بعد أشهر من التسريبات والتصريحات الأميركية التي أوحت لمن يتابعها، أكثر من مرة، بأن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة في غزة أصبح قاب قوسين وأدنى، والتي كانت تنتهي، في كل محطة، بـ«خيبة أمل» أميركية، وظهور المزيد من «الفجوات» بين الطرفين، يبدو أن المسؤولين الأميركيين، أنفسهم، بدؤوا يتخلون عن «التفاؤل» الذي دأبوا على بثّه طوال الأشهر الماضية. وظهر ذلك واضحاً في تصريحات هؤلاء لموقع «أكسيوس»، والتي أكدوا فيها أن البيت الأبيض «يعيد تقييم» إستراتيجيته حول صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وأن كبار مساعدي جو بايدن يبحثون ما إذا كانت هناك أي جدوى من تقديم مقترح جديد، في «وقت تشتد فيه مواقف كل من حماس وإسرائيل صرامةً». وفي حين يريد بايدن مواصلة الضغط من أجل صفقة، يعتقد مستشاروه، طبقاً للموقع، أن الاقتراح الجديد «لن يصل إلى أي مكان» في الوقت الراهن، وهو ما يتعارض مع التصريحات التي أدلى بها، في وقت سابق، كل من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ومدير «وكالة المخابرات المركزية»، بيل بيرنز، حول أن الولايات المتحدة تستعد لتقديم مقترح نهائي ومحدث «خلال أيام». وأكد مسؤولون أميركيون آخرون أن مثل هذه الخطوة «ليست وشيكة»، فيما نقل الموقع عن أحد هؤلاء قوله: «إنها فترة صعبة. يشعر الناس في البيت الأبيض بالحزن والانزعاج والإحباط. ما زلنا نعمل لكننا لسنا على وشك تقديم أي شيء قريباً»، وإن الموقف «صعب».ووضعت تلك المعطيات وما سبقها من مؤشرات مماثلة، المزيد من علامات الاستفهام حول السلوك الأميركي في المدة الأخيرة، والهدف منه. وفي هذا السياق، كتب المحلل توماس فريدمان، في مقال رأي نشرته «نيويورك تايمز» قبل أيام، مخاطباً جو بايدن: «سيدي الرئيس، من فضلك، أخبرني أن نتنياهو لم يعاملك كالأحمق. لقد أجريتَ محادثات متكررة معه، وكنت تُلحقها بتوقعاتك المتفائلة بشأن وقف إطلاق النار الوشيك في غزة، بيما كان هو يقوم بإخبار أتباعه شيئاً آخر كلياً». ويعتبر فريدمان أن هنالك قاعدة واضحة في الشرق الأوسط، وهي أن المسؤولين «يكذبون في الجلسات الخاصة، ويقولون الحقيقة لأنصارهم في العلن»، في إشارة إلى نتنياهو. ويرى أن «العقيدة» التي اعتمدها بايدن إزاء الحرب في غزة ضربت عمق «عقيدة بيبي»، والتي تقوم على بذل كل الجهود الممكنة لتجنب «أي عملية سياسية مع الفلسطينيين، قد تتطلب تنازلاً عن بعض الأراضي في الضفة الغربية، من شأنه أن يكسر تحالف نتنياهو السياسي مع اليمين المتطرف الإسرائيلي». لكن فريدمان ينبه إلى أن في حال كان بايدن ونائبته كامالا هاريس بحاجة إلى أي تذكير، بأن نتنياهو «ليس صديقاً لهما، وليس صديقاً لأميركا، والمثير للخجل أكثر من ذلك، أنّه ليس صديقاً للرهائن الإسرائيليين في غزة»، فإن مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة، يجب أن يفي بالغرض، مشيراً إلى أن لنتنياهو مصلحة واحدة: بقاؤه السياسي الحالي، حتى لو كان هذا يقوض، على المدى الطويل، «بقاء إسرائيل». ويتابع التقرير، في تحذير إلى هاريس، أن عقلية نتنياهو تلك قد تدفعه إلى اتخاذ خطوات عدة في الشهرين المقبلين، يمكن أن تضر بشكل خطير بفرص المرشحة الديموقراطية، وتعزز، في المقابل، فرص منافسها دونالد ترامب.
وضعت المعطيات الأخيرة المزيد من علامات الاستفهام حول السلوك الأميركي في الفترة الماضية
وفي الإطار نفسه، ذكر تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» أن المسؤولين الأميركيين مصرّون على إبرام صفقة لأنه «ما من خيار آخر لإنهاء الحرب»، وأن بايدن يريد الصفقة أكثر من نتنياهو «وحماس»، وهو ما يدفعه إلى التمسك بها. ونقلت المجلة عن آرون ديفيد ميلر، وهو «مفاوض سلام» سابق في الشرق الأوسط، قوله إن إدارة بايدن «تخاطر بتقويض مصداقيتها عبر وضع توقعات بحدوث اختراق كبير جداً». وتابع: «لست متأكداً من أنني شاركت في مفاوضات، أو رأيت مفاوضات، يتم عبرها إخبار وسائل الإعلام مراراً وتكراراً عن توقعات بحدوث اختراق، من دون أن تكون هناك أي نتائج» في وقت لاحق. والظاهر أن «التخاذل» الأميركي عن إيجاد حلول فعلية لبعض النقاط العالقة، يحول دون إبرام الاتفاق؛ ففي حين أصبح انسحاب القوات الإسرائيلية من معبر «فيلاديلفيا» يشكل نقطة خلاف أساسية، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤول أميركي قوله، في حديث إلى الصحافيين، الأربعاء، إنّ المقترح الأميركي لا يأتي على ذكر ممرّ المعبر، ما يعني أن واشنطن وإسرائيل تسعيان إلى تأمين وقف أولي لإطلاق النار «من دون إيجاد حل لهذه المسألة».
التأثير على الانتخابات
وبالعودة إلى مقال فريدمان، والذي ركز فيه على «دور» نتنياهو في الانتخابات القادمة، يشير المحلل الأميركي إلى أنه «لن يتفاجأ» في حال عمد نتنياهو إلى تصعيد الأوضاع في غزة، حتى يوم الانتخابات، لتصعيب مهمة الديموقراطيين، عبر إجبارهم على توجيه انتقادات حادة إلى إسرائيل ما سيفقدهم دعم اليهود الأميركيين، أو التزام الصمت وخسارة أصوات العرب الأميركيين. ويرجع ذلك، على الأرجح، إلى رغبة نتنياهو في أن يفوز ترامب، والإيحاء للأخير بأنه قادر على مساعدته لتحقيق الفوز. وفي حال فاز ترامب، قد يعمد نتنياهو، بحسب فريدمان، إلى الإعلان عن «انتصاره الكامل»، ويوافق على وقف لإطلاق النار واستعادة مَن تبقّى من الأسرى، قبل أن يتخلى عن حلفائه الأكثر تطرفاً لدى إعادة ترشّحه، كي يضمن «إعادة انتخابه» من دونهم، على أن يكون برنامجه كالآتي: «حققتُ انتصاراً كاملاً في غزة، وصغتُ، مع ترامب، اتفاقاً تاريخياً بين إسرائيل والسعودية». ويختم فريدمان مقاله بالقول: «يفوز نتنياهو ويفوز ترامب، وتخسر إسرائيل، فيما ستظل غزة تغلي»، متابعاً: «ستكون إسرائيل دولة منبوذة أكثر من أي وقت مضى»، إلا أن نتنياهو سيفوز بولاية أخرى، «وهذا كل ما يهم».
سيرياهوم نيوز١_الأخبار