كتب محمد خير الوادي
كشف العدوان على غزة حقيقة يجب الاعتراف بها ، وهي ، التسابق الغربي الرسمي غير المسبوق على الاصطفاف لجانب اسرائيل ، واعتماد سرديتها الكاذبة اساسا للحرب ، وتصنيف عدوانها الهمجي في خانة الدفاع عن النفس ، والسكوت عن جرائهما الوحشية بحق الاطفال والنساء والمدنيين عامة .
واريد ان اشير لنقطتين هامتين في هذا المجال : اولهما ان المساندة الواسعة للعدوان التي انتشرت في الدول الغربية ، لاتشمل الشعوب الغربية ، التي اعلنت شجبها الواسع والمخلص لهذا العدوان ، وعبرت عن ذلك عبر مظاهرات وادانات شعبية لا تتوقف . والنقطة الثانية هي: ان العداء للغرب الذي ينتشر اليوم في الوطن العربي كانتشار النار في الهشيم ، يجب ان لايشمل قيم الحرية والعدالة والديمقراطية والانسانية التي اطلقها الغرب، وصاغتها البشرية على هيئة قوانين واحكام تتمثل اساسا في قرارات الامم المتحدة .
وانا – في مقالتي هذه – لن اناقش العوامل السياسية والتاريخية والدينية ،التي افضت الى هذا التسابق غير المسبوق لاغلبية الحكومات والقوى السياسية الرسمية الغربية في دعم اسرائيل ، بل ساتوقف عند الاسباب ” العربية ” التي شجعت الغرب على اتخاذ تلك المواقف ، واطلاق سيل من التصريحات الوقحة والفجة ،عنوانها العام : تأييد اسرائيل ومباركة سياسة الفصل العنصري والابادة الجماعية ،التي اصبحت نهجا رسميا للصهيونية الدينة الحاكمة في اسرائيل اليوم .
برأي ، هناك سببان للاندفاع الغربي الهستيري لمساندة اسرائيل :
السبب الاول يتجلى في اتفاقات ” السلام التي ابرمها عدد من الدول العربية قبل عدة عقود مع الكيان الصهيوني . لقد اعتقد المسؤولون العرب الذين فعلوا ذلك ، ان تلك الاتفاقات ستجلب السلام الى المنطقة ، وستلجم عدوانية اسرائيل ازاء الشعب الفلسطيني وتجاهلها لحقوقه المشروعة .وللامانة اقول ، ان هذه الاتفاقات قد افضت الى بعض التنازلات الاسرائيلية ، مثل السماح باقامة سلطة فلسطينة وعودة مئات الالآف من الفلسطينيين ، والقبول بحل الدولتين . وهي امور لم تتقييد بها الحكوات الاسرائيلية المتعاقبة . لا بل ان نتن ياهو الذي يحكم اسرائيل منذ نحو عقد ونصف ، قد فاخر في تصريحات علنية ،بانه قد عمل دوما على افراغ تلك الاتفاقات من مضمونها ، وانه قد تمكن- اخيرا – من “تحرير ” اسرائيل من القيود التي فرضتها تلك الاتفاقات .كما تقضي الامانة ايضا القول ، ان موقعي تلك الاتفاقات من الزعماء العرب لم يتجاهلوا القضية الفلسطينية ، بل سعوا – حسب ظنهم – الى ايجاد حل يكفل بعض الحقوق الفلسطينية . ومعروفة هي النتائج الكارثية الى افضت اليها اتفاقات كامب ديفيد واوسلو عل التضامن العربي ، والتي شتت القوى العربية واضعفت النظام العربي ،وشجعت القوى المتصهينة اصلا في الغرب ،على اتخاذ مواقف متقدمة في مساندة لاسرائيل .
السبب الثاني لهرولة الغرب الرسمي لدعم اسرائيل، يكمن في موجة التطبيع التي اجتاحت مؤخرا بعض الدول العربية الاساسية . فمناصروالتطبيع الرسميون قد غذوا الخطا باتجاه التقارب مع اسرائيل دون شروط . بكلمات اوضح ، اذا كان موقعي اتفاقات السلام الاولى مع اسرائيل لم يتجاهلوا القضية الفلسطينية ،وضغطوا على الكيان الصهيوني لتقديم بعض التنازلات ، فان دعاة التطبيع اليوم قد تجاهلوا القضية الفلسطينة تماما، وقدموا التطبيع مجانا لاسرائيل ، ولم يضغطوا للحصول على اي تنازل من جانبها . والخطورة اليوم ، ان التطبيع لم يعد حصرا على الاوساط الرسمية في الدول التي اقامت علاقات مع اسرائيل ، بل ان هناك تشجيعا داخليا وخارجيا على نشر جرثومة التطبيع في الاوساط الشعبية والهياكل غير الرسمية . وقد تفاقمت المشكلة باعلان الدول المطبعة ، ان القضية الفلسطينة لم تعد همٌا عربيا ، بل هي مسألة تهم الفلسطينيين وحدهم ، وان اسرائيل لم تعد عدوا ، بل حليف لمواجهة خطر التمدد الايراني ،الذي رأوا فيه خطرا وجوديا على دولهم .
وبطبيعة الحال ، فان الغرب الذي يراقب حدوث هذه التطورات في الشرق الاوسط ، قد وصل الى نتيجة ، ان القوة العربية المعادية لاسرائيل قد انتهت تماما مع خروج اغلبية الدول الثرية من الصراع مع اسرائيل . وهذا شجع – بالتأكيد – حكومات غربية على اتخاذ مواقف اكثر دعما لاسرائيل ، لان هذا التأييد لن يجر وراءه خسائر اقتصادية وسياسية .
وللامانة الموضوعية اقول ، ان قادة الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع اسرائيل ، قد اعتقدوا – او هكذا اعلنوا – ان التقارب مع اسرائيل سيخدم الفلسطيينين ، لانه سيشجع اسرائيل على التعايش مع الفلسطينيين ، وان هذا التقارب سينقل مجمل الصراع في المنطقة من خانة العنف ، الى سكة التنافس والتعاون الاقتصاديين .
لكن الامور في اسرائيل – بعد التطبيع- اتخذت مسار آخرا تماما . فقد سيطر المتطرفون على الحكم في اسرائيل ،وباتت الصهيونية الدينية ذات العقيدة العنصرية المعادية للعرب – كل العرب هي السياسة الرسمية هناك .
وهكذا صار جليا ، ان التطرف والعدوانية هما من طبيعة اسرائيل ، وان معاداة العرب لم تبدأ في اسرائيل بعد الهجوم الذي شنته حماس في السابع من اكتوبر الماضي ، بل شهدنا هذا العداء والتطرف قبل ذلك ، عبر تزايد الهجمات التي يقوم بها
المستوطنون على المقدسات العربية والاسلامية ، وكذلك عبر التضييق المستمر على حياة الفلسطينيين ، وقضم ارضهم وتدمير ممتلكاتهم ،وبناء مزيد من المستوطنات في الضفة الغربية .
وبناء على ذلك يمكن القول ،ان المشكلة ليست في حماس وفي غيرها من منظمات المقاومة الفلسطينية ، بيت الداء يكمن في سيطرة العداء للعرب والمسلمين على اساس السياسة الاسرائيلية، التي تعتمد الآن العدوانية ، وتعاتي من الغرور والاعتداد بالنفس الى حد انها صدقت خرافات الجيش الذي لا يقهر ،و “شعب الله المختار “، الذي يحق له مالا يحق لغيره ..
بعد هذا كل ينهض السؤال الملح التالي : ما العمل ، وهل يمكن اصلاح ذات البين في الوضع العربي ؟
لابد من امتلاك الجراة للقول ، ان الشتيمة وسوق الاتهامات بالخيانة والعمالة ستجعل الامور اكثر سوءا ، وستخلق مزيدا من التشرذم والتفتت في الصف العربي .برأي ،لقد حان الوقت للبدء بحوار هاديء ، بعيد عن التشنج ولغة الاتهام ، حوار يطرح على الانظمة التي اقامت علاقات مع اسرائيل الاسئلة الموضوعية التالية :
هل اصبحت اسرائيل بعد اتفاقات التطبيع العربي معها اكثر جنوحا للسلام ؟ وهل جنَت دول التطبيع فوائد عملية من التقارب مع اسرائيل والتحالف معها ؟ وهل اصبحت الامور اكثر استقرار للانظمة المطبعة بعد الغليان الشعبي الذي احدثته الممارسات الاجرامية الاسرائيلية في غزة والضفة ؟ وهل ارتقت المكانة الدولية لهذه الدول بعد التطبيع ؟
ان دحر العدوان الاسرائيلي على غزة والضفة ، سيقلب كل الاوضاع في المنطقة ، وسيخلق ارضية مناسبة تجعل انظمة التطبيع اكثر استعداد للحوار .
اخيرا ، وفيما يتعلق يالسؤال الاخير الذي ينبغي ان يطرح على انظمة التطبيع ، اذكر الواقعة التالية : ان حركة الحوثيين في اليمن ، قد اصبحت – رغم الحصار والحرب ضدها منذ ثماني سنوات – رقما مهما له وزن في معادلات الشرق الاوسط ، وان الاوساط العالمية ستضطر للتعامل مع الحوثيين آجلا او عاجلا . وسبب نمو نفوذ الحوثيين ،هو تمسكهم بالقضية الفلسطينية وانحيازهم الى الشعب الفلسطيني . وهذا درس بليغ للنظام العربي كله . وقديما قالوا : من يهن يسهل الهوان عليه .
(سيرياهوم نيوز ١-آسيا والصين)