أثار البيان الذي نُسب إلى حركة “فتح” وهاجم بشدة حركة “حماس” بسبب حرب غزة وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى، حالة كبيرة من الجدل داخل الأوساط الفلسطينية، وفضح مدى عمق وتأزم الخلافات بين الحركتين رغم حرب غزة الدامية التي دمرت الأخضر واليابس.
بيان “فتح” التي وصفه الكثير من الفصائل الفلسطينية بأنها “تصعيد في وقت خاطئ”، فجر موجة كبيرة من الانتقادات ضد الحركة، في وقت “حساس” بحاجة فيه الفلسطينيين أكتر من أي وقت مضى للوحدة الداخلية والتصالح وتجاوز كل عقبات الانقسام، لمواجهة المخططات الإسرائيلية التي تُحاك في الغرف المغلقة ضد قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.
وفي بيان صحفي صدر ليل الجمعة الماضية، شنت حركة “فتح” هجوما حادا على “حماس”، متهمة إياها بالتسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وقالت في البيان، إن “من تسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وتسبب بوقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، خصوصا في قطاع غزة، لا يحق له إملاء الأولويات الوطنية”.
وأكدت فتح أن “المفصول الحقيقي عن الواقع وعن الشعب الفلسطيني هي قيادة حركة حماس، التي لم تشعر حتى هذه اللحظة بحجم الكارثة التي يعيشها شعبنا المظلوم في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية”.
-
أزمة تشتعل
وأعربت فتح عن “استغرابها واستهجانها من حديث حماس عن التفرد والانقسام، وتساءلت هل شاورت حماس القيادة الفلسطينية أو أي طرف وطني فلسطيني عندما اتخذت قرارها القيام بمغامرة السابع من أكتوبر الماضي، التي قادت إلى نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة 1948؟ وهل شاورت حماس القيادة الفلسطينية وهي تفاوض الآن إسرائيل وتقدم لها التنازلات تلو التنازلات”.
وانتقدت “فتح” تصرفات وممارسات قيادة “حماس” وسلوكياتها اتجاه الحرب في قطاع غزة، مشيرة إلى أنه “على ما يبدو أن حياة الرخاء التي تعيشها هذه القيادة في فنادق السبع نجوم قد أعمتها عن الصواب، متسائلة لماذا تعيش معظم قيادات حماس في الخارج، ولماذا هربت وعائلاتها وتركت الشعب الفلسطيني يواجه حرب الإبادة الوحشية دون أي حماية”.
ودعت “فتح” قيادة “حماس” إلى “وقف سياستها المرتهنة لأجندات خارجية، والعودة الى الصف الوطني من أجل وقف الحرب وإنقاذ شعبنا وقضيتنا من التصفية، ومن أجل إغاثة شعبنا وإعادة إعمار غزة، وصولا إلى الانسحاب الكامل عن أرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس”.
وبعد تكليف محمد مصطفى بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة الأسبوع الماضي، من قبل الرئيس محمود عباس، قالت “حماس” في بيان مشترك مع حركتي الجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين “تعيين حكومة من دون توافق وطني هو خطوة فارغة من المضمون وتعمق الانقسام”.
في المقابل، أبدت فتح استهجانها لاتهامات حماس.
يأتي ذلك، في حين تشهد علاقات السلطة التي تسيطر عليها حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس، توترات منذ فترة طويلة مع “حماس” التي تدير غزة، وخاض الفصيلان حربا قصيرة الأجل قبل طرد فتح من القطاع في عام 2007. مع هذا، نددت السلطة الفلسطينية مرارا بالهجوم الإسرائيلي على القطاع وتصر على لعب دور في إدارة غزة بعد الحرب.
ورغم أن بيان حركة “فتح” الأخير كشف الوجه الحقيقي للعلاقات المتوترة والمشحونة بين “فتح” و”حماس”، إلا أنه فجر كذلك موجه انتقادات وخلافات داخلية “غير مسبوقة” داخل قيادات حركة “فتح” في رام الله بين مؤيد ومعارض، وآخرين لا يعلمون من أصدره أو من يقف حتى خلفه.
-
خلافات فتحاوية داخلية
مصادر كشفت، أن “خلافات حادة وصلت حد التلاسن دبت داخل أروقة حركة “فتح”، بعد البيان الذي أصدرته جهات معينة في الحركة وهاجمت فيه حركة حماس”، وقالت المصادر إن “الغالبية العظمى من القيادات الوازنة في فتح من اللجنة المركزية للحركة ومجلسها الثوري لم تكن على علم بالبيان ولم يتم استشارتها فيه مطلقا، على عكس ما درجت عليه العادة أن يتم توزيع مسودة البيانات قبل اعتمادها على عدد من الشخصيات السياسية وكوادر التنظيم في المناطق، لأخذ ملاحظاتهم”.
وأشارت المصادر، وفق ما نشره “قدس برس”، إلى أن “الدائرة الإعلامية أو دائرة التعبئة والتنظيم (الجهتان المكلفتان فقط بإصدار البيانات وتعميمها)، وحسب المعلومات فلم يتم اشراكهما في البيان الأخير”، مرجحةً أن “تكون جهات أمنية هي التي تقف خلف إصدار البيان الذي لاقى استنكارا شعبيا جارفا، وعجت منصات التواصل الاجتماعي بالانتقادات العنيفة للبيان ولحركة فتح”.
ورغم تزامن إصدار البيان مع حملة تشويه ضد المقاومة الفلسطينية بشكل عام وحركة “حماس” على وجه الخصوص، إلا أن أصواتا داخل حركة فتح رفضت ما جاء فيه.
ونشر عضو المجلس الثوري لحركة فتح بسام زكارنة منشورا على صفحته على فيسبوك أكد فيه أن “البيان لا يمثل حركة فتح”، وقال “دون الخوض بالتفاصيل: النظام ينص على أن بيانات فتح تصدر بعد اجتماعات المركزية أو الثوري أو الإقليم”.
وتابع “لا تُكتب من أشخاص، كثير من البيانات لا تُعبر عن رأي الحركة وأفرادها”.
وختم بقوله “أنا كعضو ثوري أرفض أي بيان يصدر باسم الحركة دون أن يصادق عليه المجلس الثوري أو ينسجم مع قرارات المؤتمر الحركي والثوري والمركزية”.
وذيّل منشوره بعبارة “لا ناطق ولا بيان يمثلنا، دون إشراك الفتحاويين المخولين”.
وتبقى التساؤل المطروح.. من يريد صب الزيت على نار الخلافات الفلسطينية المشتعلة أصلاً؟ ولماذا بهذا التوقيت الحساس؟ وما هدف إصدار هذا البيان؟
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم