أديب مخزوم:
يطرح معرض” المرأة رؤى متقابلة في أعمال نذير نبعة وليلى نصير” في غاليري كامل أكثر من سؤال، حول مظهر استمرارية جدلية العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين معطيات الفنون القديمة والحديثة، ويضعنا أحياناً على طرفي نقيض، حين ننتقل من لوحة لنذير نبعة مرسومة بأدق درجات الدقة، إلى لوحات أخرى فيها حالات التحوير والتبسيط والعفوية .
ومن هذا المنطلق يبدو هذا المعرض الاستعادي الثنائي، بمثابة خطوة حوارية وتصالحية، بين أنصار الاتجاهات التصويرية الواقعية، وأنصار التيارات التشكيلية الحديثة . فما بين طروحات نذير نبعة الواقعية والتعبيرية، وأعمال ليلى نصير تظهر أجوبة لتساؤلات كثيرة مكثفة وصارخة حول التوجهات والانتماءات الثقافية والجمالية. ويكفي أن نقارن بين طريقة معالجة كل منهما لعناصر الوجوه والأجساد ( وتنقل نبعة بين الواقعية والتعبيرية )، حتى نواجه وبشكل مثير وملفت مدى التباعد والتقارب ما بينهما. والأشكال المجسدة ( وخاصة الوجوه ) تظهر واحدة وإن اختلفت التقنية أحياناً، وإلى حدود التناقض في طرق معالجتها، فالراحل الكبير نذير نبعة كان يجنح في اتجاهه التعبيري نحو التنويع الأسلوبي ، وكان يؤكد استمرارية هواجسه الفنية المتنوعة وتنقله بين أقصى حالات الواقعية إلى أقصى حالات التجريد، وهذه ناحية لاتنطبق على الفنانة الكبيرة ليلى نصير، التي شاهدنا لها لوحات متقاربة ، حيث لا قفزات ونقلات مفاجئة، وبالتالي فأعمال نذير كانت تحقق حالات الصدمة البصرية أحياناً، لدى المتابعين، وأيضاً كانت تشكل خطوة تصاعدية في تجربته لأنها كانت تحمل الروح ذاتها. مع الإشارة إلى تحولاته من مواضيع الأسطورة إلى مواضيع الطبيعة الصامتة واتجاهه الواضح نحو الرسم، والتشكيل بانفعال أكبر في مراحله الأخيرة قياساً إلى أعماله التي قدمها في معارضه السابقة. أما ليلى نصير فكانت ولا تزال تهدف الوصول إلى الاتزان التعبيري الذي تؤديه أحياناً الخطوط السوداء التي تحدد العناصر والأشكال وخاصة الوجوه المحورة والمبسطة، وهنا تلتقي مع بعض لوحات نبعة .
نذير نبعة كان يحقق في تجربته التشكيلية الريادية انقلابات بزاوية 180 درجة ، وكان يعطيها منعطفات، ورغم ذلك كان يعمل على ترسيخ شخصيته الفنية المميزة والمتجددة في كل تحولاته وانقلاباته وثوراته التشكيلية، التي وصلت إلى حدود عرض لوحات تجريدية توحي بالواقع ومشغولة بسكين الرسم الحادة ، والتي كان يضعها في مقابل لوحات واقعية تتحاور وبشكل لافت ومباشر مع عناصر الوجوه والأشكال المختلفة ، وهو في لوحة ( عازفة الناي ) المعروضة هنا يظهر على عكس ليلى نصير تماماً ، حيث نجد هذه اللوحة، مرسومة بدقة تفصيلية متناهية كان يستعيد من خلالها تقنيات الرسم الواقعي والكلاسيكي، وهكذا كان يتنقل بين المدارس، ويرسم الوجوه والعناصر الانسانية وأشكاله الصامتة (نحاسيات، زجاجيات، صناديق مصدفة، ورود جورية وفواكه وخضار وغيرها) بدقة أدائية مشحونة بالتفاصيل وبالتالي كان يواكب مظاهر عودة الواقعية القصوى أو المفرطة .
فنذير نبعة وصل في لوحته المعروضة ( عازفة الناي ) والعديد من لوحاته المشابهة، إلى الواقعية القصوى، التي تظهر في تقنية التركيز على إبراز أدق التفاصيل . وهذه المجموعة من أعماله تثير إعجاب ودهشة نسبة كبيرة من الجمهور الذي يغرم وكما هو معروف بالأعمال الكلاسيكية والواقعية، ويعتبر أن المعيار يكمن في مدى إمكانية النقل الحرفي لتشكيلات الواقع. وأعماله في هذه المجموعة، تعيد إلى ذاكرتي بعض العبارات، التي قالها الناقد التشكيلي الفرنسي المعروف “ديديرو” حين رأى لوحات المصور الكلاسيكي “شاردن” الذي تميز في نقل أدق التفاصيل في لوحات الطبيعة الصامتة ” : هذا هو لحم السمك بحقيقته وهذا هو جلده وهذا هو دمه أيضا ” ولهذا لم يكن يستطيع أن يرسم إلا بضعة لوحات في العام الواحد ، تماماً كما كان نذير نبعة يرسم بجلد وتأن وصبر طويل، هو الذي قدم في مراحل لاحقة، وفي حواره البصري الدائم والمفتوح، ماله علاقة بثقافة الشارع وثقافة النخبة معاً، مؤكدة أن الفن ليس حكراً على طبقة دون أخرى .
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة