شفيق طبارة
من وسط العاصمة الأردنية، ينطلق «مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أول فيلم» غداً (حتى 10 تموز/ يوليو) في دورته السادسة.
وكما في دوراته السابقة، يخصص المهرجان دورته الحالية للأعمال الأولى في الإخراج والتمثيل وكتابة السيناريو والمونتاج، عبر أربع فئات تنافسية تمنح جائزة «السوسنة السوداء»، إضافة إلى جائزة «فيبريسكي» المرموقة (جائزة الاتحاد الدولي للنقّاد السينمائيين) لأفضل وثائقي عربي.
هذه السنة، اختار المهرجان شعار «عالم خارج النصّ» الذي يركّز على الأفلام التي تكسر القيود التقليدية وتتخطى شخصياتها الحدود.
تضم تشكيلة هذا العام أكثر من 60 فيلماً، تمثل 23 دولة، كما يقدم المهرجان 23 فيلماً في عرض عربي أوّل، من بينها 16 عرضاً عالمياً أول. وسيشكّل المهرجان منصة حصرية لقصص من قلب غزة الجريحة، تُعرض للمرة الأولى.
مشهد من «إلى عالم مجهول»
مشهد من «إلى عالم مجهول»
في إطار تيمة هذه الدورة، يحتفي المهرجان بإيرلندا كبلد ضيف الشرف، بحيث تتلاقى التجربتان الثريتان للسينما الإيرلندية والعربية في عمق معالجتهما للمواضيع الإنسانية وتلك المعنية بقضايا الهوية والذاكرة.
كما سيكون المخرج الإيرلندي المخضرم جيم شيريدان ضيف قسم «الأول وأحدث»، شيريدان، الكاتب والمخرج الذي رُشّح لست جوائز أوسكار، أسهم بشكل محوري في تشكيل صورة السينما الإيرلندية عالمياً عبر أفلامه البارزة.
الروائي العربي بين التاريخ والراهن
تتنافس عشرة أفلام عربية طويلة على جائزة «السوسنة السوداء». من الجزائر، يشارك المخرج شكيب طالب بن دياب بفيلمه «196 متراً»، الذي يدور في قلب الجزائر العاصمة، حيث يثير اختطاف فتاة موجة من الصدمة، مشعلاً توترات متصاعدة ويزرع شكوكاً عميقة في أرجاء المدينة.
تتحد الطبيبة النفسية دنيا عصام، ومفتش الشرطة سامي في مسعى مشترك لكشف اللغز، غارقين في أعماق ماضي المدينة المظلم. وبينما يغوصان في ظلال تاريخ الجزائر المضطرب، يواجهان تداعيات عصر مليء بالصراعات، باحثين عن الحقيقة وسط شبكة معقدة من الأسرار والصدمات.
مشهد من «فتنة في الحاجبين»
مشهد من «فتنة في الحاجبين»
من مصر، يقدّم خالد منصور فيلمه الطويل الأول «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، حيث حسن حارس الأمن الهادئ الذي يعيش مع والدته في القاهرة، يجد نفسه مضطراً إلى الهرب بعدما قام كلبه الوفي ورفيقه الحميم، رامبو، بعضّ مالك المنزل العدائي.
أثناء تنقله في المدينة بحثاً عن مأوى آمن لرامبو، يواجه حسن مواقف تُعيده إلى ذكريات أليمة ومخاوف دفنها منذ زمن. هذه الرحلة تدفعه إلى استعادة جزء من ذاته كان يعتقد أنه فقده إلى الأبد.
تعود فرح قاسم إلى طرابلس بعد سنوات من الغياب في فيلمها «نحن في الداخل»
يعيدنا المخرج التونسي لطفي عاشور في فيلمه «الذراري الحمر»، إلى نوفمبر 2015، حين يبتعد أشرف، ذو الأربعة عشر عاماً، وابن عمه عن منزلهما، بعد أن ينهار عالمهما تحت وطأة عنف مفاجئ ومدمر. ينجو أشرف، حاملاً عبء العودة إلى المنزل.
بينما تغرق قريته في صمت مشوب بالخوف وسط غياب السلطات، يجد أشرف نفسه عالقاً بين واقعه وأحلامه، تطارده الخسارة.
من الأردن تقدم سندس السميرات فيلم «سمسم»: سمسم امرأة في السادسة والعشرين، تصرّ على التحرر من زواج لم يكن لها رأي فيه. تحوّل وظيفتها في استوديو التصوير الفوتوغرافي لإعالة ابنتها ووالدتها، إلى مساحة للمغازلة، وبناء العلاقات، واستعادة الثقة بنفسها. رغم انفصالها عن زوجها قاسم، يظل يرفض منحها الطلاق.
وعندما يوافق أخيراً، يضع شرطاً غريباً بأن تجد له زوجةً جديدة. تنطلق سمسم في رحلة سوريالية. ومع تصاعد بحثها المحموم، تجد نفسها أمام تناقضاتها الداخلية، لتكتشف أن الحرية الحقيقية أعمق من مجرد الهروب.
فيلم تاريخي يقدمه المخرج العراقي عدي رشيد في «أناشيد آدم»، يعيدنا إلى بلاد ما بين النهرين عام 1946، حين ارتجف آدم، ذو الاثني عشر عاماً، بعدما أُجبر على حضور مراسم دفن جدّه. بعد تلك اللحظة، أعلن آدم أنه لم يعد يريد أن يكبر، ولسبب غامض، لم يفعل ذلك.
مع مرور السنين، يُقلق شبابه أهل القرية ويزرع الفجوة بينه وبين أقرب الناس إليه. بينما يعتبره بعضهم حالة غير طبيعية، يراه آخرون تمرداً هادئاً على فقدان البراءة.
مشهد من «نحن في الداخل»
مشهد من «نحن في الداخل»
وتتشابك أربع حكايات في فيلم «دخل الربيع يضحك»، للمخرجة نهى عادل، تنبثق من عمق المرأة المصرية، حيث يخفي الفرح ألماً، وتتكشف المفاجآت تحت السطح.
ومع ذبول الأزهار وحلول الخريف، تصل كل قصة إلى خاتمة غير متوقعة، تكشف عن عواصف الهوية الصامتة، والضغوط الاجتماعية، والحقائق الخفية التي تظهر عندما تبدأ واجهة الموسم الجديد.
من فلسطين يعرض فيلم «شكراً لأنك تحلم معنا!»، للمخرجة ليلى عباس، الذي تدور أحداثه في رام الله، حيث تلتقي مريم ونورا بعد وفاة والدهما لتكتشفا ميراثاً كبيراً تركه خلفه.
وسط إحباطهما من نظام يُفضّل شقيقهما الغائب، تضعان خطة جريئة لتأمين المال قبل أن يدرك هو خسارتهما لوالدهما. مع تصاعد التوترات وتجدد الجراح القديمة، تضطر الأختان إلى مواجهة البيروقراطية، وتعقيدات الأسرة، وتوقعات المجتمع في قصة تجمع بين الفكاهة ونقد للأعراف الأبوية.
وبعد نجاح فيلمه القصير الأول «هل سيأتي والديَّ لرؤيتي؟»، يعود المخرج الصومالي مو هاراوي، ليقدم فيلمه الطويل الأول «القرية المجاورة للجنّة»، الذي تدور أحداثه، في قرية صومالية نائية، تأثرت بالمصاعب والتغيرات، وفيها تخطو عائلة صغيرة طريقها وسط أحلام متبدلة وصراعات مكبوتة.
المخرج الفلسطيني مهدي فليفل، يقدم فيلمه الطويل الأول، بعد أفلام عدة قصيرة. يأخذنا فليفل في «إلى عالم مجهول»، إلى أثينا، حيث ابنا العم الفلسطينيان، شاتيلا ورضا، حلما بالهروب إلى ألمانيا وبناء حياة جديدة. لكن مع تصاعد الضغوط عليهما، تتعرض علاقتهما لاختبارات قاسية وغير متوقعة. وما يبدأ كخطة هروب بسيطة يتحول سريعاً إلى صراع متوتر مع الولاء، والبقاء، وثمن الحرية في عالم يسد كل المنافذ أمامهما.
لبنان حاضر في الوثائقي
سبعة أفلام وثائقية عربية تتنافس على جائزة أفضل فيلم وثائقي منها فيلمان من لبنان، الأول بعنوان «فتنة في الحاجبين» لعمر مسمار، الذي يدور داخل صالون «بوبا» للتجميل في بيروت. هنا خضع الزبائن لعمليات تجميل في محاولة لاستعادة السيطرة على الذات وسط مدينة توشك على الانهيار.
تُظهر اللقطات المُقرّبة كيف تتحول كل حقنة إلى متنفس، بينما تدور أحاديث حول الحب، والحرب، والبقاء.
الفيلم الوثائقي الثاني يحمل عنوان «نحن في الداخل» للمخرجة فرح قاسم، التي تعود إلى طرابلس بعد سنوات من الغياب لرعاية والدها المسن، مصطفى.
تجد رجلاً متشبثاً بالماضي، ومدينةً غارقة في أزماتها. يصعّب عدم الاستقرار السياسي والانقسامات بين الأجيال تواصلهما، لكن وسط هذا التباعد تنبثق روح الدعابة وشوقٌ عميقٌ للفهم.
تبدأ الفجوة العاطفية بينهما بالانحسار عبر ناديه الشعري المحبوب، معقل التقاليد والرجولة. عندما تنضم فرح إلى المجموعة، تسعى إلى التواصل معه عبر الشعر. ومع اندلاع ثورة عام 2019 وتدهور صحة مصطفى، يصبح الشعر لغتهما المشتركة في عالم يزداد اضطراباً.
«من المسافة صفر +»
في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ 2023، برز السنة الماضية مشروع «من المسافة صفر»، كبادرة سينمائية فريدة تسعى إلى توثيق الحياة اليومية والمعاناة الإنسانية لسكان القطاع.
أشرف على المشروع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، وشارك فيه أكثر من 100 سينمائي وسينمائية من غزة، أنتجوا 22 فيلماً قصيراً بين الروائي والتسجيلي والخيالي والرسوم المتحركة والتجريبي.
صُوِّرت الأفلام كلها في غزة، ووثقت ما يجري هناك، وشارك في صناعتها سينمائيون عاشوا الأحداث، من شبان وشابات، كتجربة حيّة وواقعية.
هذه السنة، تعود هذه المبادرة بأربعة أفلام تحت عنوان «من المسافة صفر +»، تشارك في قسم غير تنافسي وهي: الفيلم الأول هو «بيلياتشو غزة»، للمخرج عبد الرحمن صباح. تدور الأحداث في غزّة التي مزقتها الحرب، حيث يكافح علوش، علاء مقداد، المهرج القصير القامة وصاحب الإرادة الحديدية، لاستعادة دوره كـ«صانع فرح».
يعيش علوش مع عائلته في خيمة بعد تدمير منزلهم في مخيم الشاطئ للاجئين، ويناضل يومياً لتأمين الطعام والماء.
ورغم الشوارع المدمرة والأرواح المثقلة بالحزن، يصرّ علوش على تقديم عروضه للأطفال، متمسكاً بإشعال شمعة أمل وسط الظلام.
ومع اشتداد الحرب، يواصل علوش التمسك بالضحك والفن كوسيلة لمواجهة معاناة لا تُوصف.
أما «أحلام صغيرة جداً» للمخرجة اعتماد وشاح، فيحكي قصة نور، الشابة الغزية التي تخوض معركة يومية من أجل الصحة والكرامة. يستمر الدمار في غزة، والنساء من حولها يواجهن استلاب الإنسانية: يعدن استخدام الملابس القديمة كفوط صحية، والاغتسال في البحر، واللجوء إلى حبوب الدورة الشهرية في غياب الحماية الصحية الأساسية. هذه الإجراءات اليائسة تعرضهن للعدوى والأذى على المدى الطويل.
عبر رحلة نور وشهادات الأخريات، تتكشف أزمتهن: أزمة حرمان من الرعاية، وظروف غير آمنة، ومعاناة مكتومة في أرض جُرِّدت من أبسط احتياجاتها الإنسانية.
الفيلم الثالث يحمل عنوان «حسن» للمخرج محمد الشريف، وفيه يخاطر حسن، ابن السبعة عشر عاماً، بكل شيء لجلب الدقيق لعائلته الجائعة في شمال غزّة. يقع ضحية قصف وحشي، ويظل محاصراً أربعة أيام يشهد فيها عمليات إعدام مروّعة.
في الأثناء، تعيش عائلته في حالة من الترقب والقلق المريع. بعد ترحيله إلى جنوب غزّة، يواجه حسن واقعاً مؤلماً من التدهور والدمار. ورغم القسوة المحيطة به، يتمسك بأمل واحد: العودة إلى منزله وأحبائه.
الفيلم الأخير بعنوان «ألوان تحت السماء» للمخرجة ريما محمود: يتحدث الفيلم عن آية، التي فقدت والديها وشقيقيها في الحرب، وتعيش الآن في خيمة في رفح، نازحة من منزلها في مدينة غزة. كانت فنانة ناشئة تعمل على تأليف أغان جديدة، والآن تتمسك بالموسيقى كشريان حياة.
وبينما تتساقط القنابل من حولها، تنطلق آية للبحث عن ملحّن واستوديو لتسجيل أغنية ولدت من رحم الفقد والبقاء. يتتبع هذا الفيلم رحلتها لاستعادة صوتها، ومعه أمل العودة إلى البيت يوماً ما.
أخبار سوريا الوطن١_الأخبار