آخر الأخبار
الرئيسية » الأخبار المحلية » نحو اتفاق أمني سوري – إسرائيلي: من هندسة الجنوب إلى إعادة توزيع النفوذ

نحو اتفاق أمني سوري – إسرائيلي: من هندسة الجنوب إلى إعادة توزيع النفوذ

.

عبدالله سليمان علي

 

يوم واحد يكفي لقلب زاوية الرؤية في دمشق وتل أبيب وواشنطن. وصول وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى العاصمة الأميركية لمناقشة مساري الاتفاق والعقوبات، وتصريحات الرئيس أحمد الشرع بأن النتائج قد تظهر “في الأيام المقبلة”، واجتماع لندن الثلاثي (الشيباني– رونالد ديرمر– توم براك) الذي امتد لساعات، كلها إشارات على أن الملف خرج من هامش التسريبات إلى عتبة القرار. لم يعد الجنوب السوري مجرد جغرافيا توتر، بل ساحة لإعادة توزيع النفوذ تُدار على طاولة التفاوض، وتُقاس فيها مكاسب اللاعبين بقدر ما يُسحب من السلاح، ويُجمّد من جبهات، ويُفتح من أبواب الاعتراف.

في الخلفية، تضغط إدارة ترامب لالتقاط “صورة سياسية” قبيل نيويورك: اختراقٌ قابل للتسويق يربط بين تقدّم المفاوضات الأمنية وفتح مسار رفعٍ دائم لما تبقى من العقوبات على سوريا. السيناتور ليندسي غراهام لا يخفي المعادلة: تقدّم في اتفاق الجنوب، وتموضع سوري صريح ضد “داعش”، مقابل نقاش جاد حيال “قيصر”. وعلى خطٍ موازٍ، أُعيد ترتيب فريق الملف السوري أميركياً، في رسالة مفادها أن القناة السياسية باتت أهم من إدارة الأزمة عبر منصّات إقليمية.

 

إسرائيل: تثبيت الوقائع لا الاكتفاء بالخرائط

إسرائيلياً، تتحرك المقاربة على مستويين: خريطة تفاوضية “قصوى” وخطوات ميدانية تُحوّل التفاوض إلى تحصيل حاصل. المقترح الذي كشفته مصادر إعلامية غربية يقوم على تقسيم الجنوب إلى ثلاث طبقات أمنية على غرار سيناء، مع منطقة حظر طيران من جنوب غرب دمشق حتى خط الفصل، وتمديد العازل داخل العمق السوري، والإبقاء على موطئ قدم في جبل الشيخ (حرمون). والأبعد من ذلك، بندٌ استراتيجي غير مُعلن سابقاً: الإصرار على ممر جوي عملياتي عبر الأجواء السورية يتيح لإسرائيل هامش ردع بعيد المدى في مواجهة إيران.

لكن تل أبيب لا تنتظر التوقيع كي تحصد المكاسب. من إنزال جبل المانع إلى توغلات القنيطرة ورفع العلم على تلال حساسة، ومن إدارة “الورقة الدرزية” إلى فرض معادلة “السلاح الثقيل خارج الجنوب”، تُكرَّس الوقائع على الأرض لتكون سقف أي تفاهم لاحق. هنا يقرأ الباحث علي جديد المشهد بوضوح: “إسرائيل تبرز كلاعب أساسي في بناء سوريا الجديدة، وتطالب بترتيبات أمنية تعكس دورها في إسقاط النظام السابق. الأداة العسكرية الإسرائيلية لا تضيّع الوقت: تدمير ترسانة، توغلات، وضبط أي احتمال لتحالفات مضادة”. ويحذّر جديد من ذاكرة الاتفاقات: “التاريخ يذكّرنا بأن إسرائيل لا تحترم اتفاقاتها عندما تتغيّر الظروف”.

 

سوريا: صفقة “ضرورية” بشروط السيادة

في المقابل، تتصرف دمشق بمنطق الضرورة السياسية: اتفاق محدود يُعيد الهدوء جنوباً، يحفظ المجال الجوي ووحدة الأرض تحت مظلة أممية، ويضع خطوط اشتباك واضحة، مقابل انسحاب تدريجي من مناطق التقدم الإسرائيلي بعد كانون الأول/ ديسمبر الماضي. الشرع يعتبر الاتفاق “ضرورة”، لكنه يشير إلى خط أحمر وجودي: الجولان خارج أي تنازل. عملياً، بدأت الحكومة بسحب السلاح الثقيل من درعا والقنيطرة منذ أسابيع، في ترجمة مبكرة للبند الأمني الأكثر حساسية، وربط مباشر بين الاستقرار الداخلي وجذب الاستثمارات: لا انتعاش من دون وقف الغارات والتوغلات وإقفال “ثغرة الجنوب” أمام أي تصعيد.

هنا تتقاطع السياسة مع الاجتماع. اتفاق السويداء وما عُرف بـ”النقاط السبع” (نزع السلاح الثقيل، مجالس محلية، إشراف أمريكي–أردني على التنفيذ…) لم يعد تفصيلاً إنسانياً بل ركيزة في هندسة الجنوب. اللجنة القانونية العليا في السويداء رفضت “إعادة إنتاج المركزية” وذكّرت بـ”حق تقرير المصير”؛ اعتراض يكشف هشاشة الشرعية المحلية، لكنه يُظهر في الوقت ذاته كيف باتت ترتيبات الجنوب مقياساً لمتانة الحكم الجديد. “اتفاق السويداء ليس مجرد خطوة أمنية، بل أداة لإعادة ترتيب المشهد الداخلي عبر إزاحة منافسين وتكريس صورة سلطة مركزية جديدة”، يقول جديد.

 

 

 

دبابة إسرائيلية في الجولان السوري المحتل. (انترنت)

دبابة إسرائيلية في الجولان السوري المحتل. (انترنت)

 

 

الولايات المتحدة: صورة اختراق تربط الأمن بالعقوبات

واشنطن تجمع الخيوط: رعاية المسار الأمني، تنظيم لقاءات لندن–باريس–باكو، فتح أبواب الكابيتول أمام الشيباني لمناقشة رفع العقوبات، والضغط لدمج مسارات الداخل (السويداء والإدارة شمال شرق سوريا) ضمن إطار مركزي. الهدف القريب: إعلان اختراق يمكن عرضه في نيويورك. الهدف الأبعد: تثبيت الاستقرار على قاعدة “هدوء الجنوب”، ومن ثم جرّ الأطراف نحو ترتيبات أوسع دون الحاجة إلى “سلام شامل” الآن.

الديبلوماسي المنشق بشار الحاج علي يقرأ ذلك ضمن حركة أوسع: “نحن في إطار تشكّل جيوسياسي متغيّر. ما يجري من عمليات إسرائيلية، وسحب سلاح، واتفاقات محلية، هو إشارات على خطوط تفاوض مستقبلية، لا خطوات نهائية”. ويلخص المسار بقناتين متوازيتين: “عمليات ميدانية لضبط الاشتباك، وتفاهمات محدودة للاستقرار النسبي؛ لا أحد جاهزاً لسلام شامل بعد”.

 

تركيا: كبح الفراغ جنوباً وتثبيت المكاسب شمالاً

تركيا الحاضرة في دمشق الجديدة بحكم التحالف السياسي والاقتصادي، تقارب الملف من زاويتين: ضمان ألا يتحول الجنوب إلى “نافذة تهديد” تركية عبر تموضعات معادية، ومنع أي صيغة أمنية إسرائيلية تمتد منطقياً لتقييد أنقرة في الشمال. يتقاطع ذلك مع مسعاها الأهم: ترتيب العلاقة بين المركز ومناطق الشمال الشرقي لمنع قيام كيان انفصالي، وتخفيف الاحتكاك مع الحليف الأميركي. لهذا تبدو أنقرة –بحسب عدة مؤشرات– مشجعة لاتفاق يجمّد الجنوب مقابل إبقاء يدها طليقة على الملفات الحيوية شمالاً (الحدود، أمن أنقرة القومي، ملف حزب العمال/قسد، والعودة الطوعية/الاقتصاد).

 

روسيا: تحييد لا إقصاء

الزاوية الروسية أقل صخباً لكنها غير غائبة. يرى الباحث وائل علوان أن “التصالح مع موسكو، خاصة حيال مصالحها الثابتة كطرطوس، قد يُسهم في تحييد الموقف الإسرائيلي وتعزيز الاستقرار؛ كسب التأثيرين الأميركي والروسي معاً هدف لحكومة الشرع”. بكلام آخر، تُدار العلاقة مع روسيا كضامن “منخفض الصوت” يملك أدوات تعطيل في مجلس الأمن وفي الساحل، ويمكن استحضاره عند الحاجة لموازنة دقيقة: لا استفزاز للغرب، ولا خسارة لرافعة دائمة في البازار السوري. الحاج علي يختصر موقع موسكو بأنه “عنصر مرن محدود القدرة على فرض ترتيبات حاسمة”، لكنه يظل ورقة لازمة في معادلة الضغط المتبادل على إسرائيل.

 

دروز السويداء: ورقة حساسة بين الأمن والسياسة

تقاطعات الجنوب لا تكتمل بلا الورقة الدرزية. إسرائيل تتعامل مع السويداء كـ”مِقياس تهديد/فرصة”: تدعم ميليشيات محلية وتُشجع مطالب الحكم الذاتي حيناً، ثم تقبل –حين يناسبها– بانتشار شرطة داخلية سورية برعاية دولية. الأردن أعلن صراحةً أن “خريطة طريق السويداء تلبي احتياجات إسرائيل الأمنية”. في المقابل، تريد دمشق نزع فتيل السويداء كي لا تتحول إلى ثقب أسود يبتلع الشرعية الجديدة. وهنا يعيد علوان التأكيد: “نزع السلاح الثقيل في الجنوب صار تحصيلاً حاصلاً؛ ما تريده الحكومة عملياً هو تحييد الدور الإسرائيلي وإقفال باب التصعيد، لأن رأس المال لا يدخل مع ظل الغارات”.

 

سؤال الجولان وامتحان الشرعية

يبقى الجولان علامة فاصلة. الشرع يلمّح إلى خطوط 1974 كمرجعية، فيما تضع إسرائيل “السيادة على الجولان” خارج النقاش، وتتمسك بجبل الشيخ. أي صيغة نهائية ستتجنب هذه “القنبلة الرمزية” الآن، لكنها ستبقى مؤجَّلة تُستحضر كلما احتاج طرف إلى رفع السقف.

في المحصلة، يتقدّم الاتفاق الأمني كحلٍّ مرحلي ضروري لوقف النزف، لكنه يفتح امتحاناً مزدوجاً: هل يُنتج شرعية داخلية في جنوب هشّ؟ وهل تلتزم إسرائيل بأوراقها حين تتبدل الظروف؟ سؤالان يرفعهما علي جديد بجدية، فيما يذكّر الحاج علي بأن “كل ما يجري سلسلة تحركات تكتيكية ضمن شبكة مصالح معقدة، لا مساراً خطياً إلى نهاية كبرى”.

في النهاية، لا يبدو أن الاتفاق الأمني بين دمشق وتل أبيب سيُغلق ملف الجنوب بقدر ما يعيد فتحه على أسس جديدة، تعكس توازنات إقليمية ودولية أكثر من كونها تسوية وطنية خالصة. فهو يمنح واشنطن فرصة لتسويق اختراق ديبلوماسي، ويكرّس لتل أبيب مكاسبها الميدانية، ويفتح لأنقرة وموسكو مجالات مناورة، بينما تحاول دمشق تحويله إلى مدخل للاعتراف الدولي. لكن التجارب التاريخية تجعل السؤال مشروعاً: هل سيكون هذا الاتفاق مدخلاً لتسوية أوسع، أم مجرد ترتيبة موقتة تُعيد إنتاج الهشاشة تحت غطاء دولي؟

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزير الخارجية يبحث في واشنطن ربط الاقتصاد السوري بالنظام المالي العالمي

التقى وزير الخارجية والمغتربين الدكتور أسعد حسن الشيباني اليوم في العاصمة الأمريكية واشنطن عدداً من المسؤولين في وزارة الخزانة الأمريكية، وذلك بحضور المبعوث الأمريكي الخاص ...