بقلم:مريم كدر
كلّ أمة تبتغي صناعة المجد في حاضرها ومستقبلها ، عليها الاحتفاء بتاريخها والعودة إلى أحداثه ، من أجل الاستلهام منها والاقتداء ببطولاته وصنّاع أمجاده ، وذلك عبر استحضار الحدث ونثر كوامنه ومفاعيله أمام الأجيال ، على نحو ما فعل د. غسان الكلاس في جهده البحثي وكتابه ( ميسلون و يوسف العظمة) ،الصادر عن دار المقتبس دمشق – بيروت ٢٠٢١.. وفيما نطل على الذكرى الثانية بعد المائة ، لملحمة ميسلون ، التي تبدت فيها بسالة السوريين من كل أنحاء الوطن ، لعلها مناسبة ومن دواعي الغبطة ونحن نتوقف مع صفحات الكتاب ، ، استذكار اثنين من بلدتي صدد التي تغفو على أطراف البادية، كان لهما شرف المشاركة في تلك المعركة الخالدة بقيادة العظمة ،هما مطانس السلمون(١٨٩٧_١٩٧٠) ومخول الحصيري(١٩٠١_١٩٨٩). على مدى ٤٧٤ صفحة من القطع العادي ، يدهشك كتاب ميسلون يوسف العظمة لمؤلفه د. الكلّاس ، ولا غرو فهو الباحث الموسوعي المجد ، الذي يحيط بموضوع بحثه إحاطة شاملة غير مغفلٍ لأي جانب من جوانبه ، تراه المؤرخ الدقيق الذي يتناول بذكرى مئويتها ، كل ماكُتب عن الواقعة منذ ١٩٢٠ وحتى ٢٠٢٠ واضعاً معطياتها ومفاعيلها في سياقها التاريخي… على نحوشيق ، يسوق الكلاس إلينا أفكاره ، بأسلوب رائع من التكثيف والإيجاز، الذي لايخلّ بالمعنى ، مستخدماً عبارات رشيقة سائغة ، مدهشاً القارئ بالكم الكبير من الغنى والتنوع المعرفيين وببراعة الاستشهاد. وقد كان الكاتب موفقاً بدايةً في اختيار العنوان الذي بدت له وظيفة دلالية حيث ذكر اسم الملحمة ، عاطفاً عليه اسم شهيدها البطل ، فكما قال توماس كارليل(إن تاريخ العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء).. وقد حالفه التوفيق ، عندما استهل بعبارات عن معركة ميسلون ، لرئيسين رمزين من رؤساء سوريا هما القائد المؤسس حافظ الأسد باني سوريا الحديثة ، وشكري القوتلي الذي عرف بنشاطه السياسي في مقارعة الانتداب الفرنسي، لدرجة صدور أكثر من حكم إعدام بحقه . حتى إهداء الكتاب، لحفيده طلال الذي تزامنت ولادته مع وضع اللمسات الأخيرة للكتاب ، له دلالة رمزية ، فكأنه يقول للجيل القادم ، أنتم الوعد والأمل ، وعليكم تعوّل الأمة في صناعة أمجادها ورسم مستقبلها ، وتابع ممهداً بقول للمفكّر ساطع الحصري عن أهمية موقعة ميسلون وقد قّسم المؤلف كتابه إلى قسمين ، تناول في القسم الأول الكتب التي صدرت عن مجريات ونتائج الواقعة وصنّفها مرتبة في أربع مجموعات : ١- مؤلفات الذين عاصروا المرحلة أو شاركوا فيها ٢_مؤلفات المؤرخين والكتّاب الذين أرّخوا للمعركة في أطرها التاريخية والسياسية والعسكرية ٣_ مؤلفات تناولت شخصية البطل الشهيد يوسف العظمة ٤_صور ما ورد في بعض الموسوعات أما القسم الثاني والذي أسماه(صدى ميسلون في الآداب والفنون) ، فقد تناول الأثر الذي تركته الواقعة في الأدب ، من شعر ومسرح ، كما في الدراما بأنواعها ، سينمائية وتلفزيونية وإذاعية ، دون أن ينسى الفن التشكيلي بمختلف أنواعه ، ولم يغفل حتى الطوابع التذكارية ، وعندما ذكر أثرها في الصحافة نوّه بحاجة الموضوع إلى المتابعة والرصد. وألحق المؤلف بقسمه الثاني ، العديد من الصور التي جسّدت المعركة وشهيدها القائد . واللافت في نهاية الكتاب ذكر مجموعة من المراجع والمصادر فاسحاً المجال لمن يريد التوسع والاستزادة، بعد هذا الجهد المبذول في هذا الكتاب، والأسلوب البارع الذي كتب به. مريم كدر -شاعرة
(سيرياهوم نيوز6-خاص بالموقع21-6-2022)