على رغم ما تقول إنه «فقدان الثقة» بالجانب الأوكراني، قدّمت موسكو لكييف وثيقة تتضمّن صيغة واضحة لإبرام اتفاق بينهما، محذّرة من أن استمرار تذبذب موقف أوكرانيا ستكون له انعكاسات سلبية على المسار التفاوضي، المتعثّر أصلاً. ويأتي ذلك في وقت تتصاعد مجريات المرحلة الثانية من العملية العسكرية الروسية، مع اقتراب السيطرة على مدينة ماريوبول، وتكثيف العمليات في إقليم دونباس بهدف السيطرة على ما تبقّى من مناطق فيه خاضعة للقوات الأوكرانية
موسكو | ُتظهر التصريحات الروسية المتتابعة أن موسكو لم تَعُد تعوّل كثيراً على المفاوضات مع أوكرانيا، نتيجة تقلّبات كييف الأخيرة، وعدم ثبات موقفها حيال ما جرى الاتفاق عليه في جولات المحادثات السابقة. وبناءً على سياق التواصل الروسي – الأوكراني منذ ما قبل العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، فإن موسكو تدرك أن موقف كييف ليس مستقلاً عن إرادة واشنطن. ومع ذلك، فهي ذهبت إلى التفاوض معها، لكن مسار المفاوضات إلى الآن أظهر للجانب الروسي أن القيادة الأوكرانية لم تصل بعد إلى قناعة بضرورة التوصّل إلى تسوية مع روسيا.
وعلى وقْع دخول الحرب الروسية مرحلة جديدة، كشف الكرملين أن روسيا سلّمت جارتها مسودة وثيقة تتضمّن صيغة واضحة لإبرام اتفاق. وقال المتحدّث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إن “الكرة الآن في ملعب كييف، وننتظر منها جواباً”. وأشار بيسكوف إلى أن “الجانب الأوكراني ينحرف باستمرار عن الاتفاقات التي سبق أن وافق عليها، ويغيّر موقفه دائماً”، محذراً من أن “ذلك بالنسبة لفعالية المفاوضات وجدواها، بالطبع له عواقب وخيمة”. وأضاف أن “ديناميكية العمل في الجانب الأوكراني تسير بشكل سيّئ، والأوكرانيون لا يُظهرون رغبة كبيرة في تكثيف عملية المفاوضات”.
بدورها، أكدت المتحدّثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن بلادها فقدت الثقة بالجانب الأوكراني المفاوِض. ووصفت زاخاروفا تصرّفات كييف بـ”السيرك”، حيث لا يبدي الأوكران جدّية في عملية التفاوض، وهو ما اعتمدوه طوال جولات المفاوضات مع موسكو في السنوات الأخيرة، مُدلّلة على ذلك بمصير “اتفاقات مينسك”، والتي لم تجد سبيلها إلى التنفيذ. وقالت زاخاروفا إن “المخطط كلاسيكي، ويقول أوّلاً إن النظام (في كييف) ليس مستقلّاً، إنه خاضع للرقابة. وثانياً، تُستخدم المفاوضات كمشتّت”. في غضون ذلك، تعهّد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بمواصلة العملية العسكرية في أوكرانيا، مشدّداً على ضمان موسكو العمل لإحلال السلام واستئناف الحياة الطبيعية في منطقة دونباس.
أكدت الخارجية الروسية أن روسيا فقدت الثقة بالجانب الأوكراني المفاوض
ميدانياً، واصلت القوات الروسية استهداف القوات الأوكرانية المتواجدة في ما تبقّى من مناطق خاضعة لسيطرتها في إقليم دونباس. وبعد السيطرة على مدينة كريمينا، تُركّز تلك القوات على استهداف المناطق الشمالية في الإقليم، معتمدة على أساليب حرب جديدة، وفقاً لوزارة الدفاع الروسية. وبحسب الخبير العسكري الروسي، دميتري بولتينكوف، فإن “الجيش الروسي يقوم الآن بما يسمّى عزل مسرح العمليات، عبر تكثيف استهداف طرق إمداد الجيش الأوكراني ومخازن العتاد ونقاط المراقبة”. ويشير الخبير، في تصريح إلى صحيفة “فزغلياد”، إلى أن هذا الإجراء “مهمّ للغاية لإكمال المرحلة الثانية من العملية بنجاح، لأنه يسهّل على القوات الروسية وقوات جمهورية دونيتسك تدمير ما تبقّى من القوات الأوكرانية”.
وتركّز القوات الروسية عملياتها في المناطق الشمالية من لوغانسك، في محاولة للضغط على القوات الأوكرانية في جميع المواقع في ضواحي سلافيانسك، وفي الاتجاه الآخر إلى بارفينكوفو، بعدما نجحت في السيطرة على روبيجني وبوباسنايا وسيفيرودونيتسك، ما يفتح الطريق أمامها للتقدّم شمالاً، وصولاً إلى جنوب مدينة خاركوف التي تسيطر على أجزائها الشمالية الكتائب النازية، فيما تقول موسكو إنها تتحوّل تدريجياً إلى ماريوبول أخرى. أمّا على جبهة دونيتسك، فبعد اقتراب السيطرة على مدينة ماريوبول، نقلت القوات الروسية وقوات “جمهورية دونيتسك” عدداً كبيراً من عناصرها في المدينة إلى جبهة دونيتسك، حيث يرجّح الخبراء العسكريون الروس أن تُحقّق تقدّماً سريعاً للسيطرة على المناطق الخاضعة لسلطة القوات الأوكرانية.
وفي ماريوبول، يبدو أن المعركة قد شارفت على نهايتها، مع تكثيف الجيش الروسي استهداف مجمّع آزوفستال الصناعي، المعقل الرئيس المتبقّي للقوات الأوكرانية والمجموعات النازية في المدينة، في وقت جدّدت وزارة الدفاع الروسية الدعوة إلى هدنة تسمح بخروج من تبقّى من الجنود الأوكران والمرتزقة. وتأكيداً على اقتراب نهاية المعركة هناك، أكد أحد القادة العسكريين الأوكران المحاصَرين في المجمع، في رسالة مصوّرة، “(أننا) ربّما نواجه أيامنا، إن لم تكن ساعاتنا الأخيرة”، راجياً مساعدتهم والعمل على إنقاذهم وترحيلهم إلى أراضي دولة ثالثة. وجاء ذلك في وقت أعلنت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، إيرينا فيريشوك، أن بلادها توصّلت إلى اتفاق مبدئي مع روسيا بشأن إنشاء ممرّ إنساني في ماريوبول لإجلاء المدنيين. ويعتقد الخبراء العسكريون الروس أن السيطرة على هذه المدينة تُعدّ خرقاً مهمّاً بالنسبة لروسيا، حيث ستسمح لها بالتركيز على جبهة دونيتسك القريبة، كما ستتيح لها تعزيز قدراتها العسكرية عبر بحر آزوف وشبه جزيرة القرم، فضلاً عن فتح جبهات جديدة، بخاصة في منطقة زاباروجيا المجاورة غرباً، وفي منطقة دنيبروبيتروفسك في الشمال الغربي.
إلى ذلك، كشفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية أن بلادها حذّرت فنلندا والسويد من عواقب الانضمام إلى “حلف شمال الأطلسي”. وقالت زاخاروفا إن موسكو نبّهت البلدَين إلى خطورة الخطوة عبر “كلّ الطرق، سواءً علنية أو من خلال القنوات الثنائية. إنهم يعرفون ذلك، لذا، لا يوجد ما يدعو للدهشة. تمّ إبلاغهم بكلّ شيء، وإلى أين سيؤدي ذلك”.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن