بيروت حمود
يُطرح مشروع «الحرس القومي»، غداً الأحد، على طاولة الحكومة الإسرائيلية، تمهيداً لإقراره في إطار المقايضة التي تمّت بين بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير، والتي وافق بموجبها الأوّل على تشكيل هذه القوّة، مقابل قبول الأخير بتعليق مسار «الإصلاحات القضائية». وإذ يحتدم الجدل في إسرائيل حول حدود صلاحيات «الحرس»، والغاية من تشكيله، وما إذا كان بن غفير سيستخدمه ضدّ خصومه السياسيين، فإن حفلة المساومات الجارية في الكيان تؤكّد مجدّداً أن الشقاق الحاصل على شكل «الدولة» وهويّتها، إنّما يستريح تماماً عندما يصل إلى سقف الإجماع الصهيوني، والذي يكاد يكون الدم الفلسطيني عنواناً وحيداً له
سجّل وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، «إنجازاً جديداً» عندما انتزع من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، التزاماً خطّياً بإنشاء «الحرس القومي»، مقابل موافقته على تأجيل «الانقلاب القضائي». بحسب «القناة الـ12» الإسرائيلية، كان بن غفير «العامل الرئيس الذي صعّب على نتنياهو الخروج بهذا الإعلان، بعدما هدّد بحلّ الحكومة»، غير أن الالتزام المذكور، إضافة إلى وعد بتلقّي مكتب بن غفير ميزانيات إضافية، أدّيا إلى «حلّ الأزمة». غير أن هذه المقايضة تثير، وفق القناة نفسها، «تساؤلات حول حقيقة ما صرّح به نتنياهو إلى وسائل الإعلام الأميركية عند تشكيل الحكومة، من أنه سيقود الأخيرة مع وضع يديه الاثنتين على العجلة»، إذ إن بن غفير أمسك بخناق الحكومة لساعات طويلة، ولوّح بتعطيل التصويت على الميزانية، على رغم أن زملاءه، بمن فيهم عرّاب «الانقلاب»، وزير القضاء ياريف ليفين، أعلنوا أنهم سيؤيّدون أيّ قرار يتّخذه رئيسهم؛ ولذا، فإن «اليد التي تقود عجلة الحكومة ليست هي يد نتنياهو».
ad
وبمعزل عن الطريقة التي أَخضع بها بن غفير نتنياهو، ليوافق الأخير على إنشاء «الحرس القومي» الذي سيوضع على طاولة النقاش يوم غدٍ الأحد في الجلسة الأسبوعية للحكومة، فإن حقيقة كون «الحرس» سيُخضَع مباشرة لإمرة وزير «الأمن القومي»، شكّلت بحسب الإعلامي الإسرائيلي، يارون أبراهام، سبباً رئيساً من أسباب الأزمة المتفاقمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ إذ إنها تعني، كما نقل أبراهام عن مسؤول أميركي رفيع، «إقامة شرطة خاصة ببن غفير». على أن القرار لم يُثِر غضب الإدارة الأميركية فقط، بل انضمّ إلى موجة رفضه أيضاً مفتّشون سابقون وحاليون وقادة في جهاز الشرطة، في مقدّمتهم المفوّض السابق، موشيه كرداي، الذي عدّ، في مقابلة سابقة مع «القناة الـ12»، «حرس بن غفير «مشروعاً خطيراً سيؤدي إلى تجنيد عناصر متطرّفين لخدمة جهاز أمني يسيطر عليه حزب سياسي، ولا يخضع للمفتش أو المفوّض العام أو الأجسام التراتبية الأخرى في هيكل مؤسّسة الشرطة». وتَقاطع موقف كرداي مع رؤية ضباط في الشرطة وصفوا «الحرس» بأنه «ميليشيا ستتدخّل في عمل الشرطة في أوقات الطوارئ والأزمات والأحداث الحساسة، بينما هي تأخذ تعليماتها من شخصية سياسية».
ad
ما هو معلوم، إلى الآن، أن «الحرس القومي» «سيستند إلى قوات نظامية وألوية تكتيكية»
إزاء ذلك، يحاول بن غفير طمأنة الإسرائيليين إلى أن نطاق عمل «الحرس القومي» سينحصر في «التعامل مع الهجمات الإرهابية أو الاحتجاجات» على غِرار هَبّة أيار، أي أنه سيكون «متخصّصاً» بفلسطينيّي الـ48. إلّا أن «الـ12» طرحت شكوكاً في ما إذا «كان بن غفير، بعد أن تُوافق الحكومة على مشروعه، سيتقبّل معارضة مهنية من قائد الشرطة يعكوف كوبي شبتاي، وقائد شرطة تل أبيب عامي أشاد، أم أنه سيوجّه قوّاته لقمع المتظاهرين الإسرائيليين؟». وفي الاتّجاه نفسه، كانت القناة قد احتملت أن «يُستخدم الحرس القومي ضدّ خصوم سياسيين ولمصلحة مؤيّدين»، فيما أشارت صحيفة «ذي ماركر» الإسرائيلية إلى أن «وزارة الأمن القومي حصلت على زيادة في ميزانيتها بمبلغ 9 مليارات شيكل، ستُستخدم لصالح إقامة “الحرس القومي”»، علماً أن هذه الزيادة هي «لمرّة واحدة وليست دائمة – أي للسنة الحالية والمقبلة فقط -، وهي ليست في إطار ميزانية الدولة»، التي صادقت عليها الهيئة العامّة لـ«الكنيست» بالقراءة الأولى خلال الأسبوع الجاري.
ad
على أن المفارقة هي أن هناك «حرساً قومياً» قائماً بالفعل اليوم، أسّسه رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، قبيل استقالته من منصبه بأيام، وهو يخضع للشرطة مباشرة، ويقوده الكولونيل في «حرس الحدود»، نير إلياهو، وينفّذ مهمّات عديدة من بينها الاشتراك في «مكافحة الجريمة» في الداخل، وتعزيز القوات في الضفة الغربية وعلى الحدود الشمالية. إلّا أنه طبقاً لِما نقلته «القناة الـ12» عن مصدر في الشرطة فإن «بن غفير يريد إقامة قوّة منفصلة، وليس أن يأخذ قوّات من الشرطة»، ما يعني أنه عندما ينشَأ «حرس قومي» جديد، «سيعود القديم إلى حرس الحدود وتطلَق عليه تسمية أخرى». ومن هنا، يشدّد الخبير في القانون والأمن القومي من «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية»، عَميحاي كوهين، على ضرورة «إجراء تنظيم قانوني لإطار عمل الحرس»، منبّهاً إلى وجود «مسألتَين من شأنهما إثارة إشكالية دستورية: الأولى تتعلّق بالصلاحيات التي ستُمنح لأفراد الحرس، فكلّما كانت الصلاحيات الشخصية والتنظيمية أوسع، حوّلت أصحابها إلى قوّة شرطة حقيقية موازية»؛ والثانية هي «التبعية»، أي «هل هذا إطار يخضع لإطار الشرطة الموجودة ولقواعدها ولطريقة إدارتها ولكلّ ما هو مقرون بذلك؟ قد يكون الحال عندها أقلّ إشكالية، ولكن إذا كان هذا الإطار منفصلاً بالمطلق، ويخضع مباشرة للوزير مع قدرات وصلاحيات، فإنه سيكون أكثر إشكالية». وينبّه كوهين إلى الفارق بين الشرطة والجيش، «فالأخير يعمل ضدّ أعداء الدولة، والمستوى السياسي ينبغي أن يسيطر عليه»، إلّا أنه لدى الحديث عن «قوّات شرطة لديها صلاحيات ضدّ مواطنين، تتعالى المخاوف من أيّ سياسي قد يستخدمها ضدّ خصومه السياسيين ولصالح مؤيديه».
ad
ما هو معلوم، إلى الآن، أن «الحرس القومي» «سيستند إلى قوات نظامية وألوية تكتيكية، ستعمل في الفترات العادية في مكافحة الإرهاب وتعميق القدرة على الحكم والنظام العام من خلال استخدام وسائل تكنولوجية ومخابراتية، وكذلك من خلال التركيز على قدرات الانتقال إلى أحداث طارئة»، كما سيستند إلى «قوات احتياط ومتطوعين لمضاعفة القوة في مواجهة السيناريوهات المذكورة». وكان بن غفير اقترح «تشكيل لجنة برئاسة المدير العام لوزارته، وتضمّ مندوبين من وزارات أخرى والشرطة والجيش، تُقدّم توصياتها خلال 60 يوماً من أجل تشكيل “الحرس القومي”». وبينما لم يتطرّق بن غفير إلى ميزانية الميليشيا الخاصة به، كشفت صحيفة «هآرتس» أن هذه «الميزانية ستكون نصف مليار شيكل سنوياً، بحسب التقديرات»، مشيرةً إلى أن «هناك مفاوضات بين وزارة الأمن القومي ووزارة المالية، التي يتولّاها بتسلئيل سموتريتش، ومن الجائز أن تُقلَّص ميزانيات وزارات أخرى لصالح ميزانية “الحرس القومي”».
ad
وبعيداً من الجدل الداخلي الإسرائيلي، فإن مشروع «الحرس القومي»، شأنه شأن مشاريع أخرى أُعدّت لإخراج إسرائيل من أزماتها، سيأتي حتماً على حساب الفلسطينيين. وفي هذا الإطار، ترى عضو «الكنيست» سابقاً، والناشطة السياسية في حَراك «الحقيقة» ضدّ تفريط البطريرك اليوناني، ثيوفيلوس، بأملاك الكنيسة الأرثوذكسية لصالح المستوطنين، نيفين أبو رحمون، أنه لا يمكن تفسير هذا المشروع «إلّا بربطه بحقيقة أن إسرائيل بنت نفسها كمنظومة استعمارية، وأن القوى الشرطيِة هي القوى الأساسية التي تُعزّز تعاملها القمعي مع الفلسطينيين». وتلفت أبو رحمون، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه «عندما عُيّن بن غفير في منصبه الجديد، أدخل تعديلات على الوزارة نفسها، أولاً على مستوى اسمها، وثانياً على مستوى صلاحياتها وخصوصاً في البلدة القديمة والمسجد الأقصى وتجاه فلسطينيّي الداخل»، مضيفة أن بن غفير «يريد عملياً تعزيز حضور الأمن الوطني ربطاً بالأمن القومي، بصفته الوصيّ الوحيد على هذا كلّه». وتعتقد أنه «بغضّ النظر عن الضمانات الموجودة بعدم استخدام هذه القوّة ضدّ الإسرائيليين، فإن مجرّد المساومة على ذلك، تؤكد في نهاية المطاف أن الاحتجاجات التي اندلعت، والصراع على شكل الدولة وهويّتها، كلّ ذلك قد ينتهي بتوزيع الحصص الذي غالباً ما يأتي على حساب الفلسطينيين».
ad
ومن هنا، تؤكد «(أنّنا) كفلسطينيين لم نكن ننتظر ذلك لنعرف أن الحرس القومي هو أداة أخرى هدفها قمع تحرّكنا السياسي وتحرّكنا في الشارع، وخصوصاً أن هذا المشروع يأتي بموازاة تشريعات جديدة لتجريم العمل السياسي، انطلقت بالأساس من الدروس والمستخلَصة من هبّة أيار». وترى أبو رحمون أن «عنوان المرحلة المقبلة سيكون مواجهة الإرهاب، بتعبير بن غفير، وهو تعبير فضفاض وواسع يطاول كلّ مناحي حياة الفلسطينيين، سواء في الشارع أو في الفضاء الإلكتروني»، مضيفةً أن «”الحرس القومي” هو الحلّ الذي ارتآه بن غفير لمسألة فقدان السيطرة الذي شهدته إسرائيل في هَبّة أيار، وخصوصاً في المدن المختلطة مثل اللد والرمل وعكا ويافا وحيفا»، عادّةً ذلك «مؤشّراً خطيراً إلى ما قد يُقبل عليه الفلسطينيون»، وحافزاً إلى ضرورة الاتفاق على «مشروع سياسي جامع قادر على مواجهة كلّ هذه السياسات».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية