ماذا يمكن أن نفعل كي يتحول السلام الهش في لبنان إلى سلام دائم؟ كتب نير أرييللي في صحيفة “نيوزويك”:
كان من المفترض أن ينتهي وقف إطلاق النار الذي دام ستين يوماً، والذي جلب الهدوء النسبي إلى شمال إسرائيل ولبنان، في السادس والعشرين من يناير. ولكن في غياب تسوية طويلة الأجل، تم تمديد وقف إطلاق النار حتى الثامن عشر من فبراير.
وقد أدى هذا إلى توسيع إسرائيل لوجودها في لبنان، ومع اندلاع أعمال عنف محدودة بالفعل، فإن الهدوء الذي جلبه وقف إطلاق النار لا يزال معرضاً لخطر الفشل. ولكن لم يفت الأوان لإنقاذ السلام النسبي بين إسرائيل ولبنان، شريطة أن يكون المجتمع الدولي على استعداد للقيام بما يلزم.
إن قوة حفظ سلام دولية قوية تتمتع بتفويض واسع النطاق وقواعد اشتباك متساهلة من شأنها أن تساعد في جلب الاستقرار إلى هذه الحدود المضطربة. ولا يعد تقديم مثل هذه القوة اقتراحاً جديداً، حيث سبق للأمم المتحدة أن أنشأت بعثات أخرى بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويمكنها أن تفعل ذلك مرة أخرى في لبنان. ولا يخلو هذا الحل من التحديات، ولكنه يمثل أفضل السبل للمضي قدماً.
لا شك أن قوات حفظ السلام المتعددة الجنسيات لا تتمتع بسجل جيد في لبنان. فمنذ عام 1978، كان كل اندلاع للعنف بين إسرائيل ولبنان ينتهي بنفس الطريقة إلى حد كبير ــ وقف إطلاق نار مؤقت تدعمه بعض أشكال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
دخلت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) البلاد لأول مرة في عام 1978 لاستعادة السلام والأمن ومساعدة الحكومة اللبنانية في جنوب لبنان. ومن المؤسف أن أول مهمة لليونيفيل فشلت واضطرت إلى التجديد مرارا وتكرارا كجزء من الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في أعوام 1982 و2000 و2006، وفي كل مرة مع ترقية طفيفة.
وفي الفترة التي سبقت 7 أكتوبر 2023، أثبتت اليونيفيل مرة أخرى عجزها عن تنفيذ مهمتها المتمثلة في نزع سلاح حزب الله والحفاظ على هدوء الحدود. وبحلول الوقت الذي شن فيه حزب الله قصفه لإسرائيل تضامنا مع الهجوم الشرس الذي شنته حماس على إسرائيل، كانت المنظمة اللبنانية المسلحة قد تمكنت من بناء قدرة عسكرية كبيرة تحت أنف اليونيفيل وكانت أكثر قوة من أي وقت مضى.
إن هذا النمط من عدم فعالية قوات اليونيفيل أدى إلى تدمير ثقة إسرائيل في قدرة المجتمع الدولي على الوفاء بتعهداته في مجال حفظ السلام. وفي كل من هذه الحالات فشلت المشاركة الدولية في إحداث فارق كبير لأنها كانت تفتقر إلى القوة والصلابة، والمهمة الواضحة، واعتمدت على الدعم المادي من جانب الحكومة اللبنانية. ولابد وأن يتغير هذا إذا كان المجتمع الدولي راغباً في كسر حلقة العنف في لبنان.
في قلب كل مهمة سابقة كانت هناك قوة تابعة للأمم المتحدة خفيفة التسليح والتجهيز تم نشرها لمراقبة وقف إطلاق النار ومساعدة الحكومة اللبنانية في استعادة سلطتها. وقد تم نشر هذه البعثات التابعة للأمم المتحدة بسلطة محدودة وقواعد اشتباك منعتها إلى حد كبير من استخدام القوة إلا كملاذ أخير للدفاع عن النفس.
وعلاوة على ذلك، لم يكن بوسع قوات حفظ السلام هذه أن تعمل إلا لدعم القوات المسلحة اللبنانية. وهذان الجانبان من قوة اليونيفيل يوفران الكثير من الأسباب وراء إخفاقاتها المتكررة.
ولذلك يجب أن تتمتع أي قوة متعددة الجنسيات في المستقبل بالقدرة على العمل بمفردها للحفاظ على وقف إطلاق النار وخلق الظروف الملائمة للسلام. وجدير بالذكر أن لبنان بدأ يعاني من عدم الاستقرار الشديد في عام 1958، وبلغ هذا ذروته مع اندلاع حرب أهلية وحشية في عام 1975، والتي استمرت لأكثر من عقد من الزمان.
إن التعيين الأخير لرئيس جديد ورئيس وزراء جديد في لبنان يعطي الأمل في حكم أقوى، ولكن من غير المرجح أن تخاطر أي حكومة جديدة بتحدي حزب الله عسكرياً لأن هذا من شأنه أن يدفع البلاد إلى حرب أهلية مرة أخرى. وفي عام 2008، عندما اقتحمت قوات تابعة لحزب الله عدة أحياء في بيروت ومناطق أخرى من البلاد، لم تفعل القوات المسلحة اللبنانية الكثير رداً على ذلك، بل إنها دعمت بعض مطالب حزب الله.
والجيش اللبناني ليس الوحيد الذي أبدى القليل من الرغبة في مواجهة حزب الله؛ فباعتباره حزباً سياسياً رئيسياً، كان حزب الله جزءاً من الحكومة اللبنانية لسنوات عديدة. والواقع أن التأخير الحالي في نشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني ساهم في دفع جيش الدفاع الإسرائيلي إلى اتخاذ قرار بالحفاظ على وجود في مواقع استراتيجية في جنوب لبنان بعد انتهاء وقف إطلاق النار الذي دام ستين يوماً.
إن الضعف النسبي الذي يعاني منه المعارضون لحزب الله داخل لبنان من غير المرجح أن يتغير في المستقبل القريب. وعلى هذا فإذا كانت القوة المتعددة الجنسيات تنوي الوفاء بتفويضها وفرض شروط وقف إطلاق النار من خلال ضمان انسحاب حزب الله إلى الشمال من نهر الليطاني، فلابد وأن تكون قادرة على التصرف حتى من دون طلب من الحكومة اللبنانية.
إن مواجهة حزب الله تنطوي بطبيعتها على استخدام القوة. وكما علّم حزب الله العالم من خلال هجماته على القوات الأمريكية والفرنسية المنتشرة في لبنان في ثمانينيات القرن العشرين، فإن معارضة حزب الله قد تكلف أرواحاً. والحكومات الأجنبية تدرك أن حفظ السلام على هذه الحدود قد يكون عملاً محفوفاً بالمخاطر، وقد أصيب العديد من أفراد اليونيفيل أثناء القتال الأخير بين جيش الدفاع الإسرائيلي وحزب الله.
إن خطر وقوع إصابات يشكل تحدياً خاصاً حيث تلتزم البلدان بإرسال قواتها إلى اليونيفيل طواعية ويمكنها سحبها في أي وقت، كما فعلت الأرجنتين في نوفمبر 2024. وللحد من تعرض القوات الدولية لهجمات حزب الله، يجب أن تمتلك اليونيفيل معدات أكثر قوة. وسوف تحتاج إلى قدرات مثل الدروع الثقيلة والدعم الجوي الذي سيسمح لها بتنفيذ مهمتها مع حماية نفسها.
ولكي تنجح مثل هذه القوة، يجب على المجتمع الدولي أن يقرن هذه القدرات بقواعد اشتباك أكثر تساهلاً. وفي الوقت الحالي، يجب على قوات حفظ السلام التابعة لليونيفيل تجنب المواجهات واستخدام القوة فقط كملاذ أخير للدفاع عن النفس. ويمكن لحزب الله أن يستفيد بسهولة من هذه القيود. ولا يمكن إلا للقوة التي تمتلك القدرات والقدرة على استخدامها في متابعة مهمتها أن تغير هذه الديناميكية.
وفي أماكن أخرى، أنشأت الأمم المتحدة آليات لتوفير قواعد اشتباك أكثر قوة لقوات حفظ السلام وإنفاذ السلام من خلال إنشاء البعثات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ومن شأن هذا أن يساهم إلى حد ما في معالجة التحديات في لبنان.
إن هذه القوة “الأكثر قوة”، ذات القدرات والصلاحيات الكافية، من شأنها أن تعالج مخاوف البلدان المساهمة بقواتها ومخاوف الزعماء الإسرائيليين واللبنانيين أيضاً. ومن خلال إضعاف قبضة حزب الله في جنوب لبنان، فإن مثل هذه القوة من شأنها أيضاً أن تساعد الحكومة اللبنانية على تقليص نفوذ حزب الله وغيره في البلاد وتعزيز استقلالية الحكومة.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم