عبدالله سليمان علي
ردّ الدكتور عارف دليلة على مباركة الدكتور أحمد برقاوي، أستاذ الفلسفة والمعارض السياسي السابق، للشعب السوري بمناسبة صدور قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا، بالقول: “عندما نرى الصبي نصلّي على النبي”. ويُعد دليلة من أبرز خبراء الاقتصاد في سوريا، وهو معتقل سياسي سابق لدى نظام الأسد، ما يمنح رأيه احتراماً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والثقافية.
وكان ترامب قد وقّع، في 30 حزيران/يونيو، ما وصفه بـ”القرار التاريخي” القاضي برفع كل العقوبات عن سوريا. وأكد البيت الأبيض في بيان أن الأمر التنفيذي ينهي العقوبات المفروضة على سوريا، مع الإبقاء على العقوبات التي تطال نظام الأسد وشركاءه. وهو ما استدعى تعليقاً من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، اعتبر فيه أن القرار “سيفتح أبواب إعادة الإعمار”.
غير أن الشيباني نفسه عاد بعد يومين، وأصدر بياناً عقب اتصال مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، قال فيه إن “سوريا تتطلّع للعمل مع الولايات المتحدة على رفع العقوبات، وعلى رأسها قانون قيصر”.
ورغم الأجواء الاحتفالية التي رافقت توقيع ترامب للأمر التنفيذي داخل سوريا، لا تزال الأوساط السياسية والاقتصادية تعبّر عن قلقها إزاء الفجوة بين التصريحات الأميركية والواقع التنفيذي، وسط توقعات، بل مخاوف، من استخدام واشنطن ملف العقوبات كأداة ضغط لفرض أجندات معينة على الحكومة السورية الموقتة.
العقوبات والتطبيع مع إسرائيل
يشير تدرج رفع العقوبات، وغياب قرار شامل وواضح، إلى ما يتجاوز التعقيد البيروقراطي الأميركي، ليعكس رغبة سياسية في استخدام ورقة العقوبات كورقة ضغط مستدامة على الحكومة الانتقالية في سوريا. فبدلاً من الرفع الكامل الذي قد يُفقد واشنطن أداتها التفاوضية، تفضّل الإدارة الأميركية سياسة التخفيف المرحلي، المرتبط بسلوك دمشق في ملفات مثل السلام الإقليمي، مسار التطبيع مع إسرائيل، وشكل الحكم الجديد.
هذا ما يؤكده الدكتور مالك حافظ، الكاتب والباحث السوري، في حديث لـ”النهار”، مضيفاً أن إدارة ترامب اختارت أسلوب “التقطير السياسي”، لا الإعفاء الشامل.
من جانبه، يقول الدكتور محمد علبي، لـ”النهار”، إن بند “السلام مع جيران الجمهورية العربية السورية” الذي ورد في القرار، من خلال تعديل الأمر التنفيذي رقم 13582، تم تأويله على نطاق واسع على أنه فرض للسلام مع إسرائيل. لكنه يوضح أن القراءة القانونية الدقيقة تشير إلى أن المقصود غالباً هو “وقف الأعمال العدائية العابرة للحدود، وليس فرض اتفاقية سلام”، مؤكداً أن التطبيع مع إسرائيل يتطلّب خطوات قانونية “غير متوفرة في سوريا حالياً، ولا يرتبط مباشرة بنظام العقوبات نفسه”. ويضيف أن واشنطن تترك الباب مفتوحاً أمام هذا الاحتمال كتلميح سياسي، لا كشرط قانوني صريح.
هل يستفيد الأسد ورجاله من رفع العقوبات؟
وأثار الصحافي السوري نضال معلوف جدلاً واسعاً عندما وصف قرار ترامب، بعد مراجعة مضمونه وقرار وزارة الخزانة، بأنه “مخيّب للآمال” للشعب السوري، مشككاً في قائمة المستفيدين، إذ استخلص أن القرار شمل رفع التجميد عن أموال شخصيات من النظام السابق، بينهم بشار الأسد، وماهر الأسد، وعلي مملوك، وعبد الفتاح قدسية، ومحمد حمشو.
وفي حديث مع “النهار”، يقول معلوف: “تم إلغاء ستة أوامر تنفيذية صادرة بين عامي 2004 و2011، أُزيلت بموجبها عقوبات على 518 كياناً وفرداً، من ضمنهم رموز بارزة من النظام السابق”.
ويضيف أن وزارة الخزانة، بالمقابل، فرضت بموجب القرار عقوبات جديدة على 139 كياناً وفرداً، لا تشمل رموز النظام السابق.
لكن علبي يوضح أن رفع التجميد عن بعض مسؤولي النظام لا يعني تلقائياً الإفراج عن الأصول المجمّدة، لأنها خاضعة لمسارات قانونية منفصلة تتعلق بشبهات غسل أموال وفساد، ويستبعد الإفراج عنها دون إجراءات قضائية معقّدة في الولايات المتحدة، وهو أمر غير مرجّح.
ويشير إلى أن القرار لا يمنح هؤلاء حصانة، بل يفتح مساراً قانونياً قد تتابعه الدولة السورية لاستعادة بعض الأصول، لكنه لا يقدّم ضمانات بذلك. ويوضح أن القرار يمنح نوعاً من التخفيف عن الأصول المحتجزة داخل سوريا بموجب القانون، مثل شركة “سيرياتيل”، لكنه لا يشمل بالضرورة استعادة الأموال في الخارج.
في المقابل، يرى معلوف أن من غير المرجّح أن تسمح الإدارة الأميركية باستعادة أموال رجال النظام، ما لم تُرفع صفة “الإرهاب” عن الحكومة السورية، ولم يُعترف بشرعيتها الدولية بعد.
رفع للعقوبات أم أداة تفاوض؟
في منشور طويل على صفحته في “فايسبوك”، كتب الدكتور عارف دليلة أن هناك “غايات أميركية مضمرة” من طريقة رفع العقوبات، مشيراً إلى أن الشعب السوري سيواصل دفع الثمن دون الحصول على رفع كامل وشامل للعقوبات.
ويطرح هذا الطرح تساؤلات بشأن كيفية استخدام واشنطن لملف العقوبات كورقة تفاوضية مرتبطة بالملفات السياسية.
وفي هذا السياق، يرى حافظ أن القرار التنفيذي الأخير نقل العقوبات من حالة “الشلل الرمزي” إلى صيغة “انتقائية دينامية”، ضمن مقاربة أميركية جديدة بدأت تتشكّل بعد زيارة ترامب للخليج في أيار/ مايو الماضي.
ويضيف أن القرار يحمل رسائل لحلفاء واشنطن مفادها أن البيت الأبيض مستعد لاستخدام العقوبات كأداة تفاوض مرنة. وهو نمط مألوف في مرحلة ما بعد النزاعات، إذ تُستخدم العقوبات والحوافز الاقتصادية لتوجيه السلوك السياسي.
بدوره، يرى علبي أن الديبلوماسية الأميركية “فتحت النافذة، لكنها لم تفتح الباب”، إذ أبقت لنفسها مساحة واسعة لتقييد السلطات السورية وإلزامها بشروط مستقبلية.
ويشير إلى أن الطريق إلى إعادة تأهيل سوريا دولياً لا يبدأ من واشنطن، بل من الداخل السوري: من الإصلاح الدستوري، والانتخابات، وتفكيك البُنى السياسية والأمنية والاقتصادية التي كانت سبباً في فرض العقوبات أساساً.
ويختم بالقول: “قد يحمل القرار بعض الرمزية السياسية وأخباراً جيدة للاقتصاد السوري، لكن تأثيره الحقيقي، للأسف، محدود جداً”.
أخبار سوريا الوطن١-النهار