آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » موجة استسلام في صفوف العملاء: «جيش لحد» الغزّي لا يُعمِّر

موجة استسلام في صفوف العملاء: «جيش لحد» الغزّي لا يُعمِّر

 

يوسف فارس

 

 

بعد مقتل العميل ياسر أبو شباب، يقف مشروع المجموعات العميلة على أقدام من خشب، ليس فقط لأن نهاية فاتح عهد «الجيش اللحدي» في غزة كانت أسرع ممّا كان مُتوقّعاً ومُخطّطاً له، بل لأن مقتله كشف الرصيد الشعبي الصفري الذي حقّقته تلك المجموعات على مدار أشهر من الاستثمار والتمويل والدعاية. أمّا الشارع الغزاوي الذي تركته الحرب منقسماً حول جدوى عملية «طوفان الأقصى» وما أعقبها من حرب إبادة طاولت الأخضر واليابس، فاجتمع من أقصى شماله إلى أقصى يمينه على أن المصير الذي لقيَه أبو شباب، كان النهاية الحتمية المستَحَقَّة لكلّ مَن يخون وطنه. هكذا، بدا أبو شباب وعملاؤه الذين يحملون اسم «الجيش الشعبي» عُراةً أمام الحقيقة.

يقول محمد حمدونة، وهو نازح من مخيم جباليا إلى غربي مدينة غزة، إن «أبو شباب» لقيَ النهاية الحتمية التي يستحقّها؛ فقد سطع نجمه لصاً يسرق شاحنات المساعدات، وتسبّب بأكبر مجاعة عاشها النازحون في جنوب القطاع ووسطه خلال الحرب، وفي خلال أشهر الفوضى والضياع، ظهر مرتدياً بزّة عسكرية عليها علم فلسطين، ناشطاً إلى جانب جيش الاحتلال، مدّعياً بأنه القوّة التي ستوفّر الحماية لشاحنات المساعدات، كما حاول تعزيز رواية العدو ومزاعمه حول سرقة حركة «حماس» للمساعدات. ويتابع حمدونة في حديثه إلى «الأخبار»: «تَمثّل الفصل الأكثر بشاعة في مسيرة أبو شباب الخيانية القصيرة، في صناعته جيشاً من العملاء للعمل كمرتزقة لدى العدو، خصوصاً في تمشيط الكمائن والكشف عن تحصينات المقاومين وأسلحتهم. وجاء وقف الحرب ليمارس أبو شباب دوراً معادياً لمليوني فلسطيني، عندما نشط عملاؤه والمرتزقة التابعون له في الانتشار في مناطق الخط الأصفر، وعملوا على اختطاف العائدين لتفقُّد منازلهم واعتقالهم وتسليمهم للاحتلال. مَن مِنَّا يمكن أن يمتلك موقفاً من مقتله غير الشماتة؟ هذا مصير مُستحقّ لكلّ مَن يخون أرضه ووطنه».

 

غير أن المفاجئ في حكاية «أبو شباب»، هو المسافة الفاصلة بين انطلاقته ومقتله، والتي لم تتجاوز العام الواحد؛ فقد قُتل رجل الخيانة الأول «على أهون الأسباب»، كما لم يتسبّب مقتله بموجة تصعيد، أو يتهدّد وقف إطلاق النار. وفي خبر يشبه الكذب، أُعلن عن نهاية «تاجر المخدّرات ونزيل السجون» الذي ملأ الدنيا ضجيجاً بأنه وأشباهه يمثّلون الكيان البديل الموازي لحركة «حماس»، وأنهم وجه الحكم المقبل الذي ستنفخ دول عربية وأوروبية في روحه ليتحوّل إلى قائد شعبي وطني كبير، يؤسّس كيان غزة الشرقية التي سيلجأ إليها الهاربون من غزة الغربية الفقيرة والمُعدمة التي تسيطر عليها «حماس»؛ لا بل إن الخطاب البدائي والطفولي المنتفخ الذي كان يُقدّم على مواقع التواصل الاجتماعي، «بَشّرنا» بأن أبو شباب هو الكادر الأمني البديل الذي سيتولّى الجانب الأمني في «مجلس السلام الأميركي» الذي سيرأسه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومعه توني بلير. بمنتهى البساطة، انتهت حكاية تافهٍ ظَنَّ أن ثمّة فراغاً في غزة سيمنحه مجداً.

في التفاصيل والروايات المتضاربة حول طريقة مقتله، والتي لم يلتفت إليها أحد، تحدّث الإعلام العبري في البداية عن أن قوّة خاصة من «كتائب القسام» استطاعت القضاء عليه. والواقع أن سردية كهذه، جديرة بأن تعطي العميل المنتفخ قيمةً كان يتمنّاها. لكن ما اتّضح لاحقاً، هو أنه كان يمارس البلطجة والتشبيح على عائلة أبو سنيمة، وهي قبيلة بدوية لا تزال تسكن مدينة رفح ويرفض شبابها الانضواء في مجموعات العملاء، وقد تسبّب أبو شباب في مقتل أحد شبانها، فانبرى ثلاثة من أبناء القبيلة لمهاجمته ونائبه غسان الدهيني بسلاح ناري، قبل أن ينهالوا عليه بالضرب المُبرح. ويعني ذلك أن القصّة بدأت وانتهت قبل أن تتدخّل فيها المقاومة، ثمّ يستدعي تدخّلها ردّاً إسرائيليّاً وجهوداً من الوسطاء لاحتواء الموقف.

 

دقّ مقتل أبو شباب مسماراً جديداً في نعش مجموعات العملاء التي كانت قبل بضعة أيام تعيش ذروة مجدها

 

 

أمّا اليوم التالي لتلك المجموعات، فيبدو أكثر تعقيداً من سابقه، ليس لأن «أبو شباب» كان واسطة العقد أو رجل الحلّ والعقد، إنّما لأن البناء الهيكلي المشوّه لتلك الجماعة، قام في الأساس على جماعة من المرتزقة وأسافل القوم: العشرات من النزلاء الأمنيين الذين اضطرّت وزارة الداخلية إلى إخلاء سبيلهم في بداية الحرب، وعدد آخر من اللصوص والمُدانين بقضايا القتل وتجارة المخدّرات. بتعبير آخر، ما قام به هؤلاء ليس خيانة يمكن أن تتحوّل إلى وجهة نظر، لأنه ليس من بينهم مَن يستطيع أصلاً أن يروّج لأيّ رأي يمكن سماعه. هم كانوا أصغر بكثير من إرث المجتمع الغزي، شعبيّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً ووطنيّاً. ولذا، فإن الدخول الذي سجّله غسان الدهيني على المشهد، بدا مهزوزاً خائراً، إذ سرعان ما بدأ العناصر الموالون لـ»أبو شباب» يشكّكون في دوره في مقتل «قائدهم النافق»، كما بثّ عدد منهم منشورات أعلنوا فيها أنهم لم ينصاعوا لقيادة الدهيني، باعتبار أن الأخير خان «أبو شباب». وعلى إثر ذلك، ما كان من «القائد الجديد» إلّا أن شنّ حملة تفتيش وتحرٍّ ضد عناصره. ووفقاً لمصادر أمنية، فإن الدهيني اعتقل عدداً من هؤلاء وأخضعهم للتحقيق، واتّهم بعضهم بأنهم عملاء لـ»كتائب القسام».

 

وفي محاولة للتغطية على هذا الارتباك، ظهر الرجل في عدد من المقاطع المُصوّرة وهو يمشي أمام العشرات من مواليه، ويسألهم عن معنوياتهم، ثم نشر صورة تُظهِره وهو يقف أمام جثامين عدد من الشهداء. مشهد يعلّق عليه أحد شباب قبيلة الترابين في مدينة رفح بالقول: «حميد الصوفي، وهو الذراع المدنية لأبو شباب، في حالة رعب من الأقرع غسان الدهيني، والأقرع من الخوف والرعب كل ساعة يجمع الصعاليك ويسألهم كيف المعنويات، حتى يتأكد أنه هو القائد، لم يصدّق بعد أنه القائد، انتبه يا حميد الصوفي من الأقرع ناوي يقضي عليكم، إلحق نفسك، باب التوبة عشرة أيام مفتوح».

 

والدهيني الذي يحاول تَصدُّر المشهد اليوم، بدأ حياته ناشطاً سلفيّاً متطرّفاً. انخرط ابتداءً في صفوف «جيش الإسلام» ثم خرج من غزة بعد انضمامه إلى «داعش»، ملتحقاً بالمجموعات المتطرّفة في سيناء، قبل أن يعود إلى القطاع لاحقاً ويساهم في تشكيل «تنظيم الدولة في غزة» الذي تورّط في تنفيذ تفجيرات، ثم ينتهي به الحال عميلاً. لكنّ قائد العملاء الجديد لا يمتلك ما يميّزه عن سلفه سوى أنه أكثر قلقاً على مصيره، خصوصاً بعدما أعلنت القبائل البدوية، وعلى رأسها قبيلة الترابين التي يتحدّر منها كل من أبو شباب والصوفي والدهيني، البراءة من مجموعات المشروع اللحدي. ومن جهتها، أعلنت وزارة الداخلية في غزة مهلة عشرة أيام «فتحت فيها باب التوبة للعملاء»، في حين أفاد مصدر أمني تحدّث إلى «الأخبار»، بأن الأجهزة الأمنية بدأت تستقبل اتصالات من ممثّلي القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية بهدف تسوية أوضاع أبناء لهم التحقوا بالعصابات التي شكّلها الاحتلال خلال الفترة الماضية، وقد تمّ فعلاً البدء بتسوية ملفات عديدة بعد تلقّي طلبات من عدد من المحافظات.

 

في النتيجة، دقّ مقتل أبو شباب مسماراً جديداً في نعش مجموعات العملاء التي كانت قبل بضعة أيام تعيش ذروة مجدها، فيما أقرّ كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بأن إعادة إنتاج تجربة جيش لحد في غزة، كانت مقامرة تكتيكية غير محسوبة ولا مدروسة، وأن مصير العملاء في نهاية الأمر، إمّا أن يُقتلوا أو أن يستحيلوا عبئاً على مشغّليهم.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزير خارجية تركيا: نشر القوة الدولية في غزة خطوة أولى قبل نزع سلاح حماس ويجب إخراج العناصر غير السورية من “قسد”

قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، السبت، إن تركيا تطالب بإخراج العناصر غير السورية من صفوف تنظيم “قسد” الذي يستخدمه تنظيم “واي بي جي/ بي ...