بلال أحمد
ما من فن غنائي ارتبط ببلد بعينه وحمل سماته وذاعت شهرته في العالم بأسره مثل القدود الحلبية وفق رأي الكثيرين حيث أثبتت عبر القرون قدرتها على الاستمرار وظلت راسخة في وجدان الناس يتغنون بها وكأنها وليدة اليوم.
وليس غريباً أن تحمل هذه القدود بغناها الفني والمعرفي اسم مدينة حلب طالما كانت تلك المدينة محجاً لرجال الفكر والفن والمعرفة منذ مئات السنوات وعرف عن أهلها وسكانها اهتمامهم بالموسيقا وفنونها التي احتلت مساحة كبيرة من حياتهم فاستحقت عن جدارة لقب عاصمة الموسيقا.
المايسترو نزيه أسعد أوضح في تصريح لـ سانا أن “القد” هو لحن من التراث أخذ من الغناء الديني أو الموشح أو الفولكلور وغيره ووضع عليه لحن وكلام على قده ثم تطور الى أغان متداولة في الأوساط الشعبية.
ويختلف عن الأغنية المؤلفة من مقدمة وبداية ونهاية أما القد فهو يمتد على لحن واحد يتكرر عدة مرات حسب رؤية المغني أو الموسيقي.
وخرج فن القدود كما يشير أسعد من الأوساط الصوفية وحلقات الذكر حيث تردد في الأهازيج والأغاني الدينية الخاصة بمناسبة معينة فكانت بداية البذرة الأولى للقد تنمو وتتكاثر لتتطور إلى “قد” ضمن الحلقات والتكايا الدينية على يد موسيقيين كبار أمثال علي الدرويش وجميل عويس ونديم درويش وعمر البطش وبكري الكردي وسواهم.
ويدعو المايسترو أسعد إلى تعزيز الاهتمام بهذا اللون والقالب الموسيقي وأن يكون متداولاً في الأوساط التربوية والمدارس والمعاهد الموسيقية لتنشئة جيل يعرف تراثه جيداً ويهتم به لأنه لون يحمل أهمية ثقافية وفنية ومعرفية كما أنه قريب من الشعب بما يحمله من مغزى اجتماعي وإنساني وعاطفي حيث استطاع بعض الفنانين كالراحل صباح فخري أن يحملوه إلى أرجاء المعمورة.
ويعرب أسعد الذي يتولى قيادة فرقة التراث السوري للموسيقا عن شدة سعادته بالإنجاز الذي تحقق للقدود الحلبية من خلال تسجيله ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو آملا أن تأخذ بقية الأنواع الموسيقية حقها كالدور والموشح والقصيد وسواها.
وعن جذور القدود الحلبية الضاربة في التاريخ يتحدث الإعلامي إدريس مراد الناقد المتخصص بالفرق والموسيقا التراثية مبيناً أن أولى إرهاصات القدود كانت من خلال أحد أئمة الغناء والتلحين عند العرب وهو سائب خاسر من مواليد 682 الذي يقال إنه استمع إلى غناء “نشيط الفارسي” الذي غنى في حلب فحفظه وركب عليه شعراً عربياً وغناه كما ينسب إلى سعيد بن مسجح تركيب الأشعار العربية على غناء الفرس والروم وغيرهما.
وأشار مراد إلى أهمية اعتبار القدود الحلبية جزءاً من التراث اللامادي الإنساني كونها حاملة لتراثنا المشرقي وثقافتنا المتنوعة وتحظى بجماهيرية في الأوساط الشعبية والمثقفة وهي ذات تأثير في المجتمع كما تتصف بالغنى على الصعيدين الفكري والإبداعي إضافة إلى قدرتها على حمل هموم الناس ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم.
الفنان رامي حاج حسين عازف طنبور أشار إلى أن القدود الحلبية ظهرت بالتوازي مع الموشح الذي جاء من الأندلس ويختلف عن القد بأنه مؤلف من ثلاثة مقاطع هي مطلع ودور وقفلة لكل منها قافية مختلفة وتحمل لحناً بسيطاً قصيراً مشيراً إلى أن القد ظهر ككلام جديد على لحن قديم.
ولفت حسين إلى أن القدود الحلبية نوع من القوالب الموسيقية الشرقية استطاعت أن تثبت وجودها وجدارتها في المنطقة والعالم بسبب جزالتها وقربها من الوجدان الجمعي ولو لم تكن مهمة جداً لما بقيت في الوجدان وتركت بصمة في الموسيقا معتبراً أن تصنيفها من اليونيسكو كجزء من التراث اللامادي أمر طبيعي وحق مكتسب.
سيرياهوم نيوز 6 – سانا