رامي الشاعر
لم ينتصر السوريون في ثورتهم حتى يكونوا أمام هكذا حصاد من التحريض والانقسام المجتمعي، بل وهناك حالة من انعدام الثثقة بين السوريين، لدرجة وصلت معها الأمور لدى الكثير من النخب السورية للشعور باليأس و أن سورية لن تتعافى، وهذا أخطر مايواجه سورية التي تمر بمرحلة انتقالية تحتاج إلى تكاتف جميع السوريين، والوقوف إلى جانب حكومتهم الانتقالية كحل وحيد للعبور إلى بر الأمان.
سأحاول في هذه المقالة أن أجد ماهو جامع بين السوريين، وأوجه كلامي إلى الشعب السوري بكل أطيافه حكومة وشعب، علني أجد المخارج لحالة عدم الثقة التي أصبحت تطفو بشكل واضح على سطح الحالة السورية، في وطن مازالت تتقاسمه الفرقة والتشتت، ويعاني شعبه في كل مناطقة من الجوع وانعدام الخدمات، وتحاصره تهديدات خارجية تكاد تأتي على ماتبقى من الدولة السورية، وفي هذا الإطار لابد من المرور على على بعض المواقف الدولية خصوصاً فيما يتعلق بموقف الدولتين العظميين الولايات المتحدة وروسيا.
اتفق مع النخب السورية الوطنية السورية بأن سورية مازالت في إطار التجاذبات الدولية والإقليمية، كحالة لايمكن لوطني سوري أن يقبل لبلده سوى استعادة القرار السوري الذي ضحى من أجله السوريون وقدموا أعظم التضحيات في التاريخ المعاصر، وبالتالي فهو حق سيادي ومشروع لكل سوري. ومن هذه النقطة بالذات تركز النخب السورية على ضرورات استعادة القرار السوري من خلال المشاركة الفعلية والجادة خارج عقلية الفصيل أو الإيديولوجيا، إذ يشير الرأي العام السوري إلى حالة من عدم الرضا على أداء إدارة المرحلة الانتقالية التي ظهرت – حسب رأي الكثير من النخب- بأنها مجرد مراحل شكلية بدءاً من الحوار الوطني وانتهاء بتشكيل الحكومة السورية التي جاء نصفها تقريباً من حكومة الإنقاذ التي تتبع لهيئة تحرير الشام، وبالتالي فإنهم يعتقدون أن سورية لن ترفع عنها العقوبات أو يتم الاعتراف بها في المحافل الدولية طالما استمر أداء الحكومة الجديدة شكلياً.
قد يكون البعض من السوريين محقيين في ذلك، إذا كان دافعهم بذلك مصلحة سورية، و التخلي عن التشكيك بالسلطة الحالية وللأسف هذا ما يحدث الآن من قبل شخصيات سورية معارضة و وطنية، ولكنها تشعر أنها فقدت دورها، وهذا مالايمكن تقبله لأن البناء الوطني قد يكون بموقف أو كلمة تضع حد لحالة الانقسام الذي يعيشه السوريين وعدم الانخراط في مكنة التشكيك والتخوين الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من العراقيل في مرحلة انتقالية لاتتحملها سورية، التي تحتاج إلى كل أبنائها أكثر من اي وقت مضى.
بالمقابل؛ من الآراء التي اتفق معها هو طرح البعض من النخب السورية، الذي يطالب بإبداء عامل الثقة من الحكومة الجديدة، واعترافه بأن موقع الرئاسة هو شرعية ثورية متفق عليها، ولكنه في الوقت ذاته يطالب بأن لاتكون المؤسسات حكراً على إيديولوجيا معينة أو فصيل معين، معتبراً أن مهمة الشرعية الثورية هو إصدر قرارات تشكيل المؤسسات على أساس الكفاءة الحقة دون التدخل في آلية عملها، بحيث يبدو جميع السوريين مشاركين في بناء بلدهم، وهو طرح محق إذا ماعرفنا بأن جميع التيارات السياسية والنخب والكفاءات والخبرات التي برزت خلال الثورة السورية مازالت خارج مؤسساتها التي عملت بها وامتكلت خبرات عملية عبر سنوات طويلة.
ربما تعترض الحالة السورية نوعاً من سوء الفهم مؤداه أن الحكومة الجديدة ليس لها معرفة أو دراية بالخبرات أو الكفاءات، وربما تنتظر من يأتي إليها، يقابله عامل سيكولوجي يميز الشخصية السورية التي تتميز بالكبرياء وتنتظر من يدعوها، وبين الحالتين يحتاج الطرفان إلى آلية للتلاقي تساعد في تذليل الحواجز وتبديد حالة الشك وعدم الثقة.
على الصعيد الدولي، تبدو الحالة السورية أكثر تعقيداً مع بقاء سورية تحت العقوبات الأمريكية، وبالأدق تحت عقيدة أمريكية راسخة تعمل على إدارة الملف السوري لاحله، وقد ظهر ذلك مؤخراً حين أعلنت الولايات المتحدة بوضع سورية على القائمة الحمراء، بعد أن خفضت بند التأشيرة لبعثة الأمم المتحدة السورية من G1 إلى G3 واعتبار أعضاءها مواطنيين أجانب بدون حصانة دبلوماسية، شارحةً ذلك بعدم اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة السورية الانتقالية الجديدة. الأمر الذي يضع البلاد أمام مشكلات مستقبلية وتحذو حذوها دول أخرى، وبالتالي المزيد من العزلة والحصار التجويع والتفتت.
أمام حالة الياس والانقسام والتشتت السوري ذاتياً، إن مايجري ما يجري الآن هو محاولات موجّهة ومقصودة لتشويه القيادة الحالية المؤقتة في سورية، وهنا لابد لي أن استعرض الموقف الروسي، ومن بينها ما يشاع من اشتراط دفع روسيا لتعويضات، أو إخلاء التواجد الروسي في قاعدة حميميم العسكرية أو ميناء طرطوس، أو أن القيادة الحالية في سوريا تحاول إرضاء الولايات المتحدة والغرب وحتى إسرائيل بإزاحة روسيا من سوريا.
أود التأكيد هنا أن كل هذه التحليلات والتكهنات ليست سوى إشاعات عارية عن الصحة شكلا ومضمونا، والقيادة الروسية تدرك تماماً صعوبة المرحلة الدقيقة الراهنة في سوريا، والمسؤولية الكبيرة والصعبة والمعقدة والمشتبكة التي تقع الآن على عاتق القيادة الحالية في معالجة الكثير من القضايا، وعلى رأسها الوضع الاقتصادي المتردي، والوضع الامني الحساس جدا والحاجة الماسة للمساعدات الدولية للنهوض بالبلاد من جديد.
ويبقى الشغل الشاغل للقيادة في دمشق اليوم هو التعافي الاقتصادي والتعافي بشكل عام في كافة المجالات، استناداً إلى الكوادر والموارد الذاتية ما أمكن، ولن يتأتى ذلك إلا بالحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي، من أجل دفع عجلة الإنتاج.
والقيادة السورية تعي أهمية الدور الروسي في الحفاظ على نظام التهدئة على مدى السنوات الثمانية الماضية وإلى الآن والحفاظ على عدم نشوب اقتتال سوري سوري طيلة فترة الأزمة الداخلية في البلاد، كما تقدّر العلاقات التاريخية بين روسيا والشعب السوري، ودور روسيا وموقفها الذي لن يتزعزع في الحفاظ على السيادة السورية ووحدة الأراضي.
وقد لمس الكرملين هذا التقدير من جانب القيادة السورية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وروسيا تشجّع انفتاح سوريا على جميع دول العالم، وقد تطرقت الاتصالات الروسية الأمريكية الأخيرة إلى أهمية إلغاء العقوبات الاقتصادية المجحفة ضد سوريا، وتأمل القيادة الروسية في أن تقوم الدول العربية بدور فعّال وأساسي في دعم ومساعدة سوريا والشعب السوري في محنته.
أما فيما يخص القواعد العسكرية الروسية في سوريا، وتحديدا قاعدة حميميم الجوية، والتي أنشئت نتيجة لمتطلبات مرحلة سابقة في سوريا، وبطلب رسمي من الحكومة السورية الشرعية حينها، وبدعم دولي ممثلا في قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي اتفقت فيه جميع دول العالم على محاربة التنظيمات المصنفة “إرهابية” وفقا لقوائم الأمم المتحدة، فقد لعب التواجد العسكري الروسي دورا شديد الأهمية في حماية السيادة السورية ووحدة الأراضي، وساعد كذلك في الانتقال السلس والسلمي نسبياً إلى نظام الحكم الجديد، وإنهاء حكم بشار الأسد دون اندلاع اي صدامات عسكرية أو نشوب حرب أهلية لا قدر الله. والتواجد العسكري في ميناء طرطوس يحمل أبعاداً لوجستية استراتيجية بالنسبة لروسيا لتقديم ما يحتاجه الأسطول الروسي في مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة، والسلطات الحالية في دمشق وحدها من يقرر وجود تلك القوات من عدمه، لكن المؤشرات تؤكد حتى اللحظة أن القيادة الحالية حريصة على الحفاظ على التعاون مع روسيا في كافة المجالات بما في ذلك في المجال العسكري أيضاً.
وسوف تستمر روسيا في مساعدة سوريا، لا سيما في مجال الطاقة، والزراعة، وإعادة الإعمار، والقيادة الروسية على يقين من قدرة سوريا إعادة بناء البنى التحتية المدمرة ذاتياً، لكنها تحتاج إلى إلغاء العقوبات المفروضة عليها، ولا شك أن الجارة تركيا يمكنها المساعدة بكل ما تحتاجه سوريا من معدات ومواد مطلوبة، وهو ما سيسهم فيه أيضاً دون شك الدول العربية من حيث التمويل وربما الاستثمارات في عملية إعادة الإعمار الواسعة في البلاد. وأرى، في تقديري، أن سوريا يمكن أن تتعافى في ظرف ثلاث إلى خمس سنوات، لتضع أقدامها على طريق التنمية والازدهار بإذن الله.
لم تتعود روسيا عبر تاريخها الطويل اللجوء إلى أي أدوات ضغط خفية أو علنية لتطويع أي سلطة أو أي بلد، ولا يذكر التاريخ سابقة مخالفة روسيا لميثاق الأمم المتحدة، وتحديداً ما يخص بناء العلاقات بين البلدان على أساس التفاهم والتعاون والمصلحة المشتركة. ذلك، فلا يمكن أن تحافظ روسيا على العلاقات مع سوريا وتطورها في كافة المجالات وتدعم الشعب السوري في مطالبه المشروعة بإحلال وضمان الأمن والاستقرار واحترام السيادة ووحدة الأراضي دون رغبة وإرادة سياسية حرة من القيادة في دمشق.
إن الأمن القومي السوري هو حجر أساس في استقرار وأمن وازدهار الشرق الأوسط، و بالنسبة لروسيا أيضا مسألة أمن قومي على الحدود الجنوبية، كما أن التعاون وتبادل المصالح بين روسيا وسوريا سيعود أيضاً بالمنفعة على الشعب الروسي وشعوب منطقة القوقاز والمناطق المتاخمة وشعوب البلدان العربية بشكل عام. وهذا ما تؤكده حقائق التاريخ ومنطق الجغرافيا، ويحدو القيادة الروسية أمل كبير في أن تتجاوز سوريا محنتها وأزمتها الراهنة ووضعها الدقيق والحساس والصعب، وتستعيد دورها الرائد في المنطقة، وهو الأساس الذي تستند إليه القيادة الروسية في تطوير العلاقات الحالية مع القيادة السورية الحالية، وهناك تجاوب ملموس بهذا الصدد من قبل الرئيس الحالي أحمد الشرع.
ختاماً، قد يتبادر لأذهان الجميع ما هو الحل للتوفيق بين كل هذه المعطيات؟ نقول لقد دعت القيادة السورية إلى حوار سوري حمل في مضامينه صيغة الحوار وبالتالي الخروج بتوصيات غير ملزمة للقيادة السورية، واستكمالاً لذلك أدعو القيادة السورية السير في إطار ماتوافق عليه المجتمع الدولي في روح القرار 2254 كسكة للحل في سورية، فإذا كان النظام البائد أضاع هذه الفرصة، فأنني على ثقة بأن الحكومة السورية الجديدة قادرة على الاستفادة من هذا القرار، الذي نص على حوار سوري سوري، وبالتالي ضرورة عقد مؤتمر وطني عام تحضره جميع القوى والشخصيات الوطنية السورية، بحيث يكون نقطة لتلاقي الجميع، بما يضمن وحدة سوريا أرضاً وشعباً، فسوريا اليوم أحوج ماتكون لجميع أبنائها المخلصين، وما أكثرهم.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات_راي اليوم