- دان بيلفسكي
تحوّلت الاحتجاجات في كازاخستان، الدولة الغنية بالنفط في آسيا الوسطى، إلى اضطرابات أمنية تهدد تردداتها جميع أنحاء المنطقة.
كتب دان بيلفسكي تقريراً في صحيفة “نيويورك تايمز”الأميركية تناول فيه الأحداث الأخيرة في كازاخستان محاولاً تعريف القراء بما يجري في هذه الدولة الغنية بالنفط في آسيا الوسطى. وقد حاول الكاتب إعطاء الوضع هناك طابع التمرد السياسي على نظام مستبد، مشبهاً الاحتجاجات بتلك التي جرت في أوكرانيا وبيلاروسيا ضد نظامين كانا قريبين من روسيا.
ماذا يحدث في كازاخستان ولماذا؟
قالت الصحيفة إن آلاف المحتجين الغاضبين خرجوا إلى شوارع كازاخستان في الأيام الأخيرة، في أكبر أزمة تهز الدولة الاستبدادية منذ عقود. تمثل الأحداث تحديًا صارخًا للرئيس قاسم جومارت توكاييف بعد أقل من ثلاث سنوات من حكمه، وهي تزعزع استقرار منطقة مضطربة بالفعل حيث تتنافس روسيا والولايات المتحدة على النفوذ.
وأظهر مقطع فيديو نُشر على الإنترنت يوم أس الأربعاء أشخاصًا يقتحمون المبنى الحكومي الرئيسي في ألماتي، أكبر مدينة في البلاد، بينما أشعل المتظاهرون النار في سيارات الشرطة، وكذلك في الفرع الإقليمي لحزب نور أوتان الحاكم.
وأضافت الصحيفة أن الاحتجاجات اندلعت بسبب الغضب من ارتفاع أسعار الوقود. “لكنها تكثفت لتصبح شيئًا أكثر أهمية وقابلية للاشتعال: استياء واسع النطاق من الحكومة الاستبدادية الخانقة وانتقاد حاد للفساد المستشري الذي أدى إلى تركز الثروة داخل نخبة سياسية واقتصادية صغيرة”.
ما الذي أدى إلى احتجاجات كازاخستان؟
أشارت الصحيفة إلى غليان الغضب عندما رفعت الحكومة الحدود القصوى لأسعار غاز البترول المسال وهو وقود منخفض الكربون يستخدمه العديد من الكازاخيين لتشغيل سياراتهم. لكن الاحتجاجات لها جذور عميقة أكثر، بما في ذلك الغضب من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، والتي تفاقمت بسبب تفشي الوباء، فضلاً عن الافتقار إلى الديمقراطية الحقيقية. tمتوسط الراتب في كازاخستان يعادل 570 دولارًا شهريًا، وفقًا لإحصاءات الحكومة ، على الرغم من أن الكثير من الناس يكسبون رواتب أقل بكثير.
ماذا يريد المحتجون في كازاخستان؟
زعمت الصحيفة أنه مع اشتداد الاحتجاجات، اتسع نطاق مطالب المتظاهرين من المطالبة بخفض أسعار الوقود لتشمل تحررًا سياسيًا أوسع. ومن بين التغييرات التي يسعون إليها الانتخاب المباشر لقادة كازاخستان الإقليميين، بدلاً من نظام التعيينات الحالي من قبل الرئيس. وأضافت: “باختصار، إنهم يطالبون بالإطاحة بالقوى السياسية التي حكمت البلاد من دون أي معارضة كبيرة منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991”.
لماذا الاضطرابات في كازاخستان تهم المنطقة والعالم؟
تقع كازاخستان بين روسيا والصين، وهي أكبر دولة غير ساحلية في العالم، وأكبر من أوروبا الغربية بأكملها، على الرغم من أن عدد سكانها لا يتجاوز 19 مليون نسمة.
وقالت الصحيفة إن أهمية التظاهرات الأخيرة تعود إلى كون البلاد كانت تعتبر حتى الآن ركيزة الاستقرار السياسي والاقتصادي في منطقة غير مستقرة، حتى أن “هذا الاستقرار جاء على حساب حكومة قمعية تخنق المعارضة”.
وأوضحت أن أهمية “الاحتجاجات تنبع أيضًا من كون كازاخستان متحالفة مع روسيا، التي ينظر رئيسها فلاديمير بوتين، إلى البلاد – “وهي كيان مزدوج من نوع ما بالنسبة لروسيا من حيث أنظمته الاقتصادية والسياسية – كجزء من مجال نفوذ روسيا. بالنسبة للكرملين، تمثل الأحداث تحديًا آخر محتملًا للسلطة الاستبدادية في دولة مجاورة. فهذه هي الانتفاضة الثالثة ضد دولة استبدادية متحالفة مع الكرملين، في أعقاب الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في أوكرانيا في عام 2014 وفي بيلاروسيا في عام 2020. فالفوضى تهدد بتقويض نفوذ موسكو في المنطقة في وقت تحاول فيه روسيا تأكيد اقتصادها وقوتها الجيوسياسية في دول مثل أوكرانيا وبيلاروسيا”.
وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أن دول الاتحاد السوفياتي السابق تراقب الاحتجاجات عن كثب، ويمكن أن تساعد الأحداث في كازاخستان في تنشيط قوى المعارضة في أماكن أخرى.
أهمية كازاخستان لدى أميركا
كما أن كازاخستان مهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لأنها أصبحت دولة مهمة لمخاوف الطاقة الأميركية، حيث استثمرت شركتا إكسون موبيل وشيفرون عشرات المليارات من الدولارات في غرب كازاخستان، المنطقة التي بدأت فيها الاضطرابات هذا الشهر.
وعلى الرغم من أن لديها علاقات وثيقة مع موسكو، إلا أن الحكومات الكازاخستانية المتتالية حافظت كذلك على روابط وثيقة مع الولايات المتحدة، حيث يُنظر إلى الاستثمار النفطي الأميركي على أنه ثقل موازن للنفوذ الروسي. فلطالما كانت حكومة الولايات المتحدة أقل انتقادًا لاستبداد ما بعد الاتحاد السوفياتي في كازاخستان من انتقادها لمثيليه في روسيا وبيلاروسيا.
كيف ردت حكومة كازاخستان على الاحتجاجات؟
ذكرت الصحيفة أن الحكومة الكازاخستانية حاولت قمع التظاهرات من خلال إعلان حالة الطوارئ وحظر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة، بما في ذلك Facebook وWhatsApp وTelegram ولأول مرة التطبيق الصيني WeChat. فالاحتجاجات العامة من دون تصاريح هي أساساً غير قانونية. كما وافقت الحكومة على عدد قليل من مطالب المتظاهرين، بإقالة الحكومة وإعلان محتمل لحل مجلس النواب، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتخابات جديدة. لكن تحركاتها فشلت حتى الآن في تهدئة السخط.
من هم اللاعبون الرئيسيون في كازاخستان؟
قبل أقل من ثلاث سنوات، استقال رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف، البالغ من العمر الآن 81 عامًا. كان يعمل في صناعة الصلب وزعيمًا للحزب الشيوعي سابقًا، وصعد إلى السلطة في كازاخستان عام 1989، عندما كانت لا تزال جزءًا من الاتحاد السوفياتي. خلال فترة حكمه، اجتذب استثمارات هائلة من شركات الطاقة الأجنبية لتطوير احتياطيات النفط في البلاد، والتي تقدر بنحو 30 مليار برميل، وهي الاحتياطات الأكبر بين الجمهوريات السوفياتية السابقة.
نزارباييف، آخر رئيس على قيد الحياة في آسيا الوسطى قاد بلاده إلى الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، سلّم السلطة في عام 2019 إلى قاسم توكاييف الذي كان رئيس مجلس الشيوخ في البرلمان ورئيساً للوزراء السابق ووزيراً للخارجية.
يُنظر إلى توكاييف على نطاق واسع على أنه الخليفة المختار لنزارباييف، الذي كان يُعتقد حتى وقت قريب أنه يتمتع بسلطة كبيرة، ويحمل لقب “زعيم الأمة” ويعمل كرئيس لمجلس الأمن في البلاد. لكن التمرد يمكن أن يكون قطيعة حاسمة مع حكمه. بالرغم من أن الرئيس الجديد موالٍ له، إلا أنه كان يحاول القيام بدور أقوى لنفسه. وهذا بدوره أدى إلى إرباك البيروقراطية والنخب في كازاخستان، وساهم في رد فعل الحكومة البطيء على مطالب المحتجين، كما يقول المحللون”.
هل كازاخستان دولة ديمقراطية؟
قالت “نيويورك تايمز” إنه خلال فترة حكم نزارباييف، التي امتدت لثلاثة عقود، فاز في انتخابات متكررة بنحو 100 في المائة من الأصوات في كل مرة، وغالبًا ما كان يسجن المعارضين السياسيين أو الصحافيين الذين انتقدوه. انتخبت كازاخستان توكاييف في حزيران / يونيو 2019، ولكن مع نتائج انتخابات غير متوازنة في تصويت خاضع لسيطرة مشددة شابته مئات الاعتقالات للمتظاهرين.
ووصف مراقبون من “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” الانتخابات بأنها غير عادلة. تشير النتيجة والإجراءات القاسية التي مارستها الشرطة ضد المتظاهرين السلميين أنذاك إلى أنه في حين أن الزعيم المخضرم للبلاد قد تخلى عن الرئاسة، فإن النظام الذي أنشأه خلال فترة حكمه الطويلة ظل ثابتًا في مكانه. فمنذ وصوله إلى السلطة، سعى توكاييف إلى “الترويج لصورة أكثر نعومة من سلفه ومعلّمه. لكن المدافعين عن حقوق الإنسان يقولون إن الهيكل الاستبدادي الذي بناه سلفه أثبت مرونته”، ختمت الصحيفة.
(سيرياهوم نيوز-نيويورك تايمز-الميادين ٧-١-٢٠٢٢)