- ريم هاني
- الإثنين 12 تموز 2021
منذ اغتيال رئيس هايتي، جوفينيل مويز، الأسبوع الماضي، تتزايد التساؤلات حول مستقبل هذا البلد الكاريبي الغارق في دوامة من الفوضى والفقر. ولا يبدو أن حلّ واحدة من مشكلات البلاد، والمتمثّلة بإجماع مجلس الشيوخ على اختيار رئيسه، جوزيف لامبر، لإدارة الدولة موقّتاً، سيحدُّ من تمدُّد الفوضى الشاملة، في حين يشير محلّلون ومراقبون في الغرب، كما في هايتي، إلى ضرورة أن تغيِّر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، سياستهما تجاه هذا البلد، نظراً إلى دورهما في تعزيز أزمات هذا البلد على مدى سنوات.
هايتي والإعاشات الغربية
تفيد صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، بأنه منذ تعرّض هايتي لـ»تسونامي» مدمّر في عام 2010، تدفّقت إلى هذا البلد مساعدات من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، تُقدَّر بنحو 13 مليار دولار. وبدلاً من استثمارها في بناء البلاد، ازدادت مظاهر الفوضى واتّسعت «الفجوات» في مؤسسات الدولة. وانكمش اقتصاد البلاد، العام الماضي، بنحو 3.8%، في ظلّ وجود أكثر من 60% من السكان تحت خطّ الفقر. وما زاد الأوضاع سوءاً، هو تفشِّي وباء «كورونا» والفوضى التي شهدتها أخيراً العاصمة بورت أو برنس، بعدما مُنعت معظم المنظمات الإغاثية، مثل «يونيسف» و»أطباء بلا حدود»، من تقديم مساعداتها الاعتيادية للسكان والأطفال.
في هذا الشأن، تؤكد الصحيفة أن المساعدات ساهمت من دون شكّ في تحقيق هدف الولايات المتحدة بعدم اندثار الدولة الكاريبية نهائياً، إلّا أنها سمحت بتعزيز الفساد والشلل السياسي والعنف، فيما يعتبر المجتمع المدني في هايتي أن واشنطن، وبدلاً من إطلاق مسيرة الإصلاح وبناء «نظام يعمل»، دعمت حفنة من «رجال الدولة»، وعلّقت مصير البلاد بهم، وسمحت لهم بالاعتكاف عن القيام بواجباتهم، مكتفيةً، في كل مرّة، بالتنديد بممارساتهم، مع الاستمرار بسياسة الإعاشات.
كما يندّد الكثير من المواطنين الهايتيين بالدعم الغربي للرئيس مويز، ويعتبرون أنهم لا يملكون «القوة الكافية» للحدّ منه. ومن بين هؤلاء، الخبيرة السياسية، إيمانيولا دويون، التي أرسلت، في وقت سابق من هذا العام، مذكّرة احتجاج إلى الكونغرس، تطالب فيها الولايات المتحدة بتغيير ساسيتها تجاه هايتي، إذ تؤكد للصحيفة نفسها أنه ومنذ عام 2018، «نطالب بالمصداقية»، داعيةً المجتمع الدولي إلى «التوقُّف عن فرض ما يراه مناسباً، والتفكير، في المقابل، بالمستقبل الطويل الأمد للبلاد واستقرارها».
أما صحيفة «لوموند» الفرنسية، فتدعو الولايات المتحدة إلى «تحمُّل مسؤولياتها وإنقاذ هايتي»، و»إعادة النظر في طريقتها التقليدية في مساعدة البلاد». وتذكر الصحيفة أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، جدّد، في أيار الماضي، الإقامات الموقّتة لأكثر من 100 ألف هايتيّ، من بين 800 ألف يعيشون في الولايات المتحدة، نظراً إلى أن الأوضاع في بلادهم لا تسمح بعودتهم، لافتةً إلى أن الهجرة الهايتية إلى أميركا، تتيح للكثير من الأسر في هذا البلد النجاة من خلال الأموال التي تُحوَّل إليها، إلّا أنها لا تُعدّ، من جهة أخرى، «سياسة مستدامة» يمكن من خلالها إنقاذ البلاد.
تعيش المجتمعات المحليّة في هايتي رعباً حقيقياً في ضوء تصاعد عمليّات الاختطاف والاغتصاب والقتل
ما قبل اغتيال الرئيس
لهايتي تاريخ حافل بالصعوبات، إذ لطالما شكَّلت دول الخارج حاجزاً بينها وبين الازدهار، يبدأ من كونها مستعمرة رقيق إسبانية، ثمّ فرنسية، قبل أن تتحرَّر في عام 1804 بعد هزيمتها قوات نابليون، وصولاً إلى معاناتها لعقدين من الحكم الديكتاتوري الذي انتهى عام 1986. وتتحدّث صحيفة «واشنطن بوست» عن غزو الولايات المتحدة للبلاد في عام 1915، بهدف حماية مصالحها الاقتصادية. وفي عام 2010، حوّل «تسونامي» البلاد إلى ركام.
أما أزمتها الأخيرة، فبدأت منذ انتخاب مويز، في عام 2016، لولاية رئاسية تمتدّ لستّ سنوات. غير أن اعتراضات على نتائج الانتخابات أخّرت تولّيه السلطة لسنة كاملة. وعلى إثر ذلك، أصرّ الرئيس على حكم البلاد سنةً إضافية، وهو ما رفضته المعارضة، إذ عمدت، في شباط الماضي، إلى إعلان انتهاء ولاية الرئيس، وعيّنت قاضي المحكمة العليا، جوزيف ميسين جان-لويس، «رئيساً انتقالياً للبلاد». خطوةٌ، اعتبرها رئيس هايتي بمثابة «محاولة انقلاب»، آمراً، على خلفيتها، باعتقال 23 معارضاً، بينهم عسكريون، فيما دفع أيضاً إلى اعتقال ضباط ملثّمين ينتمون إلى قطاع «ساخط» من قوّة الشرطة الهايتية المعروفة باسم «فانتوم 509».
بالإضافة إلى ذلك، تعيش المجتمعات المحليّة في البلاد رعباً حقيقياً في ضوء تصاعد عمليّات الاختطاف والاغتصاب والقتل، حيث تتنافس العصابات في ما بينها وتتشابك مع الشرطة للسيطرة على شوارع هايتي. وبحسب الصحيفة، فإن لهذه العصابات التي تسيطر فعلياً على أجزاء من الجزيرة، ولاءات ضبابية، في حين يقول بعض الناشطين إن للحكومة صلات بها. وبحلول العام الحالي، قُتل ما لا يقلّ عن 278 من الهايتيين في أعمال عنف على علاقة بالعصابات، فيما فرّ الآلاف من العاصمة.
كذلك، تتحدَّث المعارضة عن فشل الرئيس في إجراء انتخابات تشريعية في عام 2019، ما ترك مناصب عدّة في الدولة شاغرة. ومنذ ذاك الحين، تُرك البرلمان بلا نواب، والبلاد بلا محكمة عليا، وبقي 10 أعضاء مجلس شيوخ منتخبين فقط، ما جعل الرئيس مويز يحكم البلاد بموجب المراسيم الرئاسية. وحالياً، يتخوّف مراقبون من أن اغتيال هذا الأخير على يد كوماندوس مسلّح، مؤلّف من 26 كولومبيّاً، وأميركيَّين اثنين يتحدّران من هايتي، سيُغرق البلاد بمزيد من الفوضى.
ماذا بعد الاغتيال؟
أعلن وزير في حكومة هايتي، الخميس، أن بلاده طلبت من الولايات المتحدة والأمم المتحدة إرسال قوات أمنيّة لمساعدتها في حماية البنية التحتية للبلاد، أي الميناء والمطار والبنية التحتية للطاقة، التي «قد تكون مستهدفة»، ولمساعدتها أيضاً في المضيّ قُدُماً في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، المقرَّرة في 26 أيلول المقبل. دعوةٌ رفضتها واشنطن، إذ أكد مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أنّه «لا توجد خطط لتقديم مساعدة عسكرية أميركية في الوقت الحالي». وسرعان ما أثار هذا الاقتراح غضب عدد من المفكرين وأعضاء المجتمع المدني في هايتي، الذين رفضوه مستشهدين بتدخلات سابقة من جانب القوى الأجنبية والمنظمات الدولية، التي زادت من زعزعة استقرار هايتي.
في هذه الأثناء، يكمن الخوف من تصاعد وتيرة العنف بين العصابات. وفي حين كانت هايتي قد اعتادت على مشاكل العصابات، إلّا أن الوباء يُمثّل تحدّياً جديداً بالنسبة إليها، بسبب الوضع الصحي الكارثي الذي يزيد من هشاشة البلاد، التي يبقى مصيرها، ما بين الدعوات إلى تدخل أجنبي لضبط الأوضاع وأخرى إلى تركها لتحلّ مشاكلها بنفسها، مجهولاً.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)