| علي عبود
لايمت حديث رئيس الحكومة المهندس حسين عرنوس عن القمح أمام مؤتمر اتحاد العمال الأخير بأي صلة بالوقائع التي كانت سائدة قبل الأزمة!
قال رئيس الحكومة: كنا نشتري القمح بسعر 8 ليرات ونبيع ربطة الخبز بقيمة 15 ليرة، أما اليوم نشتري القمح ب 2800 ليرة ونبيع ربطة الخبز بـ 200 ليرة.
لو عدنا إلى المجموعات الإحصائية التي أصدرها المكتب المركزي للإحصاء خلال العقدين الأخيرين سنكتشف بسهولة ان الحكومات المتعاقبة لم تشترِ في أي عام كيلو غرام القمح بمبلغ 8 ليرات، بل مامن حكومة اشترت القمح بهذا السعر طيلة عقد تسعينات القرن الماضي!!
السؤال: من ورّط رئيس الحكومة برقم خلّبي لايمت للواقع السائد ماقبل عام 2011؟
ربما كان سعر كيلو شراء القمح في ثمانينات القرن الماضي اقل من 8 ليرات، ولكن كانت أسعار حوامل الطاقة مدعومة أكثر من 100،% فليتر المازوت بالكاد يبلغ 4 ليرات، واستمر سعره 8 ليرات حتى عام 2008 ، وبالتالي فقد كان أي سعر لشراء القمح مجزياً جدا طالما أن المستلزم الأساسي للإنتاج أي المازوت الضروري للري والحصاد والنقل شبه مجاني، ولأنه كان كذلك ومع تنفيذ صارم لنهج الأولوية للزراعة كان إنتاجنا من القمح لايقل عن 3 ملايين طن سنوياً، وتجاوز في الكثير من السنوات عتبة الثلاثة ملايين!
في تلك الأيام الجميلة جداً والتي استلم رئيس الحكومة السابق المهندس محمد ناجي عطري في ذروة نتائجها الإيجابية في أيلول 2003 أكثر من 5 ملايين طن مخزنة في المستودعات، كان ثمن ربطة الخبز 3 ليرات فقط وليس 15 ليرة!!
وبما أن رئيس الحكومة لم يقصد حتما عقدي الثمانينات والتسعينات، وإنما السنوات القليلة ماقبل الحرب على سورية، فإننا لم نعثر على عام واحد منذ مطلع القرن الحالي اشترت فيه الحكومات المتعاقبة كيلو غرام القمح بسعر 8 ليرات، وهو ثمن بخس جداً فيما لو كان صحيحا!
بالعودة إلى الإحصائيات الرسمية التي تجاهلها من ورّط رئيس الحكومة بالرقم الخلبي نجد التالي:
كان سعر كيلو القمح القاسي خلال السنوات 2000 – 2003 يبلغ 11.30 ليرة والمكافأة 0.50 ليرة وكيلو الطري 10.5 ليرة والمكافأة 0.50 ليرة
ارتفع سعر الكيلو في عام 2006 إلى 11.8 ليرة للقاسي و 10.8 للطري، وارتفع في عام 2008 إلى 17 للقاسي و 16.5 للطري، وارتفع في عام 2009 إلى 20 ليرة للقاسي و19.5 للطري، وارتفع في عام 2010 إلى 20.5 ليرة للقاسي و20 ليرة للطري.
وابتداء من عام 2008 أي بعد الرفع التدريجي لأسعار المازوت بدأ تراجع إنتاجنا من القمح.
وعندما وصفنا قرار الحكومة الأخير بشراء الكيلو بمبلغ 2300 ليرة بالضربة القاضية لنهج “الأولوية للزراعة” لم نكن نبالغ، لأن زيادة الإنتاج تتطلب سعرا مجزياً بل ومغرياً للشراء حتى لوكان أعلى من ثمنه عالمياً، مع تأمين المستلزمات المدعومة، ودون ذلك لن تنتج سورية مايفيض عن حاجتها من حبوب وسلع غذائية أساسية كما كان حالها حتى عام 2008 !!
المسألة لم تكن يوما مع تطبيق نهج الأولوية للزراعة في منتصف ثمانينات القرن الماضي تدور حول إجراء مقارنة بين سعر تكلفة إنتاج حاجتنا من القمح وسعره العالمي، بل بتوفير كل مستلزمات إنتاج أكثر من حاجتنا مع مخزون احتياطي وفائض للتصدير، وهذا الأمر تحقق منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، ولكن مع تطبيق (حكومة 2003 ـ 2010) لنهج السوق الليبرالية اللإجتماعية تحولنا إلى بلد مستورد للحبوب في عام2008 !
المسألة لاتناقش كم كان سعر شراء القمح في الماضي وكم تكلفة سعر ربطة الخبز اليوم، وإنما بتأمين مستلزمات إنتاجه محليا مهما كانت تكلفتها عالية!
والحل لخسائر الحكومة الهائلة جراء دعمها للخبز ليس برفع سعر الربطة، وإنما بخيارات تتيح تحويل (السورية للمخابز) من شركة خاسرة إلى رابحة، وهذا الأمر متاح من خلال استثمار طاقاتها وإمكانتها المعطلة ، وهذا الأمر سبق وتحدثنا عنه بالتفصيل الممل، ولكن كان السؤال دائما، ولا يزال، مع الجهات الحكومية: لمن تُقرع الأجراس؟
(سيرياهوم نيوز3-خاص)