لم يتأخر المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في إعلان عودته «التاريخية» إلى البيت الأبيض، بعدما نجح، سريعاً، في حصد أكثر من 270 صوتاً، وهو العدد الذي يحتاج إليه، عادةً، أي مرشح لكسب السباق، ليصبح، بالتالي، الرئيس الـ47 للولايات المتحدة. وفي وقت لاحق، فاز ترامب بأصوات ويسكونسن وميشيغان وولايات متأرجحة أخرى، ليرسّخ تقدمه بـ292 صوتاً، مقابل 224 لمنافسته الديمقراطية، كامالا هاريس. وفيما كانت تُظهر النتائج انتزاعه ويسكونسن وجورجيا وكارولينا الشمالية، بدأ «الجدار الأزرق» يتهاوى بشكل كامل، بعدما تبيّن، منذ وقت باكر، تقدّم ترامب في ميشيغان، وخسارة هاريس لبنسلفانيا. كذلك، أظهرت الأرقام التي سبقت إقفال صناديق الاقتراع في كل من أريزونا ونيفادا تقدّم المرشح الجمهوري هناك أيضاً. وطبقاً لمراقبين، فإنّ فوز ترامب بدا شبه محسوم، منذ أن اتّضح مسار فوزه ببنسلفانيا، التي تضمّ 19 صوتاً انتخابياً، علماً أنّ الديمقراطيين خسروا الولاية، مرة واحدة منذ عام 1988، وكان ذلك أيضاً لصالح ترامب ضدّ منافسته، هيلاري كلينتون، عام 2016. وفي خطاب «النصر»، وصف ترامب فوزه بـ»التاريخي»، وبـ»أقوى عودة سياسية على الإطلاق في تاريخ البلاد السياسي»، مشيراً إلى أنّه حقّق الفوز في جميع الولايات المتأرجحة. كما تعهّد، مجدداً، بإصلاح الحدود وتخفيض الضرائب وتحسين الاقتصاد، مكرّراً أنّه «لا يريد بدء الحروب بل إنهاءها».
وفور صدور النتيجة، قدّر العديد من المراقبين أنّ سبب خسارة هاريس هو «الشرخ» الذي حصل في أوساط المجموعات العرقية والعمرية التي كانت تساهم، عادة، في وصول المرشح الديمقراطي إلى الرئاسة، جنباً إلى جنب المخاوف الاقتصادية، ووجود رغبة في أوساط المواطنين الأميركيين في حصول تغيير ما، بعد خيبتهم من أداء الإدارة الديمقراطية في السنوات الأربع الماضية. وطبقاً لاستطلاع واسع أجرته وكالة «أسوشيتد برس»، فقد قوّضت الحرب الدائرة في الشرق الأوسط آمال الديمقراطيين في حشد الدعم بين الناخبين الشباب، وهي فئة ديموغرافية ذات ميول ديمقراطية، إنّما معروفة أيضاً بأنها «متقلّبة»، علماً أنّ تعبئة الشباب أتاحت فوز بايدن، عام 2020، في ولايات متأرجحة رئيسية مثل بنسلفانيا. ودعم نصف هؤلاء، طبقاً للاستطلاع، هاريس هذه المرة، مقارنة بـ6 من أصل عشرة ممّن دعموا بايدن، فيما اعتبر ثلاثة أرباعهم أنّ البلاد تسير «في الاتجاه الخاطئ».
وتوصّل «مركز أديسون للأبحاث»، بدوره، إلى نتائج مماثلة، مشيراً إلى أنّ ترامب حصل على أصوات 42% من الناخبين الذين تراوح أعمارهم بين 18 و 29 عاماً، بزيادة ست نقاط مئوية عن الاستطلاع الذي أجري يوم الاقتراع عام 2020. كما انخفض الدعم لهاريس بشكل طفيف في أوساط الناخبين السود وعرقية الهيسبان. وعليه، ترجّح التحليلات والإحصاءات أنّه، على الصعيد الوطني وفي الولايات الرئيسية، نجح الحزب الجمهوري في كسب الناخبين الذين يشعرون بالقلق بشأن الاقتصاد، أو قوانين الهجرة، وهي قضايا طغت على «أولويات هاريس»، المتمثّلة في «حماية مستقبل الديمقراطية وقضية الإجهاض».
«شبح» بايدن
وعلى الرغم من عدم صدور أي تصريح فوري عن هاريس حول نتائج الانتخابات، وتأكيد مسؤولين في حملة ترامب، لوسائل إعلام، أنّ المرشح الجمهوري لم يتلقَّ أي مكالمة من هاريس أو سلفه جو بايدن، فقد نقلت شبكة «إن بي سي» الأميركية عن مسؤول في البيت الأبيض قوله، إنّ بايدن يخطط لـ»الاتصال بترامب، للإقرار بخسارة الديمقراطيين، ودعوته إلى البيت الأبيض»، مشيراً إلى أنّ الرئيس الحالي سيحضر أيضاً حفل تنصيب الرئيس الجديد. وفي وقت لاحق، نقلت شبكة «سي أن أن» الأميركية عن مساعدين لهاريس قولهم إن المرشحة الديموقراطية تعتزم التحدث مع ترامب قبل أن تدلي بخطاب تعترف فيه بهزيمتها، وتدعو من خلاله خصمها إلى «العمل على إيجاد أرضيات مشتركة» في الفترة القادمة، ومناصريها إلى «احترام نتيجة الانتخابات». وبالفعل، أعلن البيت الأبيض، مساء أمس، أن «بايدن تحدث هاتفياً مع ترامب وهنأه على فوزه»، فيما أفادت حملة الرئيس المنتخب بأن «ترامب وهاريس تحدثا هاتفياً»، وبأن الأول «تلقى تهنئة على فوزه التاريخي». وأضافت أن كليهما «اتفقا على أهمية وحدة الولايات المتحدة».
وكان عدد من الديمقراطيين خرجوا، سريعاً، «عن صمتهم» في أعقاب خسارة هاريس، محمّلين بايدن، وعدم نجاح نائبته في «فصل» نفسها عن ولايته، مسؤولية الخسارة. وفي السياق، نقلت صحيفة «بوليتيكو» عن مستشارين في حملة هاريس قولهم إنّ الأخيرة فشلت في «دفن شبح بايدن» بشكل كافٍ، ما أعاق قدرتها على بيع الناخبين فكرة أنّها قادرة على «طي صفحة» عهده.
فشلت هاريس في بيع الناخبين فكرة أنّها قادرة على «طي صفحة» بايدن
وطبقاً لهؤلاء، فإنّ هاريس رفضت أخذ «استراحة» من السنوات الأربع الماضية، على الرغم من مطالبة الناخبين بذلك، فيما تبقى النقطة الأسوأ، أنّها تردّدت في توضيح أي فرق لآلية مقاربتها المحتملة لقضية تشكل نقطة ضعف رئيسية لبايدن، وهي الاقتصاد. وفي المقابل، يرى العديد من أعضاء حملتها أنّه لا يجب تحميل هاريس «الجزء الأكبر» من اللوم، ولا سيما بعدما نجحت في تغيير الأرقام وتقليص الفارق مع ترامب، مشيرين إلى أنّ الشعور السائد إزاء بايدن، في أوساط الناخبين، وضعها في موقف صعب، بل «تعجيزي». كما ذهب بعضهم إلى حدّ القول إنّه كان على بايدن أن ينتحّى في وقت أبكر، ما كان سيعزز حظوظ هاريس، فيما عبّر عدد من قادة الجيل التالي في الحزب الديمقراطي عن اعتقادهم بأنّه يجب إجراء «تشريح عميق لمعرفة سبب فشلنا في وقف تمدّد ترامب». بدوره، أكد مسؤول كبير في حملة هاريس، في حديث إلى الـ»سي أن أن»، أنّه سيتم توجيه الكثير من اللوم لبايدن بسبب خسارة المرشحة الديموقراطية، «وعليه أن يتحمل ذلك»، مشيراً إلى أنه لم تتح للحزب الفرصة الكافية لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت هاريس «المرشحة الأقوى» التي يمكن طرحها بعد تنحي بايدن. وفي ميشيغان، معقل عدد كبير من العرب والمسلمين، يبدو أنّ تلك الفئة نجحت في توجيه «رسالة» واضحة إلى الحزب الديموقراطي، على خلفية السياسات التي اتبعها كل من هاريس وبايدن في غزة ولبنان، إذ فاز ترامب بالولاية بفارق 80 ألف صوت.
«تفويض» جمهوري
وقبل أن تُغلق جميع مراكز الاقتراع في جميع أنحاء البلاد، أعلن ترامب أنّ حزبه «استعاد أغلبية مجلس الشيوخ، وسيطر على مجلس النواب»، فيما لا يزال من الضروري الانتهاء من فرز الأصوات بشكل كامل، في جميع الولايات، لحسم النتيجة في «النواب»، وهي عملية قد تستمر لأيام. وفي المحصّلة، وحتى مساء يوم أمس بالتوقيت المحلي، كان الجمهوريون قد أمّنوا 52 مقعداً في «الشيوخ»، مقابل 44 للديمقراطيين، فيما يستمر السباق حول المقاعد الأربعة المتبقية. وفي مجلس النواب، كان حزب ترامب قد نال 201 مقعداً، مقابل 186 للديمقراطيين، علماً أنّ أي من الحزبين يحتاج إلى الفوز بـ218 مقعداً، ليكسب الأغلبية، وليتّضح «هامش» التقدم الجمهوري المحتمل، ومدى سيطرة الحزب على مجلسَي الكونغرس.
ووصف ترامب هزيمة الديمقراطيين في «الشيوخ» بـ»غير المعقولة»، مشيراً، في حديثه من فلوريدا أمس، إلى أنّ النتائج تعطي «تفويضاً غير مسبوق وقوياً للجمهوريين»، فيما يقدّر مراقبون أنّه من شأن قبضة الجمهوريين الموحّدة على واشنطن أن تحدد مسار «أجندة ترامب». على أنّه في حال انتزع الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب، فقد «يُعرقل» ذلك طموحات ترامب العالية، ويمنح منافسيه حق نقض قرارات البيت الأبيض. وللسيطرة على مجلس النواب، يحتاج الديمقراطيون إلى انتزاع أربعة مقاعد من الجمهوريين، وكسب جميع مقاعدهم، في مهمة تبدو صعبة نسبياً.
وفي ولاية فرجينيا الغربية، كان جيم جاستيس، حاكم الولاية الثري، أول الفائزين في السباق إلى مجلس الشيوخ، بعدما قلب النتيجة على السناتور المتقاعد، جو مانشين، ثم يبدأ الجمهوريون بكسب مقاعد المجلس تباعاً، و»يطاردون» الديمقراطيين في ولايات «الجدار الأزرق»، أي بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، حيث حاولت هاريس يائسة دفع الحزب إلى الأمام. كما انهارت الجهود الديمقراطية للإطاحة بالجمهوريَّين المثيرين للجدل، تيد كروز في تكساس، وريك سكوت في فلوريدا. ودفعت المعركة الانتخابية غير المتوقعة في ولاية نبراسكا بالجمهوريين إلى القمة، جنباً إلى جنب تمكّن السناتور الجمهوري الحالي، ديب فيشر، من تخطي التحدي القوي الذي كان يمثّله المرشح الجديد المستقل، دان أوزبورن، فيما لم تخلُ ولايات أخرى من «المفاجآت» الجمهورية أيضاً.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار