بعد صدور القرار الرئاسي القاضي بتشكيل مجلسٍ للأمن القومي في سورية فإن أول ما ننتظره من هذا المجلس هو وقف مذابح العلويين والمسيحيين وحماية من تبقى منهم عبر خطة أمنية أولها إخراج المجموعات التكفيرية من مناطقهم، وتشكيل قوات حماية مشتركة من الهيئة ورجال البلدات والأحياء المُهدَّدَة، بالإضافة إلى لجان تحقيق مختصة لتوثيق الجرائم والانتهاكات، وإعادة الممتلكات لأصحابها، وتأمين وصول مساعدات المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية إلى السكان، ومحاسبة منابر التحريض الطائفي إن كانت في الجوامع أو على وسائل التواصل، ومحاكمة المتورطين في إشعال الأحداث من كل الأطراف، فيما لو أرادت الإدارة الحالية أن لا تخسر ما تبقى من ثقة الشعب السوري وبالتالي عدم تحقيق وحدته وسيادته التي تشكل بنيان الدولة المدنية .
فمازالت دائرة الخوف السوري تتسع في فؤاد العالم وضميره منذ أول شهيد مدني سقط قبل خمسة عشر عاماً في درعا حتى آخر شهيد يسقط الآن في بانياس وجبلة.. فقد تمدد الخوف السوري إلى أرجاء العالم المتحضّر الذي ينادي اليوم بوقف مجازر الساحل السوري على أيدي التكفيريين الذين تسربوا إلى فصائل الجيش السوري الجديد وباتوا يشكلون خطرا على تماسك الجيش ووحدة الشعب السوري، وأصبح لزاما على القيادة الحالية العمل على إعادة هيكلة الجيش الوطني بما يتلاءم مع العقيدة العسكرية الحديثة التي تتحلى بها الجيوش المعاصرة، بدلاً من العقيدة الجهادية التي كانت تَسِمُ الجيوشَ الإسلامية في العصور القديمة.. ذلك أن إعادة إنتاج الماضي السلفي سوف يخرجنا من سياقات الحاضر ويعزلنا عن العالم، كما هو حال دولة طالبان في أفغانستان.. إذ لن يستمر العالم المتمدن في مدِّ يده للوصول إلينا طالما أننا ننأى عنه لنوغل في كهفنا الأفلاطوني وظلاله المخادعة..
فالجغرافية التاريخية قد وضعت سورية على مفترق طرق العالم وأطماع دوله الكبرى، وستستمر، طالما أن كل المسارات الدولية مازالت تتصادم مع بعضها فوق الساحة السورية لتصيب منا مقتلاً، منذ أن كان الفرس واليونان يتصارعون علينا وصولا إلى يومنا الحاضر حيث يواصل أحفادهم صراعهم علينا، وفي طريقهم يشعلون عصبياتنا وثاراتنا لكي يفككوا نسيجنا الاجتماعي ونغدوا أكثر هشاشة في مواجهة مخططاتهم.. وللأسف لم يتعظ السوريون بدروس خمسة آلاف عام من الصراع على بلادهم بعد بدليل أنهم مازالوا يعيدون إنتاج خلافاتهم وانقساماتهم كل حين بدلا من العمل على تحصين بلادهم وتوحيد مكوناتها البشرية!؟
لازالت صلاحية بنود ندائنا الذي أطلقناه قبل شهرين مناسبة للتغيير، إذ أثبتت تجارب الأمم أن الانتقام يستدعي الثأر، وأن الدم يجر الدم، وأن السلام دِيَّة المسامحة والمصالحة بين السوريين، ممن ظلموا أنفسهم قبل أن يظلمهم غيرهم، ولنا في تجارب راوندا والجزائر وجنوب أفريقيا عظة حسنة، حيث أدركت هذه الدول أن مكوناتها العرقية والدينية تشبه الأواني المستطرقة إذا انكسر أضعف أنبوب فيها فسوف يختل توازن ماء سائر الأنابيب المتشاركة في السكن والعمل والتعليم… وبالتالي فإن الأذى الحاصل على أي مكون سوف ينتقل إلى المكونات الأخرى خلال مدة زمنية قصيرة ولن ينجو منها أحد، وهذا ما نخشاه في عمليات استهداف الطائفة العلوية وغيرها من المكونات السورية، حيث الذئاب الرمادية التي تفترس الخرفان السود اليوم ستنتقل حكماً إلى الخرفان البيض غداً، كما حصل للسوريين إبّان سيطرة تنظيم القاعدة على مدنٍ لم يكن يوجد فيها أغنام سوداء..
(أخبار سوريا الوطن١-صفحة التجمع)