وسط مقاطعة واسعة من أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ، ولا سيما من الحزب الديموقراطي، حاول رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إيصال رسالة إلى المسؤولين الأميركيين، مفادها أنّ «مصير» الولايات المتحدة مرتبط بمصير إسرائيل، وأنّ الطرفين يواجهان «محوراً» معادياً واحداً، ويخوضان «المعركة نفسها»، وبالتالي، فإنّ «انتصار» الأخيرة سيكون انتصاراً للأولى. وما عدا «الأكاذيب» التي تبناها نتنياهو، ولا سيما في ما يتعلق بعدد الشهداء الفلسطينيين في رفح، إذ زعم، لدى سؤاله عن عدد المدنيين الذين قتلوا هناك، أنّه «ما من أحد قُتل»، «باستثناء حادثة واحدة، عندما أصابت شظايا قنبلة مستودع أسلحة تابعاً لـ(حماس)، وقتلت عشرين شخصاً»، لم يحمل خطاب نتنياهو، طبقاً لمراقبين، أي جديد، ولم يضفِ أي تغييرات إلى الانقسام في الداخل الأميركي تجاه الحرب في غزة. وبحسب تقرير نشره «المجلس الأطلسي»، فإنه رغم أن نتنياهو لم يأتِ على ذكر الجبهة اللبنانية إلا بشكل سريع نسبياً في خطابه، إلا أن «الإطار» الذي وضع فيه التهديد الذي يمثله «حزب الله» بدا لافتاً؛ إذ صنف الأخير على أنّه «تهديد وجودي» لإسرائيل، لا يمكن فصله عن «كفاح إسرائيل ضد (حماس) والحوثيين وإيران». وطبقاً لأصحاب هذا الرأي، فمن الاحتمالات المطروحة أنّ «الخطاب يهدف إلى تمهيد الطريق لتوغل بري في جنوب لبنان، وتليين الرأي العام العالمي بشأن مثل هذا القرار». ويستدرك التقرير بأن «فتح جبهة نشطة جديدة ضد حزب الله سيكون كارثياً لأسباب عدة، سواء إنسانية أو إستراتيجية»، مشيراً إلى أنّه «بالنسبة إلى (جيش الدفاع الإسرائيلي) المحاصر»، فإنّ مثل ذلك السيناريو «يعني الدخول في حرب واسعة النطاق ضد خصم مسلح جيداً»، ويزيد من احتمال توسّع الحرب إقليمياً.
وكان شدّد نتنياهو، في خطابه الذي استمر حوالى ساعة، على ضرورة تعزيز الدعم الأميركي لإسرائيل، ورفع الحظر عن بعض الأسلحة، معتبراً أنّ «المساعدات العسكرية الأميركية سريعة التتبع يمكن أن تسرع بشكل كبير إنهاء الحرب في غزة، وتساعد في منع حرب أوسع في الشرق الأوسط»، وزاعماً أنّ «إسرائيل تشارك في جهود مكثفة لتأمين إطلاق سراح الرهائن». وحول رؤيته لـ«اليوم التالي»، والتي لا تزال تشكل نقطة خلاف بينه وبين واشنطن، قال نتنياهو إنه يريد «غزة منزوعة السلاح وغير متطرفة»، بقيادة فلسطينيين «لا يسعون إلى تدمير إسرائيل». وبعدما ركز على مهاجمة محور المقاومة بكل مكوناته، ردت «حماس» يإصدار بيان حول الخطاب، اعتبرت فيه أن الأخير «يعكس عمق أزمة نتنياهو العسكرية والأمنية والدولية»، مؤكدةً أن «حديثه عن جهود مكثفة لإعادة الرهائن محض كذب وتضليل للرأي العام الإسرائيلي والأميركي والعالمي، في حين أنه هو من أفشل كل الجهود الرامية لإنهاء الحرب وإبرام صفقه لإطلاق سراح الأسرى (…) ما يحمّله المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذا الموقف، وعن مصير الأسرى في قطاع غزة». كما أكدت الحركة أن «تصوّرات مجرم الحرب نتنياهو حول مستقبل قطاع غزة، هي محض أوهام وخيالات يحاول تسويقها»، معتبرةً أن «هجومه على محور المقاومة يعكس عمق أزمته العسكرية والأمنية جراء الجبهات المفتوحة». وختمت الحركة بدعوة «الأمم المتحدة» و«جامعة الدول العربية» و«منظمة التعاون الإسلامي» إلى «إعلان موقفها برفض الاحتلال والعمل على إنهائه بكل السبل، ودعم صمود شعبنا الفلسطيني ومقاومته».
أكدت «حماس» أنّ حديث نتنياهو عن جهود إعادة الرهائن محض «كذب وتضليل»
وفي مجمع «الكابيتول»، انطلقت احتجاجات شارك فيها آلاف المعارضين لزيارة رئيس وزراء الاحتلال، وإلقائه خطاباً أمام الجلسة المشتركة للكونغرس، فيما أفادت وسائل إعلام أميركية بأنّ جهاز «الخدمة السرية» يبحث في تقارير تفيد بأن المتظاهرين تمكنوا من الوصول إلى الفندق الذي يقيم فيه نتنياهو في واشنطن العاصمة، حيثُ أطلقوا حشرات في الفندق، «وشغّلوا أجهزة إنذار الحريق». وكانت لهؤلاء المتظاهرين «حصتهم» من الهجوم في خطاب نتنياهو، الذي وصفهم بـ«الأغبياء الذين تستفيد منهم إيران» وتموّلهم، وزاعماً أنّه «عندما يعمد طغاة طهران الذين يشنقون المثليين على رافعات، ويقتلون النساء لعدم تغطيتهن شعرهن، إلى الإشادة بكم والترويج لكم وتمويلكم، تكونون قد أصبحتم رسمياً أغبياء تستفيد منكم إيران»، على حدّ زعمه.
أمّا في داخل «الكابيتول»، فقد حضر ما يقرب من 100 ديموقراطي من مجلس النواب، و28 ديموقراطياً من مجلس الشيوخ، وفقاً لإحصاء أجراه «أكسيوس». ويعني ذلك، عملياً، أنّ نحو «نصف» الديموقراطيين من المجلسين تغيبوا عن الخطاب، ومن بينهم رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي، ما يجعل حجم المقاطعة أوسع بكثير من تلك التي واجهها نتنياهو في عام 2015، عندما تغيب 58 ديموقراطياً عن خطابه. على أنّه حتى بعض المسؤولين الذين حضروا الجلسة، حرصوا، بشكل أو بآخر، على «إزعاج» نتنياهو والتعبير عن معارضتهم للإبادة المرتكبة في غزة. فعلى سبيل المثال، ظهر، من بين الحضور، عدد من منتقدي رئيس وزراء الاحتلال، بمن فيهم النائبان اليهوديان التقدميان جيمي راسكين (ديموقراطي من ولاية ماريلاند)، وجيري نادلر (ديموقراطي من نيويورك)، الذي كان يحمل، – وفي بعض الأحيان يقرأ -، كتاباً بعنوان «سنوات نتنياهو»، يتم فيه انتقاد «إخفاقات» حكم الأخير، في لقطة تداولها رواد وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع. كذلك، حضرت النائبة رشيدة طليب (ديموقراطية من ولاية ميتشيغان)، وهي الفلسطينية – الأميركية الوحيدة في الكونغرس، والمعروفة بانتقاداتها العلنية والشديدة لإسرائيل، وهي ترتدي الكوفية، وتحمل لافتة صغيرة كتب عليها «مذنب بارتكاب إبادة جماعية» من جهة، و«مجرم حرب» من جهة أخرى.
واليوم، من المتوقع أن يلتقي نتنياهو بالرئيس السابق، دونالد ترامب، في منتجع «مارالاغو»، وفقاً لما أعلن الأخير في منشور على منصته «تروث سوشيل»، في أول لقاء بعد تدهور العلاقات بينهما منذ انتخابات عام 2020. وممّا جاء أيضاً في منشور ترامب: «خلال فترة ولايتي الأولى، شهدنا على السلام والاستقرار في المنطقة، حتى إننا وقّعنا (اتفاقيات أبراهام التاريخية)»، «وسنفعل ذلك مرة أخرى»، مشدداً على أنّ الحروب في أوكرانيا وغزة يجب أن تنتهي، عبر تطبيق أجندة «السلام عبر القوة»، ومتابعاً: «الملايين يموتون، وكامالا هاريس غير قادرة بأي شكل من الأشكال على إيقاف ذلك».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية