آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » مُناقشة “هادئة” لما ورد في مُقابلة الأمير محمد بن سلمان مع “فوكس نيوز” حول “التطبيع”

مُناقشة “هادئة” لما ورد في مُقابلة الأمير محمد بن سلمان مع “فوكس نيوز” حول “التطبيع”

عبد الباري عطوان

فجّر وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان الحاكِم الفِعلي للمملكة قنبلةً من العِيار الثقيل في حديثه لمحطّة “فوكس نيوز” الأمريكيّة عندما أعلن أنّ بلاده تقترب كُلّ يومٍ أكثر من التّطبيع مع دولة الاحتِلال الاسرائيلي، وأنّ المُفاوضات التي يُجريها مع إدارة الرئيس جو بايدن في هذا الشّأن ما زالت مُستَمرّةً وتُحقّق تَقَدُّمًا.

لا نعرف الأسباب التي دفعت وليّ العهد السعودي للإقدام على هذه الخطوة، وفي هذا التّوقيت، خاصَّةً بعد الإنجازات الاقتصاديّة والإصلاحات الداخليّة الضّخمة التي حقّقتها إدارته في الأعوام السّبعة الماضية، وفكّ الارتِباط التّاريخي مع الهيمنة الأمريكيّة على المملكة، والانفِتاح بشَكلٍ مدروس على التّحالف الصيني- الروسي الصّاعد، والانضِمام إلى منظومة “بريكس” البديل المُنافس لنظيراتها الغربيّة المُتآكلة، مِثل صندوق النقد الدولي، وقمّة السّبع، وحِلف النّاتو، والسّاعية لترسيخ أُسس نظام مالي جديد على أنقاضِ النّظام الأمريكيّ القديم الذي هيمن على مُقدّرات العالم مُنذ الحرب العالميّة الثانية.

***

الأمير محمد بن سلمان حقّق شعبيّةً كبيرةً داخِل المملكة وخارِجها خاصّةً، وفي مُحيطها العربيّ والإسلاميّ تحديدًا، عندما أعادَ الاعتِبار لسِلاح النفط، وحقّق له أسعارًا عادلة، بالتّنسيق مع روسيا، ثاني أكبر دولة مُنتجة ومُصدّرة للنفط في العالم من خِلال التوصّل إلى اتّفاقِ “أوبك بلس”، ورفض كُل الضّغوط الأمريكيّة لزيادة الإنتاج لتخفيض الأسعار لمُساعدة الاقتِصاد الغربيّ على حِساب الدّول المُنتجة ومُعظمها من دُول العالم الثالث، حتى أن نسبة كبيرة من الشّباب بايعوه قائدًا للمَرحلةِ المُقبلة.

المملكة العربيّة السعوديّة التي أكرمها الله بخدمة الحرمين الشريفين، والملايين من الحُجّاج والمُعتمرين، ليست بحاجةٍ إلى التّطبيع مع دولةٍ مُحتلّة عُنصريّة للحرم الثالث، وأرض فِلسطين العربيّة المُسلمة، وترتكب مجازر حتّى في حقّ الأطفال، لأنّ هذا التّطبيع إذا ما تم قد يُزلزِل أمن المملكة واستِقرارها، ويُؤثّر سلبًا على صُورتها في العالمين العربيّ والإسلاميّ.

فإذا كان الثّمن الأمريكي لهذا التّطبيع هو توقيع مُعاهدة حِماية ودِفاع مع واشنطن والحُصول على برنامج نووي سِلمي، فإنّها لا تحتاج إلى هذه المُعاهدة مع بلدٍ تتراجع قوّتها، وتخسر عرشها على سقف العالم، ومُتورّطة وحُلفاؤها في حربٍ في أوكرانيا، وربّما لاحقًا في تايوان، لن تخرج منهما مُنتصرة، وقد تنجرّ إلى حربٍ نوويّة، أمّا المفاعل النووي فتستطيع الحُصول عليه بسُهولةٍ من الصين، وروسيا، وحتّى كوريا الشماليّة، فمن يستضيف الرئيس الصيني في عاصِمته ويُرتّب لهُ ثلاث قمم، لا يحتاج إلى الولايات المتحدة، ولا دولة الاحتِلال العُنصريّة الفاشيّة، التي لا تُخفي أطماعها وإرث يهودها في مكّة والمدينة وخيبر، وتتّخذ من السّلام الإبراهيمي غِطاءً شرعيًّا في هذا الصّدد.

صحيح أن الأمير بن سلمان أكّد في المُقابلة على أهميّة قضيّة فِلسطين، وإيجاد حَلٍّ لها، ولكنّه حصر هذا الحل في تحسين أحوال الشّعب الفِلسطيني المعيشيّة ولم يَذكُر مُطلقًا مُباردة السّلام العربيّة التي كانت مُبادرة سعوديّة في الأساس التي ربطت التّطبيع بالانسِحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة، وإقامة الدّولة الفِلسطينيّة المُستقّلة وعاصِمتها القدس، وحقّ العودة الذي أضافه الرّئيسان اللبناني إميل لحود والسوري بشار الأسد إلى هذه المُبادرة وأصَرّا على اعتِمادها كاملةً من قِبَل القمّة العربيّة التي انعقدت في بيروت عام 2003، ونأمل أن يكون عدم التّأكيد على هذه المبادئ الجوهريّة جاء سَهْوًا، خاصّةً أن وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان أكّد عليها في كلمته أمام الاجتِماع الذي انعقد على هامِش دورة الجمعيّة العامّة للأُمم المتّحدة الحاليّة بحُضور وزراء خارجيّة ومُمثّلي 53 دولة وكيان، وبمُبادرةٍ سعوديّة مِصريّة أردنيّة.

الأمير بن سلمان تباهى مُحِقًّا بأنّ مملكته باتت تحتلّ المرتبة 17 على قائمة الدّول الأقوى اقتصاديًّا في العالم، وأنّها الأسرع نموًّا في منظومة الدّول العشرين، وهذا إنجازٌ مُشرّفٌ للأُمّتين العربيّة والإسلاميّة نفتخر به، ولن نُفاجأ إذا ما أصبحت المملكة وفي غُضونِ سنواتٍ قليلةٍ عُضوًا في مجموعة دول السّبع الأقوى اقتصاديًّا في العالم.

كُل هذه الإنجازات تحقّقت دُونَ أيّ تطبيعٍ مع دولة الاحتِلال، أو مُساعدةٍ منها، أو حتّى الولايات المتحدة ربيبتها، بشَكلٍ مُباشر أو غير مباشر، بل جاءت ويا للمُفارقة بعد تخفيضِ مُستوى العلاقات مع الأخيرة، أيّ أمريكا.

الشّعب الفِلسطيني يا سموّ الأمير الذي يُحارب الاحتِلال ويُقاومه، ويُقدّم الشّهداء بصُورةٍ يوميّة، يتطلّع إلى حياةٍ كريمة، وأوضاعٍ أفضَل، ولكن ليس تحت الاحتِلال، وإنّما في دولةٍ فِلسطينيّةٍ مُستقلّةٍ على كاملِ تُرابه الوطنيّ، وبدَعمٍ من أشقّائه العرب والمُسلمين، وعلى رأسِهم المملكة العربيّة السعوديّة، ولا نَشُكّ مُطلقًا بإيمانكِ بهذه الحقيقة.

عبارةٌ مُهمّة وجوهريّة وردت في المُقابلة واستوقفتنا كثيرًا، وهي التي أكّد فيها الأمير بن سلمان أن الاستِقرار في المِنطقة هو البوّابة الرئيسيّة للتنمية الاقتصاديّة والرّخاء، والمملكة خطت خطوات جيّدة في هذا الطّريق، عندما توصّلت إلى تهدئةٍ، وتجميدٍ للصّراع في اليمن، وانخرطت في مُفاوضاتٍ مع حُكومة صنعاء في الرياض، ووأدت الفِتنة الإسرائيليّة الأمريكيّة بإذكاء فتيل الحرب الطائفيّة في المِنطقة باتّفاقها التّاريخي مع إيران، ولكن ربّما يُفيد التّذكير بأنّ التّهديد الأكبر للأمن والاستِقرار وإشعال فتيل الحُروب في المِنطقة، على مدى 75 عامًا هي دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي تُريد أمريكا التخلّص من عبئها الثّقيل بتصديره إلى المملكة العربيّة السعوديّة وعاتِقها عبر اتّفاق التّطبيع، وهو ليس عبءٌ ثقيلٌ فقط وإنّما ملغومٌ أيضًا، خاصّةً أن هذا الكيان وباعترافِ مُفكّريه وسياسييه وقادته السّابقين لن يُكمِل عامه الثّمانين.

 

***

أمريكا التي دمّرت العَراق، وسورية، وليبيا، وأفغانستان، واليمن، لا تُريد الخير للعرب والمُسلمين، وبتحريضٍ إسرائيليّ، وتستخدم التّطبيع والتّجويع (لمن يُعارضه ويُقاومه) كأدواتٍ في هذا الصّدد، ولا نعتقد أن الأمير محمد بن سلمان لا يُتابع الأحوال السيّئة جدًّا التي تعيشها دُول عربيّة وقعت في مِصيَدة التّطبيع هذه، فحتّى “طريق بايدن” الذي يُريد الرّبط بين الهند وأوروبا عبر الشّرق الأوسط ومُرورًا بحيفا هو آخِر اختِراعات المكْر الصّهيوني، وإلّا لماذا تمّ تجاوز دُول عُظمى مِثل العِراق ومِصر وسورية وإيران وتركيا، وأصرّ على “حشْر” دولة الاحتِلال التي لا تزيد مِساحَتها وعدد سكّانها أحد أحياء مِصر أو تركيا أو العِراق؟

خِتامًا نقول يا سموّ الأمير إنّ إيران لا تملك قنبلةً نوويّة ومن حقّك، وحقّنا جميعًا كعرب أن نسعى لامتِلاكِ قُنبلةٍ مُماثلة، ولكنّنا نجزم بأنّ امتِلاك إسرائيل لأكثر من 200 رأسٍ نوويّ أخطر بكثير علينا من القُنبلةِ الإيرانيّة التي ما زالت في حُكم الغيب، وتتعهّد أمريكا بوَأدِها ومنْع صِناعتها بتحريضٍ إسرائيليّ.

 

 

 

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مسيرات اليمن في 460 ساحة.. تحت شعار “مع غزة ولبنان.. دماء الشهداء تصنع النصر”

  خرجت مسيرات حاشدة، اليوم الجمعة، في محافظات صعدة ورَيْمَة ومأرب وعدد من مديريات محافظات عَمْران وإب وتعز وحَجَّة وذَمَار والجوف والمَحْوِيت نصرة للشعبين الفلسطيني ...