ما يناسبها. يقاسمون اللبنانيين على أشبارٍ من أرضهم وتلالهم وحقول زيتونهم ومزارعهم، فيقضمون أرضنا وبحرنا قضمة تلو قضمة، يأخذون ثم يطالبون.

أغلبيّة الشعب اللبناني أصبحت تَعلَم أن الحدود اللبنانيّة مع فلسطين مرسَّمة وبحاجة فقط إلى إعادة تثبيت لخطّ الحدود الدوليّة الذي تتوفّر خرائطه الدقيقة والصحيحة لدى مديريّة الشؤون الجغرافيّة في الجيش اللبناني، وجميع هذه الأسئلة المشروعة نطرحها، على أمل أن تؤخَذ في الاعتبار من أجل تحضير ملفّ تثبيت الحدود الجنوبيّة بشكلٍ مُتكامل، بحيث يكون خالياً من الثغرات الدستوريّة والقانونيّة والتقنيّة، والسياسيّة، لكي لا نقدِم على خطوةٍ ناقصة أو متسرّعة.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بيسكوف: إدارة بايدن تواصل صب الزيت على نار الصراع الأوكراني

أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف اليوم أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن، تواصل صب الزيت على نار الصراع في أوكرانيا، وهناك ...