| علي عبود
لم نكن ننتطر من وزير النفط ان يوضح لنا (أن الفساد موجود في قطاع المحروقات وتوزيعها وتم ضبط حالات كثيرة جداً)، فقد أعلنت نقابة عمال النقط منذ أكثر من خمس سنوات عن وجود مافيا للمحروقات، وبدلا من أن تضع الوزارة آليات فعالة للقبض على الرؤوس الكبيرة لهذه المافيا فإن سوقها السوداء تنتشر أكثر فأكثر، بل ان المنخرطين بالعمل لصالحها هم بالآلاف، أخر حلقاتهم نواطير البناء، فالمقتدر لم يعد مضطراً للبحث عن حاجته سرا، فحراس البناء جاهزون لتسليم المحروقات (دليفري) إلى باب المنزل!
وليس مجدياً الطلب المتكرر لوزارتي النفط والتجارة الداخلية من المواطنين والمنتجين التقدم بشكوى بالمتاجرين بالمحروقات في السوق السوداء، لأن من يتعامل معها ينطر إليها كمقدّم خدمة ممتاز، وبديلا عن رسائل تتأخر وكمياتها تتضاءل..الخ.
والسؤال: ماذا تفعل أجهزة الرقابة والتوزيع في وزارتي النفط والتجارة الداخلية؟
لن يصدق أي مواطن إن الوصول إلى رؤوس الفساد في وزارتي النفط والتجارة التي تزود المافيا بالمحروقات عملية مستحيلة، أو إن تنفيذ آليات للتوزيع والبيع عملية مستحيلة أيضا؟
كنا نتوقع مع اشتعال أزمة المحروقات مجددا أن تستنفر أجهزة الرقابة لدى الوزارات المعنية لمصادرة المحروقات المطروحة في السوق السوداء ووضعها بالإستخدام فورا ريثما يحدث انفراج نسبي ومحدود بتوريدات النفط، ولكن ذلك لم يحصل لأسباب غير معلنة أولايجرؤ أحد على إعلانها!!
وتتجاهل وزارة النفط الأجابة على السؤال: من يزود السوق السوداء بالمحروقات؟
المشكلة تبدأ في مستودعات محروقات تحديدا، دون إعفال احتمالية تهريب كميات منها قبل دخولها للخزانات، أو احتمالية التلاعب ببياناتها سواء خلال عمليات الإدخال والتحميل والنقل والتوزيع..الخ!
وبما أن أجهزة رقابية تضبط بين الحين والآخر آلاف الأطنان من المحروقات المهربة، ألا يفترض إحالة أصحابها إلى الجهات المختصة، وتحديدا السلطات الأمنية قبل إحالتهم للقضاء لسؤال الموقوفين: من زودكم بالمحروقات المنهوبة؟
وبما أن السوق السوداء ليست مستجدة، بل هي قائمة منذ أكثر من عشر سنوات، ويلجأ إليها المقتدرون ماليا كي لاتتوقف خطوط إنتاجهم، ولكي لاتتضرر محاصيلهم.. فهل هناك غض نظر عن مكافحتها واجتثاثها بفعل قوة المتنفذين الذين يديرونها، أم عجز فعلي عن القبض على رؤوسها الكبيرة بدلا من الإستقواء على الحلقات الأضعف فيها أي الناقلون والموزعون؟
ومن أغرب ماقيل خلال ذروة الأزمة ان الحكومة إذا ماخُيرت بين القمح والمحروقات فستختار استيراد القمح، وهو مافعلته وستبقى تفعله إلى ان يتوفر القطع لاستيراد احتياجاتنا من المحروقات والقمح معا!
حسنا، لسنا مع الإختيار بين أولويتين: المحروقات أو القمح على الإطلاق، صحيح إن تأمين القمح يأتي قبل النفط، ولكن كيف سننتج احتياجاتنا من القمح وكل السلع الغذائية دون تأمين المحروقات لمستلزمات القطاع الزراعي؟
لنتذكر اننا في عام القمح لم تشتر الحكومة أكثر من 500 ألف طن، اي هي تضطر لاستيراد مالا يقل عن مليون طن سنويا، وبسسب نقص المحروقات تدهور قطاع الدواجن، وتقلصت الثروة الحيوانية!
الا يشير هذا الواقع إلى جدلية عقيمة أيهما يأتي أولا القمح ام المحروقات؟ تماما مثل مقولة أيهما أتى أولا البيضة أم الدجاجة؟
وفي حال كانت المشكلة بالقطع الأجنبي، فلماذا لاتسمح الحكومة للقطاع الخاص بتأمين احتياجاته من المحروقات ذاتيا، وقد فعلها سابقا، ونعرف جيدا إن التجار (حرّيفة) إلى درجة يمكنهم معها إدخال كميات كبيرة من المحروقات إلى البلاد خلال فترة زمنية قصيرة، بفعل علاقاتهم الوثيقة مع الدول المجاورة!
لانقترح أن يزود التجار حاجة السوق من المازوت، وإنما حاجة الصناعيين على الأقل، بما يتيح للحكومة توفير المادة للقطاع الزراعي بالكميات المناسبة بأوقاتها المحددة.
هذا مجرد اقتراح يفترض أن يكون في قائمة السيناريو الأسوأ للحكومة لمواجه نقص إمدادات المحروقات، ويمكنه أن يحد كثيرا من سطوة مافيا المحروقات على سوقها السوداء.
(سيرياهوم نيوز3-خاص بالموقع)