قالت صحيفة نيوزويك الأميركية إن المراكمة الكبيرة للسلع الأساسية كالذهب والنفط التي يجري العمل عليها في الصين في الأشهر الأخيرة أثارت التكهنات بين المحللين، مما أثار تساؤلات حول نوايا بكين وقدرتها على نشر ما يصفه بعض الاقتصاديين بـ”الخيار النووي” الاقتصادي.
ولفت الرئيس التنفيذي لشركة ستينو للأبحاث أندرياس ستينو لارسن، الانتباه إلى المخزون الكبير من الموارد في الصين، وهو ما أثار تكهنات حول احتمال تخفيض قيمة اليوان لمرة واحدة. ومثل هذه الخطوة، التي غالبا ما يتم تشبيهها بـ”الخيار النووي” في الدوائر الاقتصادية، يمكن أن يكون لها آثار بعيدة المدى على الأسواق المالية العالمية وديناميكيات التجارة.
وفي قلب هذه التكهنات يكمن احتمال قيام الصين بتخفيض قيمة اليوان عمدا وهي خطوة يمكن أن تعزز القدرة التنافسية لصادرات البلاد على الساحة العالمية.
ومع ذلك، يحذر الاقتصاديون من أن مثل هذه الإستراتيجية قد تأتي بمخاطر كبيرة، خاصة في مجال العلاقات التجارية الدولية.
ومن خلال جعل سلعها أرخص وأكثر جاذبية للمشترين الأجانب، يمكن للصين أن تؤدي إلى تفاقم التوترات التجارية مع الشركاء الرئيسيين مثل الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى تصعيد النزاعات المستمرة وإطلاق تدابير انتقامية.
ومع ذلك فإن جاذبية الميزة التنافسية في الأسواق العالمية قد تغري صناع السياسات في الصين إلى النظر في هذا المسار الجذري ووضعه على الطاولة.
وتحسبًا للتداعيات المحتملة لتخفيض قيمة العملة، زادت الصين مشترياتها من السلع الأساسية مثل الذهب والنفط. ويشير المحللون إلى أن تراكم هذه الموارد يخدم غرضا مزدوجا: توفير وسادة مالية ضد الصدمات الاقتصادية التي يمكن أن تصاحب خفض قيمة العملة وتعزيز قوة الصين التفاوضية على المسرح العالمي.
ومن خلال تنويع ممتلكاتها من الأصول وتقليل الاعتماد على العملات الغربية، تهدف الصين إلى عزل اقتصادها عن الضغوط الخارجية والحفاظ على الاستقرار وسط المياه الاقتصادية المضطربة.
وشرع البنك المركزي الصيني في تنفيذ سلسلة ملحوظة من عمليات الاستحواذ على الذهب، مما أدى إلى تعزيز احتياطياته لمدة 17 شهرًا متتاليًا.
وعلى الرغم من الأسعار المرتفعة بشكل قياسي وضعف اليوان، فإن شهية بكين للذهب لا تزال غير منقوصة، وهو الاتجاه الذي لفت انتباه الاقتصاديين والمراقبين الجيوسياسيين على حد سواء.
ويؤكد إسوار براساد، الأستاذ في جامعة كورنيل والمسؤول السابق في صندوق النقد الدولي لنيوزويك، أن مشتريات الذهب الرسمية تعكس الأهداف الإستراتيجية الأوسع للصين. ومن خلال الحد من تعرضها للدولار والعملات الغربية الأخرى، تسعى الصين إلى تأكيد سيادتها الاقتصادية ووضع نفسها كلاعب كبير على الساحة المالية العالمية.
وبالإضافة إلى الذهب، لا تزال شهية الصين للنفط الخام لا تشبع، حيث بلغت الواردات القياسية 11.3 مليون برميل يوميا في العام الماضي. ومن خلال الاستفادة من الشراكات الإستراتيجية مع المصدرين الرئيسيين مثل روسيا، تمكنت الصين من تأمين تدفق موثوق لموارد الطاقة في حين عملت في الوقت نفسه على تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الحلفاء الرئيسيين.
وترى نيوزويك أن هذه المناورة الإستراتيجية تدل على تصميم الصين على حماية أمن الطاقة لديها وتخفيف الاضطرابات المحتملة في اقتصادها، وخاصة في مواجهة التوترات الجيوسياسية والشكوك.
ورغم أن الدوافع الاقتصادية قد تدفع الصين إلى تراكم السلع الأساسية، فإن بعض المحللين يفسرون هذه التصرفات من خلال عدسة جيوسياسية. ويشير مايكل ستوديمان، الرئيس السابق لمكتب الاستخبارات البحرية، إلى أن الصين ربما تستعد لحظر محتمل أو تداعيات دولية ناجمة عن أعمال مثل غزو تايوان.
ومن خلال تعزيز احتياطياتها الإستراتيجية من السلع الأساسية وتنويع ممتلكاتها من الأصول، تهدف الصين إلى تعزيز مرونتها الاقتصادية والإبحار بثقة في الشبكة المعقدة من الجغرافيا السياسية العالمية.
ومع تصاعد التكهنات واحتدام التوترات، يراقب المجتمع الدولي باهتمام شديد لمعرفة الخطوة التالية لبكين في التشابك المعقد للاقتصاد والسياسة العالمية. ويتردد صدى تصرفات الصين الإستراتيجية خارج حدودها، فتعمل على تشكيل مسار الديناميكيات الاقتصادية العالمية والعلاقات الدبلوماسية، حسب “الجزيرة نت”.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم