بيروت حمود
تخيّم الضبابية على المفاوضات الجارية بهدف التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى بين دولة الاحتلال وحركة «حماس». ورغم أن الرّد الذي تلقته الحركة أخيراً لا يشي بتغير في الموقف الإسرائيلي المتشدد حيال وقف نهائي لإطلاق النار، رأى الجنرال الإسرائيلي، الذي شغل سابقاً منصب رئيس شعبة التخطيط في الجيش، وترأس مجلس الأمن القومي، غيورا آيلاند، أن الصفقة بشروطها الحالية هي واحدة من النقاط التي تظهر ضحالة المنظومة السياسية الإسرائيلية، معتبراً أن الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزّة منذ نحو خمسة أشهر، تبرز بحسبه «الفجوة بين العمليات العسكرية المهنيّة التي ينفذها الجيش، وبين ضحالة المنظومة السياسيّة الإسرائيلية وسطحيتها».ولعلّ إحدى الفجوات القائمة بحسبه، تنعكس في «تصريحات جوفاء من مثل: “فقط الضغط العسكري سيفضي إلى صفقة تبادل أسرى جيّدة”»، في إشارة إلى تصريحات وزير الأمن، يوآف غالانت، ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو. ففي حين أنه قبل ثلاثة أشهر، عندما كان الضغط العسكري لا يزال «أخف وطأة»، توصلت إسرائيل إلى صفقة «جيّدة»، أدت إلى إطلاق سراح عشرة أسرى إسرائيليين كل يوم؛ إلا أنه لمّا «تعاظم الضغط العسكري بشدّة، بدأ يجري الحديث عن صفقة تبدو أسوأ من سابقتها». وفي السياق، شدد آيلاند على أن «الضغط العسكري هو أمر ضروري، غير أن ديكتاتوراً مثل (رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة، يحيى) السنوار غير مبالٍ بذلك نسبياً». ولذا، كان من الممكن المراهنة، بحسب صاحب خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، على احتمال أن يبادر فلسطينو غزّة إلى «ثورة» ضد «حماس»، فهم «(في الحركة) متوترون لسببين: الأول هو الضغط الاقتصادي، لأن هذا الضغط الذي يسبب الجوع يحفّز السكان على التحرك، وهكذا تحدث الانقلابات عادة»؛ وأمّا الثاني، «فهو تشكيل البديل السلطوي لهم». إلا أنه، وفقاً له، فإن إسرائيل تخلّت عن هذين الأمرين اللذين يشكلان أداة ضغط قوية على حماس؛ إذ «تخلينا عن الحصار على غزة ومنعنا أي حوار مع الدول العربية حول اليوم التالي. وبالتالي، (مكّنا) هنية والسنوار من أن يكونا مرتاحين وصارمين في المفاوضات».
واعتبر آيلاند أن القول إن الضغط العسكري هو الذي سيساعد فقط على تحرير الأسرى «كذبة»، مشيراً إلى أن «التصريح الذي لا يقل فراغاً وسطحية هو “النصر المطلق”». فالنصر المطلق، بحسبه «يعني هزيمة حماس واستسلامها من دون شروط، وكذلك تحرير المختطفين من دون دفع أي ثمن. ومن الواضح أن هذا لن يحدث، ولذا، إن المصطلح المذكور الذي أرساه رئيس الوزراء قد يكون “كلمة مرورية” لانتخابات ناجحة، ولكنه بالطبع ليس هدفاً واقعياً». أمّا الأمر الأكثر أهمية وفقاً للجنرال، فهو أنه «إن كان هذا النصر المطلق بمنزلة توجيه للجيش، فهل ثمة توضيح يُظهر ما هو بالضبط مفهومه؟ وكيف سنعرف إن كنّا حققناه، وإن كان أساساً من الصحيح التطلع إليه؟». واعتبر أن المعنى المحتمل له هو «استمرار الحرب في غزة إلى ما لا نهاية»، مشيراً إلى أنه «للوهلة الأولى، تبدو إسرائيل قادرة على تحمّل ذلك، غير أن الحرب الطويلة في غزة معناها أيضاً على نحو مؤكد تصعيداً كاملاً في لبنان». وشكك في أن يكون ذلك مصلحة إسرائيلية، أو إن كان «الكابينيت» قد ناقش هذه المفاهيم عموماً.
كما تطرق إلى ما وصفه بـ«آخر اختراعات نتنياهو»، وهو وثيقته بشأن «اليوم التالي» في غزة. وبحسبه، فإنه حتى قبل تحليل «معانيها الجوفاء» يبرز سؤال أكثر جوهرية: «من الذي قرر ذلك؟ ظاهرياً لدينا مجلس حرب مصغّر ومجلس وزاري موسّع والحكومة الكاملة، لكن يبدو أن كل هذه الأمور هي في أحسن الأحوال بمنزلة ختم مطاطي لقرارات رئيس الوزراء، الذي يسارع إلى نشرها قبل أي مناقشة حقيقية». وتابع: «خطة نتنياهو ليست غير عملية فحسب، وإنما تسبب الضرر بالفعل. فمعناها هو أن إسرائيل تعلن أنها تنوي إعادة غزة إلى مكانتها كأرض محتلة، وبالتالي ستكون إسرائيل مسؤولة بالكامل عما يحدث هناك». ورأى أن الافتراض بأن إسرائيل ستختار قيادة محلية تدير غزة وفقاً للإملاءات الإسرائيلية، ووفقاً لبرنامج تعليمي إسرائيلي وبمساعدة المليارات التي ستضخها الدول العربية، هو افتراض «عقيم».
كذلك، اعتبر آيلاند أن وثيقة نتنياهو ليست البديل الوحيد الممكن، فثمة بديل آخر كان في الإمكان استعراضه، «قبل أربعة أشهر حتى»، ويقوم على أنه «في اليوم التالي للحرب، لن تكون حماس في السلطة في غزة، ولكن أيضاً لن يكون ثمة احتلال إسرائيلي. (تعلن) إسرائيل استعدادها لإدارة حوار مع الدول العربية والغربية حول المدة الانتقالية التي ستلي الحرب. لإسرائيل لا توجد مصلحة إقليمية ولا مصلحة سياسية، توجد فقط مصلحة أمنية. كل حلّ يمكن أن يضمن أنه في مقابل إعادة تأهيل القطاع، سيكون هناك نزع سلاح، فهذا مقبول لنا، تعالوا نجلس ونتحدث». وختم قائلاً إنه «بالنظر إلى أنه لا توجد في مجلسي الحرب الموسّع والمصغّر نقاشات جديّة حول البدائل، فيما المعيار الذي من المفترض أن يحدد النقاشات هو المصالح الحقيقية للدولة، فإن الكلمات المرورية لنتنياهو تصبح بالفعل هي السياسة (انعدام السياسة) لدولة إسرائيل».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية