علي عواد
مع تزايد الاهتمام العالمي بالصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، يواجه الكيان العبري تحدياً غير مسبوق في الحفاظ على سمعته على منصات التواصل الاجتماعي، بعدما انعكس تبدلاً في عقلية الجمهور الغربي نحوه. في العقود الماضية، اعتمدت إسرائيل على تبرير عملياتها العسكرية بوصفها «دفاعية»، إلا أنّ منصات التواصل فضحت هذه الروايات، وخصوصاً في أعقاب حرب الإبادة والتطهير العرقي المستمرة على غزة وتصاعد العدوان على لبنان. عندما تُنقل صور القصف والضحايا المدنيين مباشرةً إلى العالم، يصعب على إسرائيل السيطرة على السردية كما كان يحدث سابقاً عبر الإعلام الغربي التقليدي. ورغم النفوذ الكبير الذي تتمتع به على منصات التواصل القديمة، ولا سيما فايسبوك، إلا أن أحدث التقارير الإسرائيلية أظهرت مكامن ضعف الاحتلال على الساحة الرقمية، تحديداً في تيك توك، وكشفت عن غير قصد عن منصات تتيح لقوى التحرر التأثير على الإسرائيليين عبر إعلام بديل يقدم منظوراً يتجاوز السرديات التي يروج لها قادة
في ظل التحولات الكبرى التي أحدثتها منصات التواصل الاجتماعي، تواجه إسرائيل أزمة غير مسبوقة تتعلق بصورتها وشرعيتها الدولية. وفقاً لما ورد في مقال نشرته مجلة 972mag الإسرائيلية في 2 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، لم تعد إسرائيل قادرة على الحفاظ على سمعتها العسكرية بعد الفشل الواضح في عملياتها، وخصوصاً في لبنان. كانت الدعاية العسكرية الإسرائيلية تهدف إلى تقديم «الجيش» بمثابة قوة «لا تقهر»، ولكن الفشل في تحقيق النصر في حرب 2006 أدى إلى اهتزاز هذه الصورة، ما دفعها إلى التركيز على بناء روايات جديدة تعزز صورتها أمام الرأي العام.
سعت إسرائيل لاحقاً إلى استعادة هذه السمعة عبر دمج قدراتها العسكرية مع الابتكارات التكنولوجية. تقرير نشره موقع «كالكاليست» الإسرائيلي المتخصص في التكنولوجيا بتاريخ 2 تشرين الأول الحالي، يشير إلى أنّ قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على التعاون العسكري، إذ تُستخدم برمجيات وأدوات طورها «جيش» الاحتلال في القطاع المدني والتجاري. تعزز هذه الشراكة صورة إسرائيل كدولة رائدة تقنياً، لكنها تكشف أيضاً ارتباط هذه الابتكارات ببرامج تجسّس ومراقبة، مثل تلك التي تستخدم ضد الفلسطينيين والصحافيين والمعارضين. دفع هذا الواقع عدداً من النشطاء الدوليين إلى إطلاق حملات تدعو إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، معتبرين أنّ التكنولوجيا الإسرائيلية هي امتداد للهيمنة العسكرية.
تلجأ إسرائيل إلى أساليب دعائية لمواجهة الانتقادات المتزايدة، مثل توظيف شركات علاقات عامة وتكنولوجيا لتعزيز الرواية الرسمية. ومع ذلك، تظهر مشكلات حقيقية في نجاح هذه الإستراتيجيات بسبب عولمة المعلومات وسرعة انتشار المحتوى على الإنترنت. وهذه الضغوط الرقمية لا تأتي فقط من الشعوب العربية، بل من ناشطين في أوروبا، وأميركا اللاتينية، وأجزاء من الولايات المتحدة، ما يعكس فقدان إسرائيل القدرة على احتكار السردية. وما يزيد من تعقيد المشهد بالنسبة إلى إسرائيل هو قوة الفضاء الرقمي في تقويض هذه السرديات. فكلما شنت إسرائيل حملة عسكرية، تنتشر على منصات التواصل مشاهد القصف والضحايا المدنيين، ما يُفشل جهودها في تبرير عملياتها كإجراءات دفاعية. خلقت هذه الديناميكيات الرقمية تحدياً إضافياً للسياسات الإسرائيلية، وخصوصاً في ظل صعود «جيل الإنترنت» الذي يرفض الروايات الرسمية ويعتمد على مصادر بديلة.
تدرك إسرائيل أنّ الخطر لا يكمن فقط في النقد الموجه ضدها، بل في فقدانها القدرة على احتكار الرواية الإعلامية في العالم. إذ بدأت حملات المقاطعة الرقمية تؤثر بشكل ملموس على علاقاتها الدولية وعلى الاستثمارات في قطاعها التكنولوجي. تُبرز هذه الدينامية كيف أن الحرب لم تعد تُخاض فقط بالسلاح، بل أيضاً عبر السردية والمعلومات. وفي هذا السياق، تقدم المقاومة نموذجاً مضاداً عبر توظيف الفضاء السيبراني لتعزيز رواياتها وكشف الانتهاكات الإسرائيلية. الدعوات التي أطلقتها مجموعات مثل «أنونيموس»، وبيان أبو عبيدة الذي حثّ على توحيد جهود القراصنة ضد الاحتلال، يعكسان تحوّل الفضاء السيبراني إلى ساحة نضال جديدة، لتصبح معركة التحرر متعددة الأوجه: معركة على مستوى المقاومة المسلحة والسردية، والتكنولوجيا، والرأي العام.
يورد موقع «كالكاليست» كيفية تحوّل تطبيق تليغرام منصةً حيوية في الكيان العبري، خاصة بعد عملية «طوفان الأقصى». إذ أصبح مصدراً رئيسياً للتحديثات الفورية، ونشر المعلومات بسرعة لا تستطيع وسائل الإعلام التقليدية مجاراتها. ويكشف عن وجود مجموعات Groups يصل أعداد متابعيها إلى مئات الآلاف، يتبادلون التنبيهات العاجلة حول التهديدات الأمنية، والصليات الصاروخية، وغيرهما من التطورات مباشرة من الميدان. وغياب الرقابة الكاملة على المنصة يسمح بالوصول غير المقيد إلى المعلومات، ما يجعلها أداةً أساسية للأخبار الفورية. وهنا، يمكن للمرء أن يتخيّل إمكانية وجود مجموعات ناطقة بالعبرية ينضم إليها المستوطنون، تقدم لهم نظرةً واقعيةً مختلفة. كذلك، يورد التقرير أنّ طبيعة تليغرام المتفلتة من الرقابة تقريباً، تزعج المسؤولين الإسرائيليين الذين يضطرون إلى تكذيب «الشائعات» التي تنتشر بسرعة. على المقلب الآخر، يشير موقع «كالكاليست» إلى أنّ منصة تيك توك الصينية، قدّمت لإسرائيل تحدياً كبيراً في مجال «العلاقات العامة». إذ تعمل هذه المنصة، التي يفضلها الجمهور الشاب، خاصة من جيل Z، ضمن بيئة سريعة الوتيرة «تحدد الاتجاهات والعواطف السرديات».
سوّقت الدعاية الإسرائيلية «الجيش» بصفته قوة «لا تقهر» حتى نصر تموز 2006
ورغم الجهود الديبلوماسية لإدارة الصورة العالمية لإسرائيل عبر القنوات الإعلامية التقليدية، إلا أنّ تيك توك نجح في الهروب من هذه الإستراتيجيات، ما أتاح للمشاعر المؤيدة لفلسطين أن تزدهر بشكل طبيعي. وفي غضون ساعات من بدء الحرب، انتشرت الحملات المناهضة لإسرائيل على التطبيق، متفوقةً على أي استجابة رسمية من فرق العلاقات العامة الإسرائيلية. ولعلّ أوضح عبارة كتبها الموقع في ما حدث على تيك توك، هي أن «الضغط كان هائلاً إلى درجة أن عدداً من المؤثرين الدوليين شعروا بأنهم مضطرون إلى التعبير عن موقفهم من القضية، حتى لو لم يكن محتواهم سياسياً على الإطلاق». أمر أسهم في حركة متنامية أدت إلى احتجاجات واسعة النطاق في الجامعات الأميركية الكبرى وفي أنحاء العالم. ويكمل التقرير أنّ فشل إسرائيل في التفاعل على تيك توك، لا يبرز فقط أهمية المنصة في التواصل الحديث، بل يشير أيضاً إلى الحاجة إلى «إعادة تقييم الإستراتيجيات للتواصل مع الجماهير الشابة».
بالنسبة إلى بقية مشهد وسائل التواصل الاجتماعي، يوضح الموقع العبري أنّ شركة «ميتا» ومنصتها الرئيسية فايسبوك تواصل ممارسة تأثير كبير، وخصوصاً في مواجهة «الأخبار الكاذبة» و«المعلومات المضللة». ورغم المنافسة من منصات مثل تيك توك وإكس، يبقى فايسبوك «حاسماً للفئات العمرية الأكبر». في المقابل، تحولت «إكس» تحت قيادة إيلون ماسك إلى أداة للفوضى، يستخدم فيها ماسك نفوذه لتشكيل روايات يمكن أن تؤثر على الأسواق والديناميات السياسية.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار