في زيارته الأخيرة، رمى عاموس هوكشتين كرة النار في لبنان بحمله اقتراحاً بخط إسرائيلي جديد. الموقف اللبناني الموحد، مدعوماً بمعادلة القوة التي رسمتها المقاومة، كفيل بردّ الكرة إلى إسرائيل. ومع ذلك فان الجميع بما في ذلك المقاومة ينتظرون الاسبوعين المقبلين لحسم الخطوات المقبلة
تلقت جهات لبنانية معنية بملف التفاوض حول الحدود البحرية اشارات الى رغبة اسرائيلية بأن يكون هناك تفاهم وليس اتفاقاً كاملاً حول الترسيم. وقالت ان مطلب العدو بتعديل الخط الازرق البحري، وبمعزل عما اذا كان يتعرض للنقطة B1 أم لا، يتعلق بحسابات متنوعة منها:
ثانياً، ان حكومة يائير لابيد التي تخشى على واقعها السياسي في الانتخابات المقبلة تريد التوصل الى تفاهم يتيح لها بدء عمليات الاستخراج من دون ان يظهرها في موقع الخاضع لضغوط حزب الله.
ثالثاً، ان لبنان يريد ايضا التوصل الى اتفاق يتيح له المباشرة بعمليات تنقيب واسعة تمهيدا للاستخراج الذي يفترض ان يدر عائدات يحتاجها في مواجهة الازمة الاقتصادية.
بناء عليه، جاء المطلب الاسرائيلي الخاص بخط العوامات، ليطرح سؤالا عن الهدف الفعلي منه، لأن ما يطلبه الاسرائيليون لا يعدو كونه مطلباً تقنياً بغلاف امني. إذ أن حكومة لابيد تريد القول انها يمكن ان توافق على خط ازرق يفصل بين الجانبين من دون ان يلزمها بخطوات تبدو فيها وكأنها خضعت للمقاومة. كما انها معنية بالتوصل سريعاً الى اتفاق لأن جدول اعمال شركات الاستخراج محكوم بسقف زمني لا يتجاوز الاسبوع الاول من تشرين الاول المقبل.
والى جانب النقاش التقني القائم على ضوء الاحداثيات التي حملها الوسيط عاموس هوكشتين، فان النقاش السياسي يتصل في ما اذا كان العدو يريد الاكتفاء الآن باتفاق على خط ازرق بحري من دون الاضطرار الى اتفاق كامل يمكن ان يكون صعباً، لأن لبنان لن يتنازل عن اي نقطة في البر، كما يمكن ان ياخذ مزيداً من الوقت ما يؤثر على خطط الاستخراج. ويفترض العدو في هذه الحالة، انه يعطي لبنان موافقة على تفاهم يقضي باعتبار الخط 23 وحقل قانا من مصلحة لبنان كليا، وبما يعني اقرار لبنان بأن حقل كاريش ليس ضمن المنطقة المتنازع عليها. ومثل هذا التفاهم يسمح للشركات العالمية بالمجيء للتنقيب في لبنان بينما يمكن للعدو البدء بعمليات الاستخراج من كاريش، وبالتالي يجري تعطيل تهديد حزب الله من جهة، ويتيح لحكومة لابيد القول انها لم تخضع لا لناحية ترسيم حدود كاملة ولا لوقف الاستخراج ربطا بطلبات حزب الله.
في لبنان، التأمت في قصر بعبدا أمس لجنة سياسية – عسكرية – تقنية، برئاسة الرئيس ميشال عون، لدرس إحداثيات «خط هوكشتين» التي حملها الوسيط الأميركي إلى لبنان الجمعة الماضي، والخروج بموقف موحد ونهائي حيالها. وحضر اللقاء كل من مستشار رئيس الجمهورية المكلف ملف الترسيم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ورئيس مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش المقدم غفيف غيث وآخرون.
و«خط هوكشتين» الذي قُدّم مكتوباً إلى المعنيين، عبارة عن «خط وهمي» يتألف من إحداثيات ما يعرف بـ«مسار العوامات» (الطفافات البحرية التي وضعها العدو الاسرائيلي بعيد إندحاره عن الجنوب عام 2000 للدلالة إلى حدوده، ورفض لبنان الإعتراف بها). وهو يبدأ من النقطة 31 (نقطة بداية الخط الاسرائيلي رقم 1)، ويمتد نحو 6 كيلومترات في البحر ثم ينحني جنوباً ليتطابق مع الخط 23. ويقتطع الخط نحو أربعة كيلومترات مربعة من مساحة الخط 23 أقرب ما تكون إلى «منطقة عازلة»، بذريعة توفير شروط أمنية لإسرائيل تحت إشراف قوات «اليونيفيل». فيما اعتماده يعني التنازل عن نقطتي رأس الناقورة و B1 مما يؤثر على ترسيم الحدود البرية في ما بعد ويضع نفق الناقورة خارج السيادة اللبنانية.
إرسال وفد تقني الى الناقورة من دون ان يملك اتخاذ القرار يعني العودة إلى دوامة التفاوض
لكن مصادر معنية بالملف ابدت خشيتها من محاولة «بعض المسؤولين اللبنانيين إدخال هذا الملف السيادي بامتياز، في زواريب السياسة الضيقة، أو أن يكون هناك من يعمل على تأجيل حسم هذا الملف إلى ما بعد نهاية ولاية الرئيس عون في 31 تشرين الأول المقبل، اعتقاداً منه بأن ذلك يحرم عون من إنجاز يُسجّل له».
وقالت المصادر ان «توجّهاً كهذا يعني، ببساطة، أخذ البلد إلى مشكل كبير، خصوصاً أن الوسيط الأميركي حمل في زيارته الأخيرة، الجمعة الماضي، رسالة شديدة الوضوح بأن العدو سيبدأ الاستخراج من حقل كاريش في الأسبوع الأول من تشرين الأول وأن لا مشاكل تقنية ولا غيرها ستؤثر في هذا القرار». واوضحت ان الوسيط غمز من قناة اللبنانيين بـ«أنكم أنتم من وضعتم مهلة حتى آخر أيلول» في إشارة إلى تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وبحسب مصادر مطّلعة عن كثب على مجريات التفاوض، كرر هوكشتين ان الأميركيين والاسرائيليين «حريصون على التوصل إلى اتفاق قبل موعد الاستخراج وقبل الانتخابات الاسرائيلية».
ولفتت المصادر الى ان هناك من يريد وقف التفاوض القائم حاليا والعودة الى الناقورة من جديد، وهو الاقتراح الذي يصر عليه الرئيس نبيه بري. وقالت إن «إرسال وفد تقني الى الناقورة للتفاوض من دون ان يملك اتخاذ القرار يعني العودة إلى دوامة التفاوض التي استمرت 12 عاماً من دون نتيجة». علماً أن هوكشتين ابلغ المسؤولين اللبنانيين أن «الاسرائيلي لن يأتي الى الناقورة في ظل الانتخابات إذا لم يكن ذلك لتوقيع اتفاق».