تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
…ولكن ألم يقل ول ديورانت، صاحب “قصة الحضارة”، ان نهاية الشرق الأوسط قد تكون نهاية العالم. هذا ما يفعله بنيامين نتنياهو، الذي لا ندري اذا كانت الضرورة الاستراتيجية أم الضرورة الايديولوجية، هي التي تدفع به الى تلك الحالة من الجنون الدموي. نزع السلاح في سوريا، ونزع السلاح في ايران، ونزع السلاح في مصر (كلام المسؤول “الاسرائيلي” لصحيفة “اسرائيل هيوم”)، ثم نزع السلاح في تركيا، حتى ولو تحول الشرق الأوسط الى جهنم.
هالنا أن يكون الرؤساء الأميركيون “اسرائيليين” الى هذا الحد. ادوار سعيد كان يتحدث عن قدرة “اللوبي اليهودي” على غسل أدمغة رجال البيت الأبيض. استخدم تعبير “السكتة التوراتية”، ملاحظاً أن نصوص التوراة حلت محل الدستور، ودون أن يكون هناك مكان للعرب في أجندة أولئك الرؤساء، الا كبقايا قبلية استقرت على تخوم القرون القرون الوسطى، ولا أمل في أن تتفاعل مع جدلية الأزمنة (وليم كريستول).
حتى أن السناتور لندسي غراهام تحدث لقناة “فوكس نيوز”، تعقيباً على عملية “طوفان الأقصى”، عن “ذلك النوع الهجين من البشر الذين إما يعيشون داخل قبورهم، أو يعيشون داخل جثثهم”. هكذا لا أحد يعبأ بالجثث التي تتكدس في العراء على أرض غزة، دون أن تعلو الأصوات التي توقف تلك المذبحة الرهيبة، بعدما كان الفيلسوف الفرنسي ادغار موران قد كتب عن “موت العالم”. هل حقاً أن الكرة الأرضية تحولت الى مقبرة للبشرية التي ” مات الله في قلوبها”.
الأنظار تتجه يوم السبت الى مسقط حيث المحادثات الأميركية ـ الايرانية. ستيفن ويتكوف وجهاً لوجه مع عباس عرقجي. الاثنان، وبالرغم من الاختلاف في الثقافة أو في الوسائل، يميلان الى البرغماتية في التعامل مع ملف البرنامج النووي الايراني، ما يعني أن علينا ألا نتوقع وقوع انفجار داخل ردهة المفاوضات. المشكلة باتت أكثر من مشكلة. الظروف تغيرت. خارطة القوة تعرضت لتغييرات تراجيدية، إن بعد الحرب الأخيرة أو بعد ظهور نظام جديد في سوريا كورقة في اليد التركية.
لا نتصور في أي حال أن ايران يمكن أن تقبل بالمس إن بإنتاجها للصواريخ البالستية، أو بالقضاء على القوى الحليفة لها، وإن بات واضحاً أن المشهد الجيوسياسي في المنطقة انقلب رأساً على عقب. بنيامين نتنياهو يريد تفكيك البرنامج النووي الايراني، على طريقة تفكيك البرنامج النووي الليبي. ولكن لا ايران هي ليبيا، ولا آية الله خامنئي هو معمر القذافي.
لا السبت الأسود ولا السبت الأبيض، بل السبت الرمادي. ولكن يمكن أن يحدد ليس فقط مسار العلاقات الأميركية ـ الايرانية، وانما أيضاً المسار المستقبلي للمنطقة. بطبيعة الحال هناك من يرى أن الاتفاق على اطلاق المفاوضات، يعني أن الجانبين يوليان الأهمية المطلقة للخيار الديبلوماسي، دون أن يعني ذلك الاستبعاد الكلي للخيار العسكري. الأميركيون مستعدون لتعطيل كل الشبكات الالكترونية، وان كانت الدوريات الغربية المتخصصة تعتبر أن الايرانيين اتخذوا كل الاجراءات اللازمة كي لا تكون الضربة القاضية. هذا لا يمكن أن يحجب الآثار الكارثية للهوة التكنولوجية بين البلدين.
خبراء يعتبرون أن ايران لم تفقد كل أوراقها بعد كل تلك الصدمات البنيوية، وحتى الوجودية، التي أصابت حلفاءها. هناك المدى الجغرافي (1648 000 كيلومتر مربع)، ما يتيح توزيع الامكانات الدفاعية والهجومية بالصورة التي تربك الأعداء، وان كان الكثير من المواقع الحساسة بات مكشوفاً للأميركيين وكذلك “للإسرائيليين”. الدوريات الغربية المتخصصة لاحظت أن الايرانيين نشروا أسطولهم البحري، بطريقة تحول دون توجيه أي ضربة اليه، على غرار الضربة اليابانية على الأسطول الأميركي في ميناء بيرل هاربر في 7 كانون الأول 1941.
لكن كل شيء تغير منذ الحرب العالمية الثانية، الكلمة الآن للتقنيات السيبرانية التي قلبت المفاهيم الكلاسيكية للحرب رأساً على عقب، وان أظهرت عملية “طوفان الأقصى” أن بالإمكان مواجهة التفوق الالكتروني بوسائل مختلفة، وهذا ما بدا واضحاً في غزة، حيث استطاعت حركة “حماس”، وفي ظروف قاتلة، من انشاء شبكة معقدة من الأنفاق، بالرغم من الرصد الالكتروني “الاسرائيلي”، وانتشار عملاء “الموساد”، حتى أن الرئيس الأسبق للجهاز تمير باردو كان يفاخر بزرع عملائه تحت ثياب قادة حركة “حماس”، وفي منطقة منبسطة ومحدودة ومحاصرة من الجهات الأربع.
بعيداً عن الضجيج العسكري “الاسرائيلي”، يحذر خبراء استراتيجيون أميركيون من أن تحدث الغارات الجوية الأميركية (و”الاسرائيلية”) واقعاً على الأرض يستتبع اجتياحاً برياً، وهو أمر شديد التعقيد وعالي التكلفة، وقد يؤدي الى تكرار التجربة الكارثية في كل من فيتنام وأفغانستان.
في واشنطن أن دونالد ترامب لا يشبه هاري ترومان بالقنبلة الذرية على هيروشيما، ولا دوايت ايزنهاور بإنزال النورماندي، وحتى جورج بوش بالخلفية الايديولوجية التي ورثها عن جده بريسكوت بوش (وان كانا يتشابهان في الغباء الاستراتيجي). الرئيس الحالي بشخصية شايلوك، بطل رائعة شكسبير “تاجر البندقية”، والذي كان يقتطع لحم زبائنه.
حين تفتح أبواب الردهة الديبلوماسية تقفل الأنوار في البنتاغون، ويخلع الجنرلات ثيابهم المرقطة. بعد غد السبت قد يدخل التاريخ. الأنكليزي آرنولد توينبي وصف التاريخ بـ “العاشق الأبدي للدم”!!…
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-الحوار نيوز