- شارل أبي نادر
- ١٣ أيلول 15:52
بهدف الردّ على الغطرسة الأميركية، نفَّذت إيران مناورة مشتركة مع الصين وروسيا، أواخر العام 2019، في شمال المحيط الهندي، وامتداداً إلى بحر العرب وخليج عمان، خارج مضيق هرمز.
تنفّذ عادة أغلب الجيوش مناوراتها العسكرية لأهداف مختلفة، تتمحور جميعها في سبيل حماية أمنها القومي ومصالحها ونفوذها، وتحمل مجموعة من الرسائل والأهداف السياسية والعسكرية والاستراتيجية، تبدأ بعرض القوة عبر إظهار كل جديد من الأسلحة والقدرات العسكرية والتكتيكية. ويتمّ أيضاً تدريب الوحدات على إدارة المعارك وتفعيل منظومة القيادة والسيطرة، وتنسيق الأعمال والأوامر بين مختلف تلك الوحدات، وتهدف المناورات كذلك إلى تعريف الوحدات إلى ميدان المعارك والمواجهات المحتملة.
تعيش الجمهورية الإسلامية في إيران، ومنذ بداية انطلاقتها في العام 1979، جوّ المناورات العسكرية والتجارب الصاروخية وغير الصاروخية، إذ تجد في ذلك حاجة قومية لا يمكنها الاستغناء عنها، استناداً إلى مسار التهديد المتواصل الذي تتعرَّض له، وذلك حين أخذت قراراً بفكّ ارتباطها وارتهانها للدول الغربية، وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية، والأهم حين ثبتت موقفها المبدئي والعملي بمواجهة العدو الصهيوني وأطماعه التوسعية في المنطقة.
في الواقع، قد تكون هذه المرحلة التي تعيشها إيران اليوم هي الأخطر والأكثر حساسية، وذلك بعد أن انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي، بهدف إجبار إيران على الانصياع لها، وفكّ تحالفاتها، وتشتيت نفوذها كقائدة لمحور المقاومة…
في المقابل، وحيث زادت طهران من ثباتها والتزامها بمواقفها، فقد أطلقت، وبالتوازي مع ما تتعرّض له من ضغوط، العنان أكثر وأكثر لسلسلة من المناورات العسكرية والتجارب الصاروخية الباليستية، تحمل كل منها رزمة من الرسائل الاستراتيجية، وتوَّجتها مؤخراً بإطلاق مناورة “ذو الفقار 99″، كآخر نسخة تنفّذها حالياً، بما تحمله من رسائل، رداً على الاتفاق الأخير بين الإمارات و”إسرائيل”.
هذا المسلسل المتصاعد من الرسائل عبر المناورات العسكرية، يمكن تحديده بالتالي:
بدأت هذه السلسلة من المناورات الحساسة بمناورة “الولاية 97” بتاريخ 22 شباط/فبراير 2019، وكان ميدانها من مضيق هرمز حتى بحر عُمان على الطرف الغربي للمحيط الهندي، وشهدت تمارين هجومية ودفاعية بمشاركة سفن وزوارق حربية ومدمرات وغواصات، وتميزت، ولأول مرة حينها، بإطلاق صواريخ “كروز” من الغواصات الإيرانية، فكانت الرسالة الرئيسية منها عرض قدرة إيران في الصواريخ المجنّحة “كروز” التي يتم إطلاقها من الغواصات.
لاحقاً، وبهدف الردّ على الغطرسة الأميركية، نفَّذت إيران مناورة مشتركة مع الصين وروسيا، وذلك بين 27 و30 كانون الأول/ديسمبر 2019، في شمال المحيط الهندي، وامتداداً إلى بحر العرب وخليج عمان، خارج مضيق هرمز، وقامت على تجربة واستخدام أسلحة الغواصات ومراكب الإنزال والقتال والصواريخ المضادة للسفن والغواصات. كل ذلك حصل بحماية منظومة دفاع جوي مشتركة إيرانية وروسية وصينية.
انطلقت مناورات “الرسول الأعظم 14” في مياه الخليج بتاريخ 28 تموز/يوليو 2020، وكانت فكرتها الأساسية التدرّب على عملية تفجير مجسم مشابه لحاملة طائرات أميركية من فئة “نيميتز”، عبر هجوم مركّب بصواريخ ومروحيات. وقد ظهرت أيضاً خلال المناورات قوارب سريعة وهي تبحر ضمن تشكيل محدد، وتتحرك وتناور في تشكيل يُذكّر بمناورة “هجوم النحل” ضد البوارج والسفن المعادية، والذي ينفّذ بمئات الزوارق السريعة شبه الانتحارية.
كانت المناورة الأخيرة قبل مناورة “ذو الفقار 99” بتاريخ 31 تموز/يوليو 2020، وقامت على فكرة إطلاق صواريخ باليستية من باطن الأرض، حيث ظهر انطلاق 4 مقذوفات ضخمة من تحت أرض صحراوية، وكانت رسالة جديدة لم يشهد العالم سابقاً ما يشبهها.
اليوم، أطلق الجيش الإيراني المرحلة الرئيسيّة لمناورة “ذو الفقار 99” العسكريّة الكبرى في بحر عمان، تحت شعار “الأمن المستدام تحت ظل الاقتدار الدفاعي”، وتستمر 3 أيام، بمشاركة قطع بحريّة وغواصات ووحدات طيران تابعة لسلاح البحر، ومنظومات رادارية وصاروخيّة للدفاع الجوي، إلى جانب وحدات من القوة البرية، ومقاتلات القوّة الجويّة التابعة للجيش الإيراني.
وبحسب وكالات الأنباء الإيرانيّة، تقوم الوحدات المشاركة التابعة للجيش الإيراني بتنفيذ “خطط تكتيكيّة هجوميّة ودفاعيّة لحماية المياه الإقليميّة وخطوط المواصلات البحريّة في منطقة تمتد إلى مليوني كم مربع، بدءاً من شرق مضيق هرمز وبحر عمان إلى شمال المحيط الهندي”.
وكما يبدو من عناوين مناورات “ذو الفقار 99” ومراحلها، يمكن تصنيف رسائل هذه المناورة وأهدافها على الشكل التالي:
أولاً: هناك ما يمكن وضعه في إطار الردّ الروتيني الّذي دأبت عليه الوحدات الإيرانية بعد التوتر المتصاعد في الخليج على خلفيّة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النوويّ، وهذا يظهر من خلال عرض مناورة الأسلحة النوعية والاستراتيجية، والتي أصبحت مؤخراً تميّز القدرات الإيرانية، وخصوصاً صواريخ “كروز” المجنّحة.
ثانياً: هناك ما يمكن وضعه في إطار الردّ المباشر والسريع على الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي، وما يمكن أن يحمله من أخطار أو تهديدات ضد إيران، أو ما يمكن أن يتبعه من تحالف جاهر أطرافه ورعاته بأنَّه سيكون ضدّ إيران، وأهم هذه المراحل هي الاستخباريّة والتكتيكيّة.
استخبارياً:
تؤدي الطائرة المسيّرة “سيمرغ” الدور الرئيس في عمليات الاستطلاع الجوي المواكب لحركة السّفن والبوارج في ميدان المناورة الواسع، وتعاونها الغواصة “فاتح” في كشف أي حركة جوية أو بحرية ورصدها، فوق أو تحت مياه الخليج في منطقة عمليات المناورة الشاسعة (حوالى مليوني كلم مربع).
تكتيكياً:
تضمّن برنامج المناورات، ولأول مرة، التمارين المجوقلة وتمارين الهجوم البرمائي للسيطرة على السواحل المطلوبة. وإذ تعتبر هذه التمارين عادةً من التمارين الهجوميّة، فقد كانت لافتة في توقيتها، ذلك أنَّ العمليات المجوقلة تقوم على مبدأ تنفيذ إنزال وحدات برية خلف خطوط العدو، بهدف السيطرة على رأس جسر، لتلقّي الوحدات الصديقة المهاجمة أو بهدف تنفيذ عملية خاصة.
كما يقوم مبدأ الهجوم البرمائي للسيطرة على السواحل المطلوبة على تنفيذ إغارات خاطفة بزوارق سريعة ووحدات خاصة، بعد تنفيذ عمليات إبرار واسعة على ساحل أو شاطئ معادٍ، بحماية وتغطية وحدات جوية وبحرية تواكب تلك العمليات.
وهكذا، يمكن وضع هذا المسار المتصاعد من سلسلة المناورات الإيرانية في إطار الردّ الدائم والثابت والمواكب للتهديدات التي تتعرَّض لها إيران، والتي يبدو أنها لن تتوقّف في المدى القريب، ما دامت طهران باقية على مواقفها المبدئية في مواجهة العدو الصهيوني من جهة، ومقارعة الأميركيين من الندّ للندّ من جهة أخرى
. (سيرياهوم نيوز-الميادين)