باسل علي الخطيب
حسناً، هل يمكن أن نقول أن ما حصل هو رب ضارة نافعة؟؟!!..
أولاً من حيث المبدأ، يمكن أن نجزم أن الساحة الأمنية هي الساحة التي يستطيع فيها الكيان توجيه ضربات موجعة للمقاومة أكثر من غيرها، كيف لا و خلف الكيان كل التقنيات و التكنولوجيا التي تمتلكها الولايات المتحدة و كل الغرب و بعض الشرق، و إمكانيات المقاومة للرد ضمن الساحة الأمنية أقل بكثير من إمكانات العدو…
يظن العدو أن تماديه في ضرباته على هذه الساحة، سيبقيه محصناً من ردود فعل المقاومة لمحدودية القدرات، و بالتالي سيفرض واقعاً جديداً في الصراع له اليد الطولى فيه…
يعتمد العدو في ظنه هذا على (تعقل) المقاومة وأنها لن تذهب و لا تجرؤ على الذهاب إلى ردود عسكرية كبيرة تؤدي إلى حرب شاملة، وأن (العقلاء) في قيادة المقاومة سيتقدم رأيهم و مشورتهم على (المجانين)…..
لذلك نرى العدو يفلت مجانينه للقيام بهكذا عمليات، و لا يعلن صراحة تبني أعمالهم، معتمداً على (تعقل و حكمة) عقلاء المقاومة…
دعونا هنا نستذكر بعض التاريخ….
عندما بدأت المقاومة في لبنان ضد العدو الصهيوني في ثمانينيات القرن الماضي، بدأت ببضعة مقاومين، و ببنادق كلاشينكوف و كان ظهيرها بعد الله سورية، كان الكل ينظر إليهم على أنهم مجانين، فكيف لهؤلاء أن يواجهوا جيش الاحتلال ؟؟!!….
في حربي 1993 و 1996 كانت المقاومة تعد بضعة مئات من المقاومين، و قد صار عندها صورايخ كاتيوشا و أسلحة متوسطة، وظهيرها إياه بعد الله هو سورية…
و قد ظن (عقلاء الأمتين) أن هؤلاء بضعة مجانين، فكيف لهم أن يواجهوا العدوان الصهيوني!!!…..
في حرب 2006، كانت المقاومة تعد بضعة آلاف من المقاومين، و قد صار عندها صواريخ تطال عمق الكيان، و مازال ظهيرها سورية بعد الله، و قد اعتبرهم الكل مجانيناً لأنهم قرروا الدخول في حرب مفتوحة مع الجيش الذي لايقهر، و من خلفه الولايات المتحدة…..
الآن، المقاومة تضم عشرات الآف المقاومين، و تمتلك مختلف أنواع الأسلحة، و منها صواريخ دقيقة تطال أي نقطة في الكيان، و ماز الت تعتمد على سورية بعد الله، و ستقول الأغلبية عنهم مرة اخرى أنهم مجانين، حالما تظهر تلك الإصبع الشريفة وتعلنها:
أنها الحرب…..
نعم، أكاد أجزم أن رد المقاومة لن يكون في الساحة الأمنية، إنما سيكون في الساحة العسكرية، فالرد في الساحة الأمنية سيكون قاصراً ومحدوداً، وسيؤدي ذلك إلى تثبيت واقع على الأرض وفي السياسة لصالح العدو…
هل هي الحرب؟..
و ليكن…
وهذا لن يكون رد (مجانين) المقاومة فحسب، إنما أيضاً عقالها…
لن ننتظرهم حتى يأتونا و يقتلونا في بيوتنا، نحن من سنذهب إليهم، وهناك في حارات مستوطانتهم ستجري المعارك…
قلت أعلاه في بداية المقال ( رب ضارة نافعة)، قد يكون ما حصل من تفجير أجهزة البيجر، هو إجراء قسري و ليس اختياري ذهبت إليه الاستخبارات الصهيونية، أنهم اضطروا إلى تدمير كنزهم الاستخباراتي….
نعم، هذا سؤال يطرح، لماذا فجر الصهاينة هذه الأجهزة، مادامت كانت تقدم لهم كنزاً من المعلومات؟؟!!… وهذا الكنز كان حاسماً واساسياً في مواجهات الكيان مع المقاومة اللبنانية خلال الأشهر الماضية، و ظني أن هذه المعلومات كانت السبب في الكثير من الاغتيالات التي طالت عناصر المقاومة أو كشفت تحركاتهم…
نعم، هذا سؤال يطرح، لماذا لجأ العدو الصهيوني، الى تدمير هذا الكنز الاستخباراتي؟؟!!..
أعتقد أنهم لجؤوا إلى ذلك بعد أن تواترت إلى الصهاينة المعلومات عبر ذات الأجهزة، أن عناصر المقاومة بدأوا يتوجسون أو يطرحون الأسئلة حول هذه الأجهزة، لذلك قرر الصهاينة الإستفادة منها للمرة الأخيرة في محاولة لقتل أكبر عدد من عناصر المقاومة…
نعم، الذي حصل هو خسارة للمقاومة، و لكنه خسارة موضعية و تكتيكية، الخسارة الأكبر هي للصهاينة، و هي خسارة على المدى القريب و البعيد، أنهم خسروا مورد معلومات مهم جداً، واجزم أنه ستظهر نتائج هذه الخسارة الإستراتيجية قريباً جداً….
(اعقل المجانين) ، هذا كان لقب بهلول، بهلول كان من مريدي الإمامين جعفر الصادق و موس الكاظم عليهما السلام، و كان كل من يراه، يظنه مجنوناً، و لكن عندما ينطق ،ينطق و كأن الله أنطقه عن حكمة و دراية، علماً انه كان قلما ما ينطق…
كتب أبو نواس الكثير من الاشعار عن الخمرة، حتى لقبوه بالشاعر الماجن، و كانت له أشعار في الزهد و التنسك غاية في التقى والتوحيد، و من وعى أشعاره هذه لم يكن ليصدق أن أشعاره عن الخمرة كانت في الخمرة…
في قيادة محور المقاومة أكثر من بهلول، و أكثر من ابو نواس، هؤلاء يعقلون الامور جيداً و يعرفون متى يكون الجنون بعضاً من العقل، و يدركون متى يجب أن ينطقون، و عندما ينطقون سيقولون عنهم مجانين، و أن تلك الخمرة تذهب بالعقل…
و لكن من يكترث؟!..
سيكون السهم قد انطلق، ولن يستقر حتى يرفرف العلم ذو النجمتين فوق الأقصى وبجانبه راية (أن حزب الله هم الغالبون)…
(عندما طلب باتريك سيل من المرحوم حافظ الأسد أن ينهي بجملة كتاب ( حافظ الأسد والصراع في الشرق الأوسط)، قال له اكتب: ويستمر الصراع….
ويستمر الصراع….
كنا أطفالاً وكان الجنوب يقاوم، وقد تخلى الكل ألا من قصر المهاجرين في دمشق، وهاقد كبرنا ومازال الجنوب يقاوم، والكل متخلي إلا من قصر الشعب فوق قاسيون….
وأنها سورية، بلاد التين والزيتون، لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء، نور على نور، والله متم نوره ولو كره الكافرون…
(موقع سيرياهوم نيوز-1)