ريم هاني
لم يعد الحديث عن «تفاؤل» إسرائيلي أو أميركي بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان، كما في غزة، يؤخذ على «محمل الجد» لدى الوسطاء وأطراف القتال على حدّ سواء، ليس فقط بسبب الأفعال الإسرائيلية والمناورات الأميركية التي أثبتت، طوال أكثر من سنة، «زيف» مثل تلك المواقف، بل أيضاً لأنّ «الطموحات» الغربية حول التسويات السياسية الممكنة في لبنان، تصطدم بوقائع معقدة وصعبة، دفعت ببعض المراقبين إلى البدء بالحديث، بالفعل، عن ضرورة تقديم تنازلات من جانب إسرائيل وحلفائها، لإنهاء الحرب في لبنان. وعلى الرغم من أنّ وسائل إعلام عبرية تداولت، في الأيام الماضية، معلومات عن زيارات أجراها وزير «الشؤون الاستراتيجية» الإسرائيلي، رون ديرمر، بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان، ومن بينها زيارة «سرية» إلى روسيا لـ»بحث تسوية مع حزب الله»، جنباً إلى جنب معطيات تفيد بأنّ إسرائيل «تدرس، بجدية، إمكانية تحقيق وقف إطلاق نار مؤقت في لبنان»، فإنّ عدداً من المحللين الإسرائيليين والغربيين يقرون بمدى «تعقيد» الوضع السياسي والعسكري على الجبهة الشمالية، ولا سيما وسط تمسك الغرب بطروحات «خيالية» لإنهاء الحرب، ويستبعدون، بالتالي، أن تكون إدارة جو بايدن قادرة على التوصل، في الأسابيع المتبقية لها، إلى حلّ سياسي ملائم.
وفي السياق، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً جاء فيه أنّه في حين يرى بعض كبار المسؤولين الأميركيين في «حملة إسرائيل المدمرة ضد حزب الله»، فرصة لإعادة تشكيل السياسة في بيروت والنهوض بـ»حكومة لبنانية أقوى»، بشكل «يقلل من نفوذ حزب الله وإيران»، ويعتبرون أنّ الجيش اللبناني هو السبيل الوحيد لمنع حزب الله من إعادة تشكيل صفوفه على طول «الحدود الإسرائيلية»، فإنّ مثل تلك الأهداف تبدو، بالنسبة إلى عدد من المحللين، «خيالية»، ولا سيما أنّ حزب الله وإيران لا يزالان «يتمتعان بالنفوذ»، ومن غير المرجح أن «يستسلما بسهولة». ويتابع التقرير أنّ للولايات المتحدة «تاريخاً غير سعيد» في ما يتعلق بمحاولاتها لإعادة تشكيل حكومات أجنبية، وفي ما يتعلق بلبنان، فإنّ التاريخ المشار إليه «مؤلم» بشكل خاص. وتنقل الصحيفة عن رايان كروكر، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في لبنان في أوائل التسعينيات، قوله إنّ واشنطن «قد تضطر إلى الاكتفاء بوقف إطلاق النار على أساس القرار 1701»، فقط لا غير، ثمّ تتخذ «خطوات تدريجية» في أعقاب تنفيذه. ويتابع كروكر: «التوقيت السياسي، والأهم من ذلك، الواقع السياسي في الشرق الأوسط، لا يمكن أن يفضيا إلى أي شيء آخر» أكثر من ذلك. وعليه، وبحسب التقرير، فإنّ لبنان يطرح مشكلة «عنيدة» بالنسبة إلى إدارة بايدن، تماماً مثل غزة، وإنّ عدداً من المسؤولين والمحللين الأميركيين يرجحون بشكل متزايد أنّ بايدن سيسلم «أزمة لبنان» إلى خليفته. بدوره، يستبعد ماثيو ليفيت، الخبير في شؤون حزب الله في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أن يكون لدى إدارة بايدن هامش مناورة واسع لإنهاء الحرب، مشيراً، في حديث إلى الصحيفة، إلى أنّ الإدارة الأميركية «تتفهم، على الأرجح، محدودية القدرة على تحريك قطع الشطرنج في لبنان»، ما يجعل «من غير الواضح ما الذي قد يؤدي إلى اتفاق ضيق حتى، لوقف إطلاق النار» مع حزب الله.
ثمة ترجيحات بأن بايدن سيسلم «أزمة لبنان» إلى خليفته
وطبقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإنّ الوقائع الميدانية تدعّم وجهة النظر تلك، نظراً إلى أنّه منذ بدأت إسرائيل «عمليتها البرية» ضدّ حزب الله في لبنان الشهر الماضي، «قُتل 35 من قواتها هناك»، بحسب الأرقام الإسرائيلية، فيما كان الشهر الماضي أحد أكثر الأشهر دموية بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي في العام الماضي». ويتابع التقرير أنّ الخسائر المتزايدة «والعدو المرن والعنيد» يجعلان إسرائيل تسترجع حربها التي استمرت شهراً ضد حزب الله عام 2006 ،وأدت إلى مقتل 120 جندياً إسرائيلياً، في «صراع» انتهى بسرعة نسبياً، بسبب ارتفاع عدد القتلى، وأصبح يُنظر إليه في جميع أنحاء العالم العربي على أنّه فشل إسرائيلي وانتصار لحزب الله. ويقول مايكل هورويتز، رئيس الاستخبارات في شركة الاستشارات «لو بيك إنترناشيونال» الإسرائيلية إنّ «إسرائيل لا تزال
تشهد تمرداً أو هجمات على شكل حرب العصابات، والتي لا تزال فعالة». وطبقاً للصحيفة الأميركية، فإنّ التكتيكات المشار إليها «مشابهة لتلك التي تستخدمها (حماس في غزة)، لكن جنود الاحتياط الإسرائيليين يقولون إن القتال في لبنان أصعب»، فيما يؤكد أحد هؤلاء أنّ «حزب الله أقوى بكثير وأكثر تدريباً، والظروف الجغرافية أصعب بكثير من غزة».