تُواصل حركة «حماس» وفصائل المقاومة الفلسطينية مشاوراتها الداخلية والخارجية بشأن الخطة الأميركية المُقترحة لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وسط اعتراضات جوهرية على العديد من بنود الوثيقة، التي تعتبرها الفصائل، بصيغتها الحالية، «تهديداً مباشراً» لمستقبل القطاع وسكانه، ومستقبل القضية الفلسطينية بشكل عام، و«تقويضاً لمشروع المقاومة الوطنية وتجريماً له».
وبحسب مصادر مطّلعة على المباحثات الجارية، تحدّثت إلى «الأخبار» فإن أبرز البنود التي تُجري «حماس» والفصائل الأخرى مشاورات حولها، هي:
أولاً، ما ورد في البندين 15 و16 حول نشر «قوة استقرار دولية» بمشاركة أميركية وأوروبية وعربية، إضافة إلى مشاركة إسرائيل ومصر والأردن في التنسيق الأمني. وترى المقاومة أنّ هذا البند يعني عملياً إعادة احتلال غزة بصيغة دولية؛ ولذا، فهي تطالب بانسحاب إسرائيلي كامل، وعدم تدخّل لا مباشر ولا غير مباشر في شؤون القطاع، كما بتوضيحات تفصيلية حول هوية القوات الدولية وعديدها ودورها وصلاحياتها وأماكن انتشارها.
ثانياً، تشير الخطة الأميركية بشكل صريح إلى ضرورة نزع سلاح فصائل المقاومة، بما يشمل منع إدخال الأسلحة إلى غزة، وتدمير كامل البنية التحتية العسكرية والأنفاق، ومنع إعادة بنائها، وحتى ترحيل كوادر المقاومة، في حين تعتبر حركة «حماس»، وكذلك بقية الفصائل، أن المقاومة المسلّحة حقّ مشروع للشعب الفلسطيني، وهي ترفض تسليم كامل السلاح، أو خروج المقاومين من القطاع. وفي هذا الإطار، يُتداول بمقترح للفصل بين ما يُعتبر أسلحة هجومية، وأخرى دفاعية.
ثالثاً، تعترض «حماس» على البند المتعلّق بإنشاء «هيئة انتقالية دولية» تُشرف على غزة بمشاركة أميركية وأوروبية وعربية وإسلامية، وبرئاسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، شخصياً. وترى الفصائل أن في هذا الطرح إقراراً بوضع القطاع تحت «وصاية دولية»، أو احتلال من نوع آخر. ولذلك، تطالب بأن تكون أي جهة إشراف أو إدارة للقطاع ذات طابع محلّي فلسطيني بالكامل.
رابعاً، في ما يتعلّق بالمنطقة العازلة و«ضمان أمن إسرائيل»، تنصّ الخطة على جعل غزة «خالية من الإرهاب والتطرّف» وضمان عدم تهديد إسرائيل مستقبلاً. وتفسّر «حماس» هذا الشرط باعتباره تبنّياً ضمنياً للرؤية الأمنية الإسرائيلية كمرجعية، ما يجرّد الفلسطينيين من حقهم في المقاومة، ويحوّل القطاع إلى رهينة لمعادلة «أمن إسرائيل». وبالتالي، ترفض هذه المقاربة، وتطالب بانسحاب فوري وكامل لقوات الاحتلال من القطاع، وفق جداول زمنية واضحة وضمانات دولية وأميركية.
خامساً، يرد في البند 18، طرح لمبدأ «الحوار بين الأديان» على أساس «التسامح والتعايش»، وهو ما ترى فيه «حماس» انزياحاً عن الطابع التحرري والوطني للقضية، بما يخدم الرواية الإسرائيلية التي تسعى إلى تحويل الصراع إلى طابع ديني. ولهذا، قد تطالب بحذف أو تعديل البند المذكور لتفادي أي تأويل يُفهم منه «التطبيع الديني».
سادساً، في ما يتعلّق بعملية إعادة الإعمار، التي تنص الوثيقة على ربطها بـ«إصلاح السلطة الفلسطينية» وسير عملية سياسية طويلة الأمد؛ تعتبر «حماس» هذا الربط محاولة لابتزاز سياسي يؤخّر الإعمار ويستخدمه كورقة ضغط. ومن هنا، تطالب الحركة بأن يبدأ الإعمار فوراً ومن دون أي شروط سياسية مُسبقة.
تتلمّس فصائل المقاومة في الخطة الحالية مخاطر مصيرية على كل «القضية الفلسطينية»
وكانت نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر مقرّب من الحركة أن المشاورات لا تزال جارية حول عدة بنود، من بينها نزع السلاح وإبعاد كوادر المقاومة، في حين زعم مصدر آخر مطّلع على المفاوضات في الدوحة وجود تباين في الآراء داخل «حماس» بين فريقين: «الأول يؤيّد القبول غير المشروط بالخطة على أن يضمن الوسطاء تنفيذ إسرائيل لها، والثاني يبدي تحفّظات على بنود مركزية، ويرى ضرورة الموافقة المشروطة مع توضيحات لتفادي إعطاء شرعية للاحتلال وتجريم المقاومة». وأكّد المصدر أن «الحركة لم تتّخذ قراراً نهائياً بعد، وهي بحاجة إلى يومين أو ثلاثة قبل إصدار بيان رسمي».
وفي سياق متصل، أكّد نائب الأمين العام لـ«حركة الجهاد الإسلامي»، محمد الهندي، أن «خطة ترامب» ليست سوى نسخة معدّلة من «صفقة القرن»، مشيراً إلى أنها تبدأ بـ«تجريم المقاومة» وتضرب مشروع التحرر الوطني الفلسطيني. وشدّد على «ضرورة إدخال تعديلات تتعلّق بمستقبل المقاومة، وتوضيح جدولة الانسحاب الإسرائيلي وربطه بتسليم الأسرى»، إلى جانب الحاجة إلى «ضمانات واضحة لوقف الحرب».
وفي المقابل، نقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن مسؤولين في «البيت الأبيض»، إشارتهم إلى أنّ الإدارة «مستعدّة لبحث طلبات محدّدة من الحركة تتعلّق بالتعديلات أو التوضيحات، لكنها لن تفتح الخطة بأكملها للنقاش مجدداً». أمّا في القاهرة، فقد دعا وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى مواصلة التفاوض بشأن بعض عناصر الخطة، معتبراً أن «الاقتراح الأميركي بحاجة إلى تحسينات إضافية»، فيما سُجّل اتصال هاتفي بين الأمير القطري والرئيس الأميركي، تناول الخطة الأميركية والنقاش حولها.
وعلى المقلب الإسرائيلي، كشف تقرير نشرته «القناة 12» تفاصيل ولادة الخطة الأميركية، موضحاً أن الهجوم الإسرائيلي الفاشل على الدوحة قبل ثلاثة أسابيع بهدف اغتيال قادة من «حماس»، كان أحد العوامل التي عجّلت في ما وصفه «تحوّل موقف الإدارة الأميركية»، ودفعها إلى تسريع العمل على خطة لإنهاء الحرب. وأفادت مصادر مطّلعة بأن مستشارَيْ ترامب، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، رأيا في الأزمة «فرصة لتقريب وجهات النظر العربية والدولية حول اتفاق».
ومن هنا، جرى دمج الخطة الأصلية لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مع خطة لـ«اليوم التالي» كانت تُعدّ بالتعاون مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، لتنتج وثيقة منهما من 21 بنداً، عُرضت على قادة ثماني دول عربية وإسلامية خلال قمة في نيويورك، ولاقت تجاوباً مشروطاً، ما دفع ترامب إلى طرحها رسمياً.
لكن، بحسب «القناة 12»، فإن التعديلات التي أدخلها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على بعض البنود، خصوصاً تلك المتعلّقة بشروط الانسحاب الإسرائيلي من غزة، «أثارت اعتراضات لدى دول عربية وإسلامية». وذكرت القناة أن «نتنياهو تلقّى تحذيراً مباشراً من ترامب، الذي هدّده بسحب الدعم الأميركي إذا ما حاول إفشال الخطة». ووفقاً لمصادر إسرائيلية نقلت عنها القناة، فإن «نتنياهو تمكّن في نهاية المطاف من تمرير تعديلات على الخطة، خصوصاً في ما يتعلّق بتقييد الانسحاب ومنع حماس من إعادة بناء قوتها». ورغم اعتراضات الدول العربية على هذه التعديلات، «قرّر ترامب المضي في نشر» رؤيته.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار