آخر الأخبار
الرئيسية » السياحة و التاريخ » من هولندا إلى دمشق.. رحلة شغف تُعيد رسم صورة السياحة في سوريا

من هولندا إلى دمشق.. رحلة شغف تُعيد رسم صورة السياحة في سوريا

هنادة سمير:

 

في لحظات استرجاع الذاكرة قد تلمع صورة شارع، رائحة قهوة، ضحكة بائع، أو تفصيل صغير لا يلاحظه سوى الغريب الذي أحب المكان بسرعة خاطفة، هكذا كان الأمر بالنسبة لشاب هولندي قرر، بعد أن قطع العالم من أقصاه إلى أقصاه، أن يضع حقائبه مجدداً في دمشق، تلك المدينة التي تركت بداخله شيئاً لا يُفسَّر بالكلمات.

 

قد لا يعرفه السوريون باسمه الكامل، وقد لا يكون نجماً في الإعلام التقليدي، لكنه أصبح عبر منصات التواصل مؤثراً يغيّر سردية سنوات طويلة من العبث الإعلامي، ويعيد صياغة الحكاية من جديد: سوريا، وجهة حياة.

 

شاب هولندي يقع في غرام سوريا

أمام ملايين المتابعين، ظهر هذا الشاب وهو يتجول بين أزقة الشام القديمة وسوق الحميدية وجبل قاسيون، يبتسم للكاميرا ويقول بثقة : سوريا ليست ما تتوقعونه… إنها أجمل بكثير، مجرد جملة بسيطة، لكنها بالنسبة لسوريين أتعبتهم الصور النمطية، كانت بمثابة نافذة ضوء، كثيرون تفاعلوا مع المحتوى، ليس فقط لأنهم يفتقدون سياحة الأجانب وصخب لغاتهم في الشوارع، بل لأنهم يبحثون عن أي دليل خارجي، يقول لهم: إن بلدهم ما زال جميلاً وقادراً على النهوض.

 

الخبيرة التنموية والاجتماعية سوسن السهلي تبين في حديثها لـ”الثورة ” أن السبب الذي جعل هذه القصة تنتشر بهذه القوة يكمن في تعطش العالم إلى الحكايات الإنسانية، وفي توق السوريين أنفسهم إلى الاعتراف بجمال بلدهم أمام العالم بعد سنوات ارتبط فيها اسم سوريا بالنزاع واللجوء، وتتابع أن المحتوى الذي يقدمه الشاب الهولندي لا يروج للبلد بوصفه بقعة سياحية فحسب، بل بوصفه مجتمعاً حياً حافظ على دفئه رغم كل شيء، وتتابع: السياحة في سوريا ليست سياحة معالم فقط، لكنها قصص إنسانية ودفء الأماكن.

 

إعلام جديد يبدل الصورة النمطية

وتضيف السهلي: كانت صورة سوريا في الإعلام العالمي خلال السنوات الماضية حبيسة العناوين القاتمة، أما اليوم فهناك محاولة متصاعدة لتقديم سردية مختلفة: دولة تتنفس من جديد، كما أن رغبة الناس في اكتشاف ما وراء القوالب الإعلامية أعادت الاهتمام بسوريا على أنها وجهة مغامرة وثقافة وتاريخ وروح، وليست منطقة رمادية في خرائط الأخبار.

 

ويرى متابعون أن التوقيت الذي انتشرت فيه قصة الشاب له أهمية خاصة لكونها تزامنت مع مؤشرات دولية بدأت تميل تدريجياً نحو الاعتراف بتحسن الوضع في مناطق واسعة من البلاد، ومع ازدياد أعداد السوريين العائدين طوعاً من أوروبا في هولندا مثلاً، أثارت برامج تشجيع العودة نقاشات كثيرة حول تقييم الأمان في سوريا، الأمر الذي انعكس على حضور القصص الإيجابية، ومنها قصة هذا الشاب، التي بدت للكثيرين وكأنها دليل واقعي ينبض بالحياة.

 

تقول السهلي: لا يتوقف تأثير القصة عند شاشات المتابعين، ففي الشارع الدمشقي، يشعر الناس بالفرح وهم يشاهدون سائحاً أجنبياً يسأل عن الأماكن التاريخية أو يطلب التقاط صورة تذكارية قرب الجامع الأموي وأصحاب المحال يبتسمون، ويخبرون الزائر بأن البلد يستحق أن يُرى بعين منصفة.

 

في السياق ذاته تسجّل مكاتب سياحية محلية ازدياداً ملحوظاً في الطلبات الواردة من شباب أوروبيين يبحثون عن تجربة غير اعتيادية، ومن تلك الفيديوهات القصيرة التي يلتقطها هاتف محمول تولد سياحة من نوع جديد رغم بساطتها لكنها تحمل قوة عالمية في تشكيل الذائقة والرأي العام.

 

من جهته الخبير السياحي ماهر البكري بين أن قصص السفر الفردية تصنع اليوم ما لا يمكن للمؤسسات الرسمية أن تصنعه خلال سنوات، فالمؤثر الذي يختبر المكان بصدق يمنح الجمهور ثقة لا تُكتسب بسهولة ويرى أن سوريا اليوم تملك فرصة ذهبية أن تتحدث عن نفسها عبر الآخرين.

 

ويضيف: هناك محتوى متنامٍٍ من مسافرين ألمان وفرنسيين وصينيين في 2024 و2025، وهذه ليست حالات معزولة بل بداية توجه يجب احتضانه ودورنا أن نسهّل عليهم المهمة من دون أن نفرض عليهم خطاباً دعائياً يفقد مصداقيتهم.

 

ويربط الخبير السياحي هذه الظاهرة بتحسن نسبي في البنية التحتية السياحية وبدء عودة الطيران الإقليمي إلى بعض المطارات السورية، إضافة إلى تزايد اهتمام الجاليات السورية والأجنبية بما يسمى السياحة التجريبية أي السفر لاكتشاف ثقافات ما بعد الحروب.

 

السياحة الاستكشافية والفرص الكبيرة

ورغم ذلك يرى أن الطريق ليس مفروشاً بالورود، فالسياحة ليست فيديوهاً جميلاً فحسب لكنها تحتاج بنية تحتية قوية، ونظام خدمات احترافياً، وسهولة في التنقل والإقامة، وضمانات أمنية واضحة ولا تزال هناك تحديات تتعلق بتأشيرات الدخول، ونقص المرشدين المؤهلين بلغات متعددة، وضغط الأسعار في بعض المناطق السياحية وضعف الخدمات واستمرار العقوبات إلا أن مقابل هذه التحديات، هناك فرص كبيرة من خلال: عودة السياحة الثقافية، بروز السياحة الاستكشافية، وتطلع الشباب الأوروبي إلى أماكن أصيلة لم تُفسدها التجارية المفرطة.

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تركيا.. إيرادات السياحة تسجل 24 مليار دولار في 3 أشهر

سجلت إيرادات السياحة في تركيا زيادة بنسبة 3.9 بالمئة خلال الربع الثالث من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام 2024، وبلغت 24 مليارًا و257 ...