محمد وهبة
قالت مصادر مطّلعة، إن الاجتماع الذي عُقد يوم الخميس الماضي بين حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، ومجلس إدارة جمعية المصارف، جاء في سياق أزمة السيولة التي تعاني منها المصارف والاستنزاف اللاحق بها بسبب تطبيق التعميمين 158 و166. فقد تبيّن أن عدداً كبيراً من المصارف ليست قادرة، لأكثر من بضعة أشهر، على مواصلة تسديد ما يتوجب للمودعين بموجب هذين التعميمين بينما تتعرّض لضغط سيولة كبير ناتج من ارتفاع مصاريفها التشغيلية. وبالتالي بدأت المصارف تستنزف السيولة التي يفترض أن تكوّنها بنسبة 3% من ودائعها بموجب التعميم 154. هكذا تبدو خيارات المصارف صعبة؛ فإما إشهار الإفلاس، وإما على أصحاب المصارف ضخّ السيولة لا من أجل إعادة مصارفهم إلى الحياة، بل من أجل شراء المزيد من الوقت في انتظار توزيع للخسائر يقيهم شرّ الإفلاس.
مقالات مرتبطة
في أيامه الأخيرة سلامة بدّد 400 مليون دولار: خطّة من 3 نقاط يعدّها منصوري في إطار ثوابته محمد وهبة
بحسب المصادر، فإن النقاش تطرّق في الاجتماع إلى أزمة السيولة، وقد عرض منصوري على المصارف إمدادها بسيولة بالليرة اللبنانية: «سأمنحكم بعضاً من السيولة بالليرة إنما ستعرفون لاحقاً آلية توزيعها وحجمها، ويجب أن تعلموا أنني ألغيت كل العقود المتعلّقة بالهندسات المالية، ما يعني أن توظيفاتكم في هذه الهندسات لن تعود منتجة للفوائد».
(هيثم الموسوي)
ويأتي هذا الوضع في إطار التقارير التي أُعدّت في مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف بشأن قدرة المصارف على الاستمرار، إذ إن إمداد المصارف بالسيولة سيعينها حتى لا تصل إلى مرحلة إشهار إفلاسها، أي أن تبقى «زومبي»، في انتظار صدور حلّ ما أو «تسوية» بالتوافق بين منصوري والمصارف. إنما هذا الحلّ قد يأتي، أو يتعارض مع حلول أخرى يعمل عليها مستشارا الرئيس نجيب ميقاتي، نقولا نحاس وسمير الضاهر. فالمعلومات الواردة بهذا الشأن تشير إلى أن فريق ميقاتي أنهى دراسة كل الملاحظات التي وردت إليه من المصارف والوزراء والنواب وسائر الجهات المعنية، بشأن مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، وأنه يعمل على إنجاز طرح ما. لكن منصوري سبق أن بدأ الترويج لخطّة يعدّها فيها بعض من الحلول التي وردت في مشروع القانون وفيها بنود أخرى أيضاً.
إذاً، وسط السباق بين المشروعين، يبدو أن المصارف بدأت تضع رهاناتها من دون ضمانات بأن هذا السباق سينتهي قريباً وأن هناك فوزاً لأي من المشاريع المطروحة. لكن منصوري، يعتقد أن مصرف لبنان هو سقف المصارف التي لن يكون بإمكانها أن تتجاوزه بأي طريقة من الطرق. وما يعزّز هذه النظرة أن المصارف غارقة في ضغوط السيولة «إلى أذنيها»، وأن الحلول المتاحة لها للبقاء هي الآن في يد مصرف لبنان خلافاً للحلول التي «جُرّبت» خلال الفترة الماضية مع نجيب ميقاتي والتي يبدو أنها لم تنتج سوى مزيد من السجال. طبعاً، لا شيء مؤكّداً بأن مشروع منصوري للحلّ ينطوي على حظوظ كبيرة، إنما هو يأتي على شكل «تسوية» قد تؤدي إلى بقاء عدد كبير من المصارف، وفق ما قالت المصادر.
وهذا يرتبط أيضاً بوجود العديد من المشاكل الطارئة، ومن أبرزها مشكلة تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية لمنظمة «فاتف». ففي الاجتماع، أبلغ منصوري المصارف بأنه يعمل على «منع هذا التصنيف» مشيراً إلى أن «مصرف لبنان والمصارف لا مأخذ عليهما» ولا سيما في الشق الذي أثاره تقرير «فاتف» الأخير والذي يرتّب مسائل قضائية عليهما.
منصوري أبلغ المصارف إلغاء الهندسات المالية وكل الفوائد التي كانت تنتجها
ويروي المصرفيون، أن مشكلة السيولة بدأت تظهر لدى المصارف، عندما قرّر مصرف لبنان وقف «صيرفة». كانت العمولات الناتجة من عمليات «صيرفة» تؤمّن دخلاً بالفريش لعدد كبير من المصارف، وهذا ما كان يغطّي مصاريفها المتزايدة للتشغيل (معلوماتية، كهرباء، إيجارات…)، كما أنه كان مصدراً أساسياً لتغطية ما يترتب عليها من تسديد ودائع بـ«الفريش» بموجب التعميم 158 ثم لاحقاً أضيف التعميم 166. إنما مع توقف هذا الدخل، تبيّن أن المصارف تنقسم، ربطاً بقدراتها الفريش، إلى قسمين: قسم لديه سيولة كافية يوظّفها في الخارج ويستفيد من مداخيلها مع ارتفاع أسعار الفوائد العالمية إلى 5% ليغطي مصاريفه وتسديد متطلبات التعاميم التي يصدرها مصرف لبنان، فضلاً عن أن لديها قدرات في السوق المحلية لفرض عمولات على البطاقات المصرفية وسواها مما يؤمّن له مداخيل إضافية. فباستثناء «بنك ميد»، تعدّ المصارف الأكبر مصنّفة في هذا الإطار، إذ لديها سيولة خارجية وأصول في الخارج تتيح لها تعزيز السيولة والملاءة في المستقبل. وفي المقابل، هناك عدد كبير من المصارف (بعض المصادر تشير إلى 10 مصارف من أصل 30 مجموعة مصرفية) بدأت تستنزف سيولتها الخارجية، ما يعرضها لمخاطر الامتناع عن تطبيق التعميم 158 والتعميم 166 وباتت سيولتها الخارجية متدنية عن النسب التي حدّدها مصرف لبنان بموجب التعميم 154، أي ما نسبته 3% من الودائع بالعملة الأجنبية. بعض هذه المصارف محال إلى الهيئة المصرفية العليا وعيّن عليها مديرين مؤقّتين، وبعضها الآخر ليس لديه سوى الشكوى من الضغوط الإضافية التي نتجت من التعديلات على التعميم 158 لتسمح بتسديد 300 دولار شهرياً للمودعين مهما انتقلت ودائعهم بين المصارف. لذا، ارتفعت كلفة تطبيق هذا التعميم من 800 مليون دولار سنوياً يدفعها مصرف لبنان والمصارف مناصفة، إلى نحو 1.3 مليار دولار. وقد بلغ مجمل ما هو مدفوع لغاية أيار، بموجب هذا التعميم من الطرفين نحو 2.5 مليار ولار.
سيرياهوم نيوز٣_الأخبار