آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » من غشنا فليس منّا

من غشنا فليس منّا

حسين صقر:

ما إن يقترب موعد الامتحان الذي يُكرم فيه المرء أو يُهان، حتى يبدأ البعض من الطلاب، بالبحث عن وسائل تمنع عنهم تلك الإهانة، وأخص بالذكر من قصّر منهم خلال السنة الدراسية عن متابعة واجباته، وأجّل أعماله ووظائفه إلى يوم لا ينفع فيه استدراك مافات، متناسياً أهمية الوقت الذي أضاعه سدى.
بعض هؤلاء يبحثون عن وسائل مختلفة للحفاظ على ماء وجههم عبر اللجوء لوسائل الغش المختلفة، كالوسائل التقنية والإلكترونية والتطبيقات الملحقة فيها، ومنهم من يلجأ للوسائل التقليدية، أو مايسمى المصغرات الورقية، ومنهم من يلجأ لعمليات النقل من زملائهم، بعد تسهيل بعض المراقبين لذلك، وهؤلاء ممن باعوا ضمائرهم، غير مدركين المخاطر السلبية لنجاح أو تحصيل طالب لايستحق سواء بالشهادة، أم بالصفوف الانتقالية، ومعنى دخوله الجامعة وإخفاقه فيها، أو اللجوء لنفس الأساليب التي اتبعها في مراحل المدرسة المختلفة، وحصوله على الشهادة نتيجة الغش، ومن ثم خروجه إلى سوق العمل سواء كان طبيباً أم مهندساً أم صيدلانياً ام مدرساً ومحامياً وإلى آخر ماهنالك من المهن والأعمال الأخرى.
مناسبة هذا الحديث الدورة التكميلية لطلاب الشهادة الثانوية بكافة فروعها، حيث يمني أيضاً البعض ممن لم يحصلوا على العلامة التي تدخلهم الفروع المطموح لها أنفسهم باللجوء إلى وسائل الغش المختلفة نتيجة ضعف الوازع الديني والأخلاقي لدى أولئك، بعد التقصير في متابعة المواد الدراسية أولاً بأول، وعدم المواظبة على ذلك، لظنهم أن المواد الدراسيّة المطروحة لديهم صعبة ولايمكن متابعتها، و لظنهم أيضاً أن ثمة صعوبة في الأسئلة الموضوعة في الامتحان.
عمليات الغش تلك، ما كانت لتتم لولا بعض العوامل المساعدة، كضعف الرقابة والفوضى التي ترافق العملية الامتحانية والمحسوبيات والواسطات، وقرب المقاعد من بعضها، وقلة المراكز الامتحانية، وقلة المراقبين بالتزامن مع صعوبة وصولهم إلى مراكز الامتحانات نتيجة السوء في المواصلات وبعدهم عن مناطق سكنهم، إضافة للعامل المهم وهو عدم تقدير مخاطر الغش، ومالنتائجه الكارثية التي تترتب عن نجاح طالب لايستحق.
وهنالك كذلك سبب آخر مهم وهو كثافة المواد والمعلومات، ووجود أخرى ليس له أهمية في حياة الطالب العملية، طبعاً بعد أن يختار طريق الدراسة، وهو ما يسبب الضغط النفسي والمعنوي على الطالب، ولجوئه إلى ما يوصله للنجاح تحاشياً لإعادة عام كامل، وجميعها أسباب غير مبررة.
هناك أسباب غير مباشرة تدفع الطالب للغش وعدم متابعة دروسه، وهي ضعف المستوى المادي عند البعض أيضاً، والذي يدفعهم إلى العمل بعد أوقات الدراسة، فيقصر في دراسته، غير مهتم بمفهوم الغش و طلب العون من غيره وتحقيق ما يريده بالنقل من ورقة زميله، أو قد يقوم زميله بإملاء المعلومات التي يقوم بسماعها منه وكتابتها، وقد يتحقق الغش بإدخال الشخص ورقة كُتب عليها معلومات متعلّقة بالامتحان، فيقوم بالنقل منها على ورقة الامتحان، غير مدرك لحجم الخيانة لنفسه وأهله والوطن والتهاون في جهد الآخر الذي بذله وهو يدرس للامتحان، في الوقت الذي جاء فيه وأخذ المعلومة على طبق من ذهب.
فالغش سواء كان بالامتحان أم على صعد أخرى يرّبي الإنسان على التواكل والتطفل على جهد غيره، وعدم اعتماده على نفسه، ومن يقوم به فقد ارتكب ذنباً ونال إثماً، وإن كان الأستاذ على علم بما يحصل فهو شريك له في الإثم والذنب، ولو تُركت زمام الأمور للغش، فقد يحصل الأشخاص على الوظائف على غير وجه حقٍ بعد نيله الشهادة بذات الطريق.
وبالنتيجة ترى المهندس والمعلم والطبيب الغاشّين الذين لن يؤدوا أعمالهم كما يجب وقد يزهقون أرواحاً مادياً ومعنوياً.
ومن هذا المنطلق سيكون الغش سبباُ في دمار المجتمع وفشله، لأنه سلوك قائم على الخداع و الكذب والنِّفاق، فكيف بمن يكذب على نفسه أو يكون هو السبب في خداع نفسه بنفسه والاحتيال على ذاته، ولهذا فهو سبب بهلاك الشعوب والمجتمعات وموتها، وهو من الآفات الاجتماعية القائمة على الاحتيال التي تنخر في المجتمعات التي ما تلبث أن تقع في مستنقعات التخلف والضّياع والجهل، ولو علم من يغش أنّه بهذا الفعل إنّما يكذب على نفسه لما فعل هذا الأمر، والخطير في الأمر أن الغشّاش قد يصل إلى مرحلة يصدقَ فيها أن ما يحصده من أمور وإنجازات، إنما هو من تعبه، وفي ذات الوقت يبعث رسالة للآخرين عن غير قصد بأنّه أقل منهم، لهذا لجأ إلى الغش من أجل تحقيق هدفه وآماله.

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...