علي عبود
يناقش أعضاء مجلس الشعب أداء الوزارات، فيطرحون الأسئلة والإستفسارات والمقترحات، ويقوم بعدها الوزراء بتلاوة بيانات عن إنجازاتهم وشرح الخطط القادمة لوزاراتهم..الخ.
ويتكرر هذا المشهد أكثر من ثلاث مرات في العام الواحد دون أي إضافات جديدة، مثل الإجابة على سؤال: وماذا بعد مناقشة أداء عمل الوزارات؟
نعم، قد نشهد أحيانا جلسات توصف عادة بالساخنة، يتلو فيها عدد من الأعضاء مداخلات حادة تتضمن انتقادات قاسية وجريئة لبعض الوزراء، وحتى لرئيس الحكومة، حول الأوضاع المعيشية المتردية، ومعاناة ملايين السوريين من الأسعار والغلاء الفاحش، وتآكل القدرة الشرائية لليرة، ونقص المحروقات .. الخ، تنتهي أيضا بردود للوزراء، ولرئيس الحكومة، دون أي إجابة عن السؤال: وماذا بعد؟
الإجابة موجودة في الدستور، والنظام الداخلي لمجلس الشعب، ولكن على مدى الأدوار التشريعية السابقة لم يمارس أعضاء مجلس الشعب الجانب الأهم في واجباتهم تجاه ممثليهم، وهو الإنتقال إلى مرحلة مابعد مناقشة أداء الوزارات، وتوجيه الإنتقادات الساخنة والجريئة لعدد من الوزراء، أو لرئيس الحكومة، أي ممارسة حقهم الدستوري في تنفيذ عملي للسؤال: وماذا بعد؟
من الملفت أن يلجأ عدد من أعضاء مجلس الشعب إلى نشر مداخلاتهم على صفحاتهم الشخصية بالفيس بوك، كدليل على جرأتهم بانتقاد أداء الحكومة، ورئيسها، وبكونهم مدافعين عن مطالب المواطنين المشروعة، كي ينفوا مايُقال عنهم بأنهم لايطرحون قضايا الناس في مجلس الشعب، ومع ذلك يبقى السؤال مطروحا: وماذا بعد المداخلات الجريئة وعالية النبرة على الصفحات الشخصية؟!
والملفت أكثر أن يدعو البعض منهم إلى استجواب الحكومة أو أحد وزرائها على صفحات الفيس، والسؤال: لماذا لايفعلها هذا البعض في جلسة رسمية للمجلس وفق الدستور والنظام الداخلي، فعضو المجلس ليس مواطنا عاديا كي يطالب بالمحاسبة والإستجواب، فالدستور أعطى لعدد من أعضاء المجلس حق استجواب الحكومة بالأفعال لا بالأقوال، وبحجب الثقة عنها اوعن وزير أوأكثر، وهذا الحق لايمارس على الفيس بوك والمواقع الأكترونية، وإنما يُمارس في قاعة المجلس!
لقد نصت المادة /78/ من الدستور على التالي: (للمجلس أن يؤلف لجانا من بين أعضائه لجمع المعلومات وتقصّي الحقائق في المواضيع التي تتعلق بممارسة اختصاصاته).
وتنفيذا لهذه المادة الدستورية نصت المادة /82/ من النظام الداخلي لمجلس الشعب على: (للمجلس أن يشكل لجنة خاصة مؤقتة أويكلف لجنة من لجانه الدائمة للتحقيق وجمع المعلومات وتقصي الحقائق عن أمر عام له أهمية خاصة أوموضوع معين يتعلق بأي جهةعامة ،ويُعلم رئيس مجلس الوزراء بذلك من قبل رئيس المجلس).
وبما أن أهم اختصاصات المجلس التي تتيح له وفق المادة /75/ من الدستور حجب الثقة عن الوزارة أو أحد الوزراء، فإن المدخل لممارسة هذا الإختصاص الفعّال في مراقبة خطط الحكومة ومحاسبتها على نتائج أعمالها، وخاصة مايتعلق بملفات الفساد، هو تشكيل لجان خاصة مؤقتة للتحقيق في مختلف القضايا التي تتعلق بالإقتصاد والمواطنين، لإنجاز تقارير موثقة حولها، يتم طرحها في المجلس لمناقشتها بحضور الوزراء المعنيين، يُصار بعدها اما الإكتفاء بردود الحكومة، او تطوير المناقشة إلى استجواب فحجب الثقة عن وزير أو أكثر!
وبما أن ملايين السوريين يعانون منذ سنوات طويلة من أعباء معيشية لاتحتمل، بفعل قرارات حكومية لايمكن الوقوف على مدى صوابيتها أو فعالياتها، او بوجود قرارات بديلة عنها، وبما أن الأوضاع الإقتصادية ليست على مايرام .. فلماذا لم يُشكل مجلس الشعب لجانا خاصة حول هذه القضايا خلال الـ 12 عاما الماضية؟
كان يُمكن للمجلس مثلا أن يُشكل لجنة واحدة على الأقل لإعداد تقرير حول امتناع الحكومة عن تنفيذ المادة /40/ من الدستور التي تنص على (لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُرها) .. لكنه لم يفعلها منذ عام 2012 .. فلماذا؟
والملفت أن مجلس الشعب لم يُفعّل اللجان الخاصة، والتي أدت إلى حجب الثقة عن عدد من وزراء حكومة عبد الرؤف الكسم في ثمانينات القرن الماضي، ولم تُشكل بعدها أي لجان مماثلة حتى تاريخه والسؤال الدائم: لماذا؟
لقد ساد في مطلع تسعينات القرن الماضي، ولا يزال مستمرا حتى الآن مصطلح (التكامل بين مجلسي الوزراء والشعب) ، وهو فعليا تكامل بين رئيسي مجلس الشعب والحكومة أدى إلى إحباط رئيس مجلس الشعب في تسعينات القرن الماضي لتشكيل أي لجان خاصة، ولمنع إدراج أي طلبات لعدد من أعضاء المجلس لاستجواب أي وزير في جدول أعمال جلسات المجلس، يمكن أن تؤدي إلى حجب الثقة عن وزير أو أكثر.
وقد ثبت فيما بعد فعالية التفاهم والتكامل بين رئيسي مجلس الشعب والحكومة في تسعينات القرن الماضي بمنع محاسبة واستجواب الوزراء المتورطين بملفات فساد، بدليل أن بعضهم دخل السجن بقرارات من القضاء!
الخلاصة: الشعب هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن تقييم أداء ممثليه منذ عام 2012، ونكرر السؤال الذي طرحناه سابقا: هل أحسن الشعب باختيار ممثليه القادرين على إلزام الحكومة بتحسين أوضاعه المعيشية وتأمين مستلزمات عيشه الكريم وفق الماد /40/ من الدستور؟
(سيرياهوم نيوز1-خاص بالموقع)