تفتح الرؤية المستقبلية لسوريا حتى عام 2050 النقاش الواسع حول آليات التخطيط الإستراتيجي ومتطلبات التنمية المتوازنة بعد الحرب، فالحاجة لم تعد مقتصرة على معالجة الظروف الطارئة، بل أصبح الطموح أكثر لبناء آليات تضمن الاستدامة والعدالة بمشاركة الجميع في صياغة خطة وطنية شاملة تحقق هذا الهدف.
الدكتور في الهندسة والمتخصص في علوم الاستدامة وقياسها حسام الوعر رأى أن بناء رؤية طموحة لسوريا يتطلب إستراتيجية متعددة المستويات؛ قصيرة المدى للاستجابة للطوارئ، ومتوسطة المدى للتعافي، وبعيدة المدى للاستدامة، على أن تُبنى هذه الرؤية بأسلوب تشاركي يضم الدولة، والمنظمات الأهلية، والقطاع الخاص.
العدالة في توزيع التنمية
صياغة رؤية لسوريا 2050 لا تعني فقط تحديد الأهداف الكبرى، بل إشراك جميع الفاعلين في صياغتها وتنفيذها، فالمستقبل يتطلب عدالة في توزيع التنمية، وتكاملاً بين المدن والأرياف، وتحديث التشريعات بما يضمن الاستقرار والازدهار للأجيال القادمة، وفق الدكتور الوعر.
وأشار الدكتور الوعر، الأستاذ بجامعة داندي بالمملكة المتحدة، إلى أن معظم الخطط التنموية في سوريا منذ ستينيات القرن الماضي كانت قصيرة الأمد، وجاءت استجابةً لأحداث طارئة، وغالباً ما كانت حلولها فعالة لبضعة أشهر فقط قبل أن تظهر تحديات جديدة، ما أدى إلى تكرار المعضلات دون حلول مستدامة.
لا تنمية بمعزل عن الأجيال القادمة
القمة الأكاديمية السورية للابتكار والتعليم والبحث والإصلاح (سفير 2025)، التي شهدت فعالياتها دمشق مؤخراً تحت عنوان “وضع المشهد للرؤية والتخطيط بالسيناريوهات والتخطيط الإقليمي.. سوريا ما بعد الحرب، الفرص والتحديات”، سلطت الضوء على موضوع التنمية المستدامة الذي تأمل سوريا أن تحققه حتى عام 2050، من خلال محاضرة الدكتور الوعر التي ألقاها في المكتبة الوطنية بدمشق.
ولفت الدكتور الوعر إلى أن التنمية المستدامة لم تعد تقتصر على الحفاظ على الموارد، بل تتطلب القدرة على تطوير خطط تواكب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وقال: “اليوم لا يمكن الحديث عن تنمية بمعزل عن الأجيال القادمة، فالمطلوب هو التفكير في العقود المقبلة لا معالجة المشاكل الآنية فقط”.
التوسع العمراني وخطر العشوائيات
النمو غير المنظم في المدن وخاصة في الأحياء العشوائية يشكّل خطراً على الاستقرار العمراني والاجتماعي حسب رأي الدكتور الوعر، الذي اعتبر أن البنية التحتية في مناطق سوريا مهددة ما لم توضع خطط إستراتيجية بعيدة المدى قادرة على استيعاب التحولات خلال ربع القرن المقبل، وبذلك فإن النمو غير المنظم من أبرز التحديات العمرانية التي تواجه البلاد، ومعالجته لا تقتصر على البعد العمراني فقط، بل تتداخل معه أبعاد اقتصادية واجتماعية وحقوقية، وحسب الوعر فإن أي مشروع مستقبلي يجب أن تخصص له مساحات خضراء لا تقل عن نسبة 20 بالمئة.
وأوضح الدكتور الوعر أن تحقيق العدالة في التنمية بين المدن والأرياف شرط أساسي للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، مقترحاً اعتماد تنظيم الأقاليم كخيار إداري متوازن لا على أساس حدود أو انفصال، بل كآلية رشيدة للحوكمة والتنمية المتكاملة، ما ينعكس إيجاباً على حياة السكان في جميع المحافظات.
الثروات والتنوع كمصدر قوة
أشار الدكتور الوعر إلى أن الرؤية القادمة لسوريا لا بد أن تنطلق من حقيقة أساسية وهي التنوع الكبير الذي يميز مجتمعها، وثرواتها الطبيعية، الأمر الذي يمكن أن يكون مصدر ضعف إذا أُدير بشكل خاطئ، لكنه في الوقت نفسه قد يتحول إلى مصدر قوة هائل إذا استُثمر بشكل عقلاني ومنظم ضمن رؤية وطنية واضحة.
ولفت إلى أن الرؤى الناجحة ليست ثابتة، بل عملية ديناميكية تتطور مع الزمن، وتعتمد على الاستشراف ورسم عدة سيناريوهات محتملة للمستقبل، مع مرونة لتغيير المسار وفق الأزمات أو الفرص، وإمكانية تحديث التشريع والقوانين ورفع العوائق منها.
العدالة في التخطيط الإقليمي
شدد الدكتور الوعر على ضرورة اعتماد مفهوم العدالة الشاملة، ليس فقط الانتقالية، بل أيضاً المكانية، بما يضمن توزيعاً متوازناً للموارد والخدمات بين المدن والريف، مؤكداً أن العدالة في التخطيط الإقليمي لا تقل أهمية عن أي إصلاح سياسي أو اجتماعي.
واعتبر الوعر أن الرؤية الطموحة لسوريا 2050 تتطلب الشجاعة في التخيل، والمرونة في التعديل، والعدالة في التطبيق، حتى تكون خارطة طريق وطنية تُبنى عليها خطط الاستقرار والتعافي والاستدامة للأجيال المقبلة.
يُذكر أن شخصيات أكاديمية وطلاباً وصناع قرار وباحثين من داخل سوريا وخارجها شاركوا وتفاعلوا مع موضوع الرؤية المستقبلية لسوريا الذي تحدث عنه الدكتور الوعر.
أخبار سوريا الوطن١-سانا