لم يُعلن حزب الله بعد موقفاً من مسار المفاوضات الدائرة بشأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. وفيما بدا موقف أركان الدولة اللبنانية غير موحّد بشأن حقوق لبنان، وبعدما حاول العدو الإسرائيلي على مدى السنوات الماضية استغلال حالة «التراخي» على المستوى الرسمي اللبناني لفرض وقائع ميدانية تسمح له بالسطو على الغاز المحتمل وجوده في قعر البحر، أعلن الأمين العام لحزب الله أمس أن المقاومة ستتدخل عندما تجد أن إجراءات العدو تشكّل خطراً على حقوق لبنان. ففي خطابه بمناسبة عيد المولد النبوي، كرر نصرالله أن الحزب لن يعلن موقفاً من المفاوضات، وأنه ينتظر ما ستعلنه الدولة اللبنانية في هذا الإطار. لكن المقاومة لن تسمح للعدو باستغلال مرحلة المفاوضات الحالية من أجل استخراج الغاز أو النفط من المنطقة الخاضعة للتفاوض. فقد تحدّث نصرالله عن طلب العدو من إحدى الشركات بدء التنقيب في المنطقة المتنازع عليها، قائلاً «إن قدرة المقاومة أعدت لحماية الثروة في لبنان من الأطماع الصهيونية. وإذا كان العدو يتصور أنه يستطيع أن يتصرف كما يشاء في المنطقة المتنازع عليها قبل الحسم فهو مشتبه. وفي الوقت المناسب، عندما ترى المقاومة أن نفط لبنان في دائرة الخطر فستتصرف على هذا الأساس».
تصميم: علي فرّان | انقر على الصورة لتكبيرها
خطاب الأمين العام لحزب الله يضيف ورقة قوة إلى جعبة الدولة اللبنانية التي لم تعلن بعد موقفاً موحداً من مسار التفاوض. والوقائع الآنية التي رافقت زيارة الوسيط الأميركي – الإسرائيلي عاموس هوكستين إلى بيروت أخيراً، سرعان ما كشفت أن الحقوق البحرية معرضة للضياع، نتيجة تشتّت الموقف الرسمي اللبناني. إذ إن القوى السياسية لم تتفق حتى الآن سوى على التراجع عن الخط 29. بينما كل الأفكار المطروحة حول آلية التفاوض وسبل الحلّ المتوافرة للمنطقة المتنازع عليها لا تزال موضع خلاف. وهذا الخلاف هو أكثر ما علّق عليه الموفد الأميركي بعدما لمس توجهات متعددة لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يحيط نفسه بفريق العمل القديم (عراب المرسوم 6433 الذي أقرته حكومة ميقاتي عام 2011)، والرئيس نبيه بري الذي يريد الالتزام باتفاق الإطار والعودة إلى مفاوضات الناقورة لقطع الطريق على التفاوض المكوكي، إضافة إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لديه فريقه أيضاً، والمؤيد لفكرة أن يتولى الوسيط الأميركي مهمة التنسيق بين لبنان وكيان العدو بدلاً من مفاوضات الناقورة. وكان لافتاً بحسب ما نقلت مصادر مطلعة على الزيارة أن هوكستين «توقف كثيراً عند هذه التباينات، وكان يسأل كلما سمع فكرة من أحد الرؤساء ما إذا كان الآخرون يوافقون عليها».
وفيما تحدّثت مصادر قريبة من بري عن تمسّكه بالحد الأقصى من الحقوق، علمت «الأخبار» أن رئاسة الجمهورية أبلغت الوسيط الأميركي أن لبنان مصرّ على الحصول على كامل حقل «قانا»، لافتة إلى أن هذا الأمر يتحقق بالسير باقتراح خط الوسط مع إعطاء نصف تأثير لصخرة تخيليت المحاذية للشاطئ الفلسطيني الشمالي. وهذا الاقتراح سبق أن عرضه قائد الجيش العماد جوزيف عون على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في نيسان الماضي، معتبراً أن هذا الخط «هو الكفيل بالتوصل إلى حل عادل يرضي الجميع، كون الجانب اللبناني يريد كامل حقل الغاز (قانا) في البلوك 9»، بينما «تريد إسرائيل كامل حقل كاريش وسط رغبة الجانب الأميركي بنجاح المفاوضات لبدء شركات النفط العمل في المنطقة». وتشير مصادر المؤسسة العسكرية إلى أن هذا الخط يُخرج من التداول اقتراح هوكستين القاضي بتكليف شركة التنقيب في «الحقول المشتركة»، ثم توزيع الحقوق المالية بعد عقد اتفاق برعاية أميركية بين لبنان وكيان الاحتلال. فحقل «قانا» هو «الحقل المشترك» الذي يتحدّث عنه هوكستين، كونه يمتد تحت الخط 23. وفي حال حسم ملكيته للبنان كاملاً، لن تبقى هناك أي حاجة لأي إجراءات «مشتركة» بين لبنان والعدو.
حصيلة أولية لجولة هوكستين: الموقف اللبناني ليس موحداً
الخلاف اللبناني لا يقتصر على القوى السياسية فحسب، بل يمتدّ إلى المؤسسة العسكرية التي تقول مصادرها إن «هناك استياء وعتباً كبيرين لدى الوفد المفاوض الذي يعتبر التراجع عن مفاوضات الناقورة وتبديل طبيعة الوفد من عسكري إلى سياسي ومدني، أو حصر التفاوض بالوسيط الأميركي، أمراً خطيراً يندرج في إطار التطبيع». وفي هذا الإطار، أوضحت المصادر بأنه «لا يوجد ربط بين إحالة العميد بسام ياسين إلى التقاعد وبين رئاسته للوفد، فهو عملياً لا يزال رئيساً للوفد ولم يصدر قرار بتنحيته»، وأن «النقاش اليوم يدور حول إبقائه رئيساً للوفد كمدني أو استدعائه من الاحتياط كعسكري، في حال لم يُتخذ قرار بتسمية آخر».
وكشفت مصادر مطلعة أن «هناك نقاشات تجرى داخل المؤسسة العسكرية في ما خص المفاوضات»، وأن قائد الجيش جوزيف عون يقول إنه لا يريد أن يكون كبش محرقة، في حال كانت القوى السياسية تنوي الذهاب إلى تسوية مع الأميركيين في ملف الترسيم، مشيرة إلى أنه «في حال كان الموقف اللبناني هو الانطلاق من الخط 29 واعتباره تفاوضياً لتحصيل أكثر من الـ 860 كيلومتراً، فهذا الأمر مقبول ولن يعترض عليه الجيش وسيبقى ضمن الوفد في حال استمرار المفاوضات في الناقورة، أما في حال الانطلاق في التفاوض من الخط 23، فإن المؤسسة ستقدم ما لديها من دراسات وتكتفي بهذا القدر»
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)