آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » من سوريا إلى بنغلاديش: هل توسع الصين نفوذها أم تفرض هيمنتها؟

من سوريا إلى بنغلاديش: هل توسع الصين نفوذها أم تفرض هيمنتها؟

 

 

 

 

نور ملحم

 

 

بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد، واجهت الصين تحديًا جديدًا في تحديد موقفها من القيادة السورية الجديدة. ورغم الدعم السياسي الذي قدمته بكين للأسد خلال سنوات حكمه، فإن وصول الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة أوجد ديناميكيات جديدة في العلاقات الثنائية.

شهدت الأسابيع الأولى بعد تغيير القيادة السورية فترة صمت دبلوماسي من الجانب الصيني، مما أثار التساؤلات حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين البلدين. إلا أن اللقاء الذي جمع السفير الصيني في دمشق بالرئيس السوري ومسؤولين كبار في القصر الرئاسي أعاد فتح باب التكهنات حول توجهات بكين الجديدة تجاه سوريا.

تدرك الصين أن سياستها السابقة في دعم الأسد بلا شروط جعلتها طرفًا في معادلة سياسية حساسة، خصوصًا بعد أن أصبح واضحًا أن مرحلة ما بعد الأسد تقتضي إعادة تقييم التحالفات الدولية، في هذا السياق، من المحتمل أن تسعى الصين إلى الحفاظ على نفوذها عبر مسارات اقتصادية واستثمارية، عوضًا عن التدخل المباشر في سياسات دمشق الداخلية.

شهدت السياسة الخارجية الصينية تحولات جوهرية في العقد الأخير، حيث انتقلت من نهج عدم التدخل إلى الانخراط الفاعل في نزاعات الشرق الأوسط، سواء عبر الوساطة بين السعودية وإيران، أو تعزيز المصالحة بين الدول العربية وسوريا، أو حتى فتح قنوات تواصل جديدة مع الفصائل الفلسطينية. هذه التحركات تعكس استراتيجية صينية أوسع تهدف إلى تعزيز النفوذ العالمي لبكين، مستفيدةً من الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من بعض الملفات الإقليمية.

إلا أن هذا التوسع يواجه تحديات، خاصة بعد أن عادت واشنطن إلى التركيز على الشرق الأوسط، ما يعني أن بكين قد تواجه عقبات في ترسيخ دورها. إن قدرتها على لعب دور الوسيط الفاعل تعتمد على مدى قبول القوى الإقليمية لهذا الدور، فضلاً عن مرونة الصين في التعامل مع المصالح المتضاربة.

على الجانب الآخر من آسيا، تتسارع خطوات بنغلاديش في تعزيز علاقاتها مع الصين منذ سقوط حكومة الشيخة حسينة في أغسطس 2024. وبالرغم من أن الحكومة المؤقتة تُصرّ على أن التوجه نحو بكين يأتي في إطار الاستقلالية السياسية، إلا أن الحقائق الاقتصادية تُشير إلى اعتماد متزايد على الصين.

فالعجز التجاري بين البلدين بلغ مستويات غير متوازنة، حيث تستورد بنغلاديش بضائع بمليارات الدولارات بينما تصدر كميات ضئيلة إلى الصين، مما يعزز التبعية الاقتصادية. كما أن ارتفاع حجم الديون البنغلاديشية للصين يثير القلق بشأن السيادة الاقتصادية، حيث تفرض بكين شروطًا صارمة على القروض، ما يضع دكا في موقف ضعيف تفاوضيًا.

 

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز التعاون العسكري بين البلدين يُشكل عاملاً إضافيًا في هيمنة الصين على القرار السياسي البنغلاديشي. فالتوجه نحو الاعتماد على الأسلحة الصينية يمنح بكين قدرة على التأثير في سياسات الدفاع والأمن لدكا، وهو ما يثير مخاوف بشأن فقدان استقلالية القرار العسكري البنغلاديشي.

تمثل العلاقة بين الصين والهند واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا في آسيا، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية مع النزاعات الحدودية والتنافس الجيوسياسي. وعلى الرغم من أن الصين والهند تمتلكان علاقات تجارية قوية، فإن التوترات السياسية بينهما لا تزال قائمة، خاصة في ظل النزاع الحدودي في منطقة الهيمالايا.

في السنوات الأخيرة، سعت الصين إلى تعزيز نفوذها في جنوب آسيا، وهو ما أثار قلق الهند، التي تعتبر نفسها القوة الإقليمية الرئيسية في المنطقة. ومع تزايد التقارب بين الصين وبنغلاديش، تنظر نيودلهي إلى هذا التحول بحذر، حيث تخشى أن يؤدي النفوذ الصيني المتزايد إلى تقليص دورها في المنطقة.

من جهة أخرى، تلعب الصين دورًا دبلوماسيًا في التوترات بين الهند وباكستان، حيث دعت بكين الطرفين إلى ضبط النفس وتغليب الحوار لحل النزاعات، خاصة بعد التصعيد الأخير في إقليم كشمير. إلا أن الهند ترفض أي وساطة خارجية في شؤونها مع باكستان، مما يجعل موقف الصين حساسًا في التعامل مع هذا الملف.

إن اندفاع سوريا وبنغلاديش نحو الصين يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل هذه العلاقات، خاصة في ظل التاريخ الطويل لبكين في تحويل الشراكات الاقتصادية إلى أدوات ضغط سياسية. ورغم أن الاستثمارات الصينية تُوفر حلولًا فورية لبعض المشكلات الاقتصادية، إلا أن تكلفتها السياسية والاقتصادية على المدى الطويل قد تكون باهظة.

يواجه العالم اليوم مشهدًا متغيرًا من التحالفات الجيوسياسية، حيث تسعى الصين إلى تثبيت نفوذها في مناطق جديدة، بينما تحاول الدول المستفيدة من هذا الدعم إيجاد توازن بين الاستفادة من العلاقات الاقتصادية والحفاظ على سيادتها. فهل ستتمكن سوريا وبنغلاديش من تحقيق هذا التوازن، أم أن مسار العلاقات سيقود إلى مزيد من الهيمنة الصينية على قراراتهما؟

(اخبار سوريا الوطن 1-رأي اليوم)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ماذا لو عاش عبد الناصر؟

  عبد الرحمن الراشد   صححت التسجيلات التي نبشت بعد نصف قرن من الأرشفة السرية صورة وتاريخ الرئيس الراحل عبد الناصر. أعادت فهم وكتابة المسار ...